موسوعة الفرق

المَبحَثُ السَّابعُ: تَفسيرُ شُبَّرٍ


تَفسيرُ القُرآنِ الكريمِ هو تَفسيرٌ وجيزٌ لعَبدِ اللهِ بنِ مُحَمَّد رِضا شُبَّر الحُسَينيِّ، وُلدَ بالنَّجَفِ، وعاشَ في بَغدادَ والحلَّةِ، وتوُفِّي في بَغدادَ سَنةَ 1242 هجريَّة، ويُسَمِّيه الشِّيعةُ المَجلسيَّ الثَّانيَ [2272] يُنظر: ((الأعلام)) للزركلي (4/ 130). أمَّا المجلِسيُّ الأوَّلُ فهو محمَّد باقِر المجلِسيُّ المتوَفَّى سنةَ 1111ه، وهو صاحِبُ الموسوعةِ الشَّهيرةِ ((بحار الأنوار)). .
وله ثَلاثةُ تَفاسيرَ: الكبيرُ والوسيطُ والوجيزُ.
قال مُحَمَّد هادي معرفة: (أمَّا التَّفسيرُ الكبيرُ فهو المَعروفُ بصَفوةِ التَّفاسيرِ، لا يزالُ مخطوطًا، في مُجَلَّدَينِ كبيرَينِ، يوجَدُ المُجَلَّدُ الأوَّلُ مِنه في خِزانةِ المَخطوطاتِ في مَكتَبةِ المرعشيِّ بقَمٍّ، والمُجَلَّدُ الثَّاني في مَكتَبةِ المَجلسِ بطِهْرانَ... وهذا التَّفسيرُ مُعتَمِدٌ على الأثَرِ، ومُشَبعٌ بالنَّقدِ والنَّظَرِ، جمعًا بَينَ الرِّوايةِ في إتقانٍ والدِّرايةِ في إحكامٍ) [2273] ((التفسير والمفسرون)) (2/793-794). .
وقال عنِ التَّفسيرِ الوسيطِ، واسمُه الجَوهَر الثَّمين في تَفسيرِ الكِتاب المُبينِ: (كُتِبَ على نَمَطِ التَّفسيرِ الكبيرِ في حَجمٍ أقَلَّ، مَعَ مُقدِّمةٍ وجيزةٍ موفِيةٍ... وقد اعتَمَدَ في تَفسيرِه هذا في بَيانِ اللُّغةِ والمَعاني على البَيضاويِّ نقلًا بالنَّصِّ، مَعَ تَوضيحٍ وشَرحٍ، مُدعَّمًا بنَقلِ أحاديثِ أهلِ البَيتِ مَعَ رِعايةِ الاختِصارِ والاقتِصارِ على حَلِّ مُشكِلاتِ الآثارِ. وفي النَّقلِ اعتَمَدَ كثيرًا على القُمِّيِّ والمَجلسيِّ في البحارِ. ولم يُسرِفْ في النَّقلِ إلَّا على قدرِ الحاجةِ واقتِضاءِ الضَّرورةِ.
والخُلاصةُ: أنَّ تَفسيرَ الجَوهَرِ الثَّمين يُعَدُّ مِنَ التَّفاسيرِ المُعتَمَدةِ لدى العُلماءِ، بما حُبِي مِنَ الدِّقَّةِ والإيجازِ والإيفاءِ، مَعَ الإحاطةِ بجَوانِبِ الكلامِ في رِعايةٍ بالغةٍ، وقد طُبعَ طَبعةً أنيقةً، وتَداوَله أهلُ التَّحقيقِ والتَّدقيقِ برَحابةٍ) [2274] ((التفسير والمفسرون)) (2/794). .
وأمَّا التَّفسيرُ الوجيزُ فقال عنه معرفة: (قد حُبِي بحَفاوةٍ مُنذُ عَهدٍ قديمٍ؛ فقد احتَفلت به المَجامِعُ العِلميَّةُ في شَتَّى البلادِ لوَجازَتِه وكفاءَتِه في الإيفاءِ بمَعاني كلامِ اللهِ في أقصَرِ بَيانٍ وأحسَنِ تِبيانٍ) [2275] ((التفسير والمفسرون)) (2/795). .
أمثلةٌ من تفسيرِ شُبَّرٍ الوجيزِ:
1- في قَولِ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102] ذَكَر شُبَّرٌ أنَّها قُرِئَت (تَقيَّة، وهذه قِراءةٌ غَيرُ مَعروفةٍ حتَّى في القِراءاتِ الشَّاذَّةِ المُدَوَّنةِ، وواضِحٌ أنَّ تَحريفَ التَّقوى بالتَّقيَّةِ فيه تَأييدُ مَبدَأٍ مِن مَبادِئِ الجَعفريَّةِ، وهو التَّقيَّةُ التي يجعَلونَها مِنَ الدِّينِ، وذَكرَ أيضًا أنَّه قُرِئَ آخِرُها (مُسَلِّمونَ)، وهي أيضًا قِراءةٌ شاذَّةٌ، قال شُبَّرٌ: (وقُرِئَ بالتَّشديدِ، أي: مُنقادونَ للرَّسولِ، ثُمَّ للإمامِ مِن بَعدِه) [2276] ((تفسير شُبَّر)) (ص: 96). .
2- في قَولِ اللهِ سُبحانَه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [آل عمران:110] قال شُبَّرٌ: (هم آلُ مُحَمَّدٍ عليهمُ السَّلامُ، وقُرِئَ: كُنتُم خَيرَ أئِمَّةٍ) [2277] ((تفسير شُبَّر)) (ص: 97). . ومَعلومٌ أنَّ هذه ليست مِنَ القِراءاتِ المُتَواتِرةِ، ولا حتَّى مِنَ القِراءاتِ الشَّاذَّةِ المَعروفةِ عِندَ عُلماءِ القِراءاتِ [2278] يُنظر مثلًا كتاب: ((معجم القراءات)) لعبد اللطيف الخطيب (1/ 556). !
3- في قَولِ اللهِ تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] أوَّلها شُبَّرٌ بقَولِه: (وإنَّا له لحافِظونَ عِندَ أهل الذِّكرِ واحدًا بَعدَ واحِدٍ إلى القائِمِ أو في اللَّوحِ، وقيل: الضَّميرُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ) [2279] ((تفسير شُبَّر)) (ص: 334). . وهذا الكلامُ قد يُشيرُ إلى اعتِقادِ وُقوعِ التَّحريفِ في القُرآنِ الكريمِ، وأنَّ القُرآنَ الذي في مَصاحِفِ المُسلمينَ غَيرُ مَحفوظٍ كما أخبَرَ اللهُ سُبحانَه!
قال مُحَمَّد حُسَين الذَّهَبيُّ: (نَجِدُ شُبَّرًا يعتَقِدُ بأنَّ القُرآنَ بُدِّل وحُرِّف، ولمَّا اصطَدَمَ بقَولِه تعالى في الآيةِ التَّاسِعةِ مِن سورةِ الحِجرِ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] نَجِدُه يتَفادى هذا الاصطِدامَ بالتَّأويلِ، ثُمَّ نَقَل تَأويلَه للآيةِ الكريمةِ [2280] ((التفسير والمفسرون)) (2/191). .
4- في قَولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتقِيمٌ [الحجر: 41] جَعَل شُبَّرٌ الجارَّ والمَجرورَ اسمَ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه! فقال: (صِراطُ عَليٍّ بالإضافةِ، كما في بَعضِ الأخبارِ) [2281] ((تفسير شُبَّر)) (ص: 264). .
5- في قَولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة: 40] ، شَقَّ على شُبَّرٍ أن تَكونَ هذه الآيةُ في بَيانِ فضلِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ، ولا مَدحَ فيه؛ إذ قد يصحَبُ المُؤمِنُ الكافِرَ كما: قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ [الكهف: 37] ، لَا تَحْزَنْ: فإنَّه خاف على نَفسِه، وقُبِضَ واضطَرَبَ حتَّى كادَ أن يدُلَّ عليهما، فنهاه عن ذلك، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا عالمٌ بنا... فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ طُمَأنينتَه عَلَيْه على الرَّسولِ، وفي إفرادِه صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ بها هَهنا مَعَ اشتِراكِ المُؤمِنينَ مَعَه حَيثُ ذَكرتُ: ما لا يخفى) [2282] ((تفسير شُبَّر)) (ص: 238). .
6- آياتُ سورةِ النُّورِ التي فيها تَبرِئةُ أُمِّ المُؤمِنينَ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها مِنَ الإفكِ حَرَّف مَعناها شُبَّرٌ، فجَعَل فيها اتِّهامًا لها فقال: (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ تحَمَّلَ مُعْظَمَه مِنْهُمْ من الآفكينَ لَهُ عذَابٌ عَظِيمٌ [النور: 11] في الآخِرةِ، أو في الدُّنيا بجَلْدِهم، نَزَلت في ماريَّةَ القِبطيَّةِ وما رَمَتْها به عائِشةُ مِن أنَّها حَمَلت بإبراهيمَ مِن جُرَيجٍ القِبطيِّ، وقيل: في عائِشةَ) [2283] ((تفسير شُبَّر)) (ص: 238). .
7- في قَولِ اللهِ تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الحج: 52] ، قال شُبَّرٌ: (وعنهم أي أئِمَّةِ الشِّيعةِ: أو مُحدَّثٍ -بفتحِ الدَّالِ- هو الإمامُ يسمَعُ الصَّوتَ ولا يرى المَلَكَ) [2284] ((تفسير شُبَّر)) (ص: 328). .
8- بَيَّن شُبَّرٌ أنَّ سورةَ المَعارِجِ مَكِّيَّةٌ ثُمَّ فسَّرَها بقَولِه: (سَأَلَ سَائِلٌ: دعا داعٍ، بِعَذَابٍ وَاقِعٍ [المعارج: 1] : نَزَلت لَمَّا قال بَعضُ المُنافِقينَ يوم الغَديرِ: اللَّهُمَّ إن كان هذا هو الحَقَّ مِن عِندِك فأمطِرْ علينا حِجارةً مِنَ السَّماءِ، فرَماه اللهُ بحَجَرٍ فقَتَله) [2285] ((تفسير شُبَّر)) (ص: 531). ، ومَعلومٌ أنَّ غَديرَ خُمٍّ كان في حَجَّةِ الوداعِ قَبلَ وفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَليلٍ!

انظر أيضا: