موسوعة الفرق

الفصلُ الثَّالثُ: الكُلَّابيَّةُ


ظهَر في أوَّلِ القرنِ الثَّالثِ الهِجريِّ عبدُ اللهِ بنُ سعيدٍ القطَّانُ البَصريُّ (ت 243هـ)، ويُقالُ له: ابنُ كُلَّابٍ؛ لأنَّه كان يجُرُّ الخُصومَ إلى نَفسِه بفَضلِ بيانِه كأنَّه كُلَّابٌ، ويُقالُ لأصحابِه: الكُلَّابيَّةُ، وكان رحِمه اللهُ له فَضلٌ وعِلمٌ ودينٌ، وصنَّف مُصنَّفاتٍ كثيرةً في الرَّدِّ على الجَهْميَّةِ والمُعتزِلةِ، وربَّما وافَق المُعتزِلةَ، وكان يميلُ إلى مَذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ، لكنْ فيه نوعٌ مِن البِدعةِ، وقد خاض في عِلمِ الكلامِ، أيَّد عقائِدَ أهلِ السُّنَّةِ بحُجَجٍ كلاميَّةٍ، وهو الذي ابتدَع القولَ بأنَّ كلامَ اللهِ قائِمٌ بذاتِ اللهِ بلا مشيئةٍ، وكان ممَّن أخَذ عنه الحارِثُ بنُ أسدٍ المُحاسِبيُّ (ت 243هـ)، وداودُ بنُ عليٍّ الأصبَهانيُّ الظَّاهِريُّ (ت 270هـ)، ثُمَّ جاء بَعدَهم أبو الحَسنِ الأشعَريُّ (ت 324هـ) الذي تأثَّر بابنِ كُلَّابٍ كثيرًا، فأصلُ مَذهَبِ الأشاعرةِ هو مَذهَبُ ابنِ كُلَّابٍ [84] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) لأبي الحسن الأشعري (1/ 138، 141) و (2/ 398)، ((البدء والتاريخ)) لمطهر المقدسي (ص: 303)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (12/ 366)، ((سير أعلام النبلاء)) (11/174)، ((تاريخ الإسلام)) (5/ 981) كلاهما للذهبي، ((طبقات الشافعية الكبرى)) للسبكي (2/ 299)، ((لسان الميزان)) لابن حجر (4/ 486). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (ابنُ كُلَّابٍ قولُه مشوبٌ بقولِ الجَهْميَّةِ، وهو مُركَّبٌ مِن قولِ أهلِ السُّنَّةِ وقولِ الجَهْميَّةِ) [85] ((مجموع الفتاوى)) (16/ 308). .
وقال ابنُ تيميَّةَ أيضًا: (ابنُ كُلَّابٍ إمامُ الأشعَريَّةِ أكثَرُ مُخالَفةً لجَهمٍ، وأقرَبُ إلى السَّلفِ مِن الأشعَريِّ نَفسِه) [86] ((مجموع الفتاوى)) (12/ 202). .
ومِن عقائِدِ الكُلَّابيَّةِ الإرجاءُ، كما هو مَذهَبُ الأشعَريَّةِ الذين هم في الأصلِ كُلَّابيَّةٌ [87] يُنظر: ((الإيمان)) لابن تيمية (ص: 334، 335، 348، 350). .
ومِن رُموزِ الكُلَّابيَّةِ: الحارِثُ بنُ أسدٍ المُحاسِبيُّ، الزَّاهِدُ الصُّوفيُّ المشهورُ (ت 243هـ)، روى يَسيرًا عن يَزيدَ بنِ هارونَ، وكان ثِقةً في الحديثِ، وله كُتبٌ في الزُّهدِ وفي أصولِ الدِّياناتِ، والرِّدِّ على المُخالِفينَ مِن المُعتزِلةِ والرَّافِضةِ، ومِن أشهَرِ تلاميذِه: أبو القاسِمِ الجُنَيدُ بنُ مُحمَّدٍ البَغداديُّ، شيخُ الصُّوفيَّةِ المشهورُ [88] يُنظر: ((تاريخ بغداد)) للبغدادي (9/104)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (12/ 110، 112). .
قال الذَّهبيُّ: (المُحاسِبيُّ كبيرُ القَدْرِ، وقد دخَل في شيءٍ يَسيرٍ مِن الكلامِ، فنُقِم عليه) [89] ((سير أعلام النبلاء)) (12/111). .
وقال ابنُ الأعرابيِّ: (تفقَّه الحارِثُ، وكتَب الحديثَ، وعرَف مذاهِبَ النُّسَّاكِ، وكان مِن العِلمِ بمَوضِعٍ، إلَّا أنَّه تكلَّم في مسألةِ اللَّفظِ ومسألةِ الإيمانِ) [90] يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (12/112). .

انظر أيضا: