موسوعة الفرق

تمهيدٌ: الآثارُ السَّيِّئةُ للإرجاءِ في الجُملةِ


مَذهَبُ المُرجِئةِ مَذهَبٌ مُحدَثٌ، وكُلُّ مُحدَثةٍ بِدعةٌ، وكُلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وللإرجاءِ آثارٌ سيِّئةٌ كثيرةٌ في حياةِ المُسلِمينَ، وهذه البِدعةُ سببٌ عظيمٌ في التَّهاوُنِ في تَركِ العِباداتِ، واقتِرافِ المعاصي، وفي التَّهاوُنِ بالأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، وهي سببٌ في السُّكوتِ عن إنكارِ الشِّركِ الذي يقعُ فيه بعضُ المُنتسِبينَ إلى الإسلامِ، وإغضاءِ الطَّرفِ عن سائِرِ المُنكَراتِ المُنتشِرةِ في الأمَّةِ، حتَّى ما يتعلَّقُ بالرِّدَّةِ وتَركِ الحُكمِ بشريعةِ الإسلامِ.
وكثيرٌ مِن المُرجِئةِ يُبرِّرونَ الأعذارَ لمَن يقعُ في الكُفرِ والآثامِ، ويتصوَّرونَ مسائِلَ ليست واقِعةً إلَّا في أذهانِهم، مِثلُ قولِهم بإيمانِ إنسانٍ يعتقِدُ بقلبِه صِحَّةَ الإسلامِ، ونطَق بلِسانِه الشَّهادتَينِ، إلَّا أنَّه طَوالَ حياتِه لم يعمَلْ أيَّ عَملٍ صالِحٍ بجوارِحِه، فهذا غَيرُ موجودٍ، فلا بُدَّ أن يعمَلَ أيَّ عَملٍ صالِحٍ إن كان مُؤمِنًا، ولو صلاةً واحِدةً في بعضِ الأوقاتِ، أو أن يُسبِّحَ اللهَ تسبيحةً، أو يَدعُوَه، أو يَستَغفِرَه في بعضِ الأحوالِ، أو يَبَرَّ والِدَيه، أو يُحسِنَ إلى مِسكينٍ يبتغي به الثَّوابَ مِن عندِ اللهِ، أو يترُكَ بعضَ الفواحِشِ خوفًا مِن اللهِ، أمَّا أن يُتصوَّرَ أنَّ مُؤمِنًا يترُكُ جِنسَ العَملِ مُطلَقًا، فهذا لا يُمكِنُ وُجودُه إلَّا في عُقولِ المُرجِئةِ!
ومِن عجيبِ أمرِ المُرجِئةِ أنَّهم لا يَحكُمونَ بالكُفرِ والرِّدَّةِ إلَّا على مَن وقَع في كُفرِ التَّكذيبِ والجُحودِ، فقصَروا الكُفرَ على الكُفرِ الاعتِقاديِّ، معَ أنَّه معلومٌ عندَ أهلِ السُّنَّةِ أنَّ الكُفرَ يكونُ بالاعتِقادِ والقولِ والفِعلِ، والشَّكِّ والتَّركِ؛ فالكُفرُ الاعتِقاديُّ ككُفرِ مَن اعتقَد أنَّ غَيرَ اللهِ يعلَمُ الغَيبَ، أو اعتقَد أنَّ غَيرَ شرَعِ اللهِ أفضَلُ مِن شَرعِ اللهِ. والكُفرُ القوليُّ كمَن دعا غَيرَ اللهِ، أو سبَّ اللهَ ورسولَه. والكُفرُ بالفِعلِ كمَن سجَد لغَيرِ اللهِ، أو ذبَح لغَيرِ اللهِ. والكُفرُ بالشَّكِّ كمَن يشُكُّ في البعثِ بَعدَ الموتِ. والكُفرُ بالتَّركِ كمَن ترَك الصَّلاةَ، أو ترَك الحُكمَ بشريعةِ اللهِ، والأدلَّةُ على ذلك معروفةٌ، ويكفي في هذا أنَّ اللهَ حكَم بالكُفرِ على إبليسَ حينَ ترَك سجدةً أمَره اللهُ بها، فأبى أن يسجُدَ لآدَمَ، وأعرَض عن العَملِ بما أمَره اللهُ، معَ كونِه يُصدِّقُ بأنَّ اللهَ حقٌّ، ويُؤمِنُ بأنَّ اللهَ شديدُ العِقابِ، ويعلَمُ بأنَّ اللهَ يبعَثُ النَّاسَ ويُحاسِبُهم في الآخِرةِ، ولكنْ لم ينفَعْه تصديقُه؛ لأنَّه ترَك العَملَ بما أمَره اللهُ مِن السُّجودِ لآدَمَ.
والمقصودُ أنَّ المُرجِئةَ يتهاوَنونَ حتَّى معَ المُرتَدِّينَ والمُنافِقينَ، وصارَت بِدعتُهم سببًا للتَّلاعُبِ بالدِّينِ والأحكامِ الشَّرعيَّةِ، وعلى المُسلِمِ أن يحذَرَ أشَدَّ الحَذرِ مِن بِدعةِ الإرجاءِ، ومِن بِدعةِ الخوارِجِ، فهُما طرفَا نقيضٍ، والإنسانُ قد يميلُ به هواه إلى إحدى هاتَينِ البِدعتَينِ، والحقُّ بَينَهما، واللهُ المُستعانُ.

انظر أيضا: