موسوعة الفرق

تمهيد: لمحةٌ موجزةٌ عن قيامِ الإباضيَّةِ


تَبيَّن من خلالِ حركاتِ الخَوارِجِ الثَّوريَّةِ على الخلافةِ الأُمَويَّةِ والعبَّاسيَّةِ كيف أنَّها لم تُفِدْ في تحقيقِ ما يريدونَ من إصلاحٍ في الأوضاعِ السِّياسيَّةِ والاجتِماعيَّةِ والدِّينيَّةِ خِلالَ هاتينِ الدَّولتَينِ، بل ولم يستطِعِ الخَوارِجُ أن يُقيموا من خلالِها مجتَمَعًا خاصًّا بهم يحكُمُهم حَسَبَ آرائِهم، وإنَّما كانت تلك الحركاتُ مجرَّدَ فَوراتٍ سُرعانَ ما ينتهي أمرُها طال الأمَدُ أو قَصُر، بإضعافِ شَوكةِ الخَوارِجِ، أو القضاءِ على فُلولِهم المهزومةِ.
وإذا كانوا قد شَغَلوا الخِلافةَ الإسلاميَّةَ خِلالَ تلك السَّنَواتِ الطَّويلةِ إلَّا أنَّ الصِّراعَ الذي دار بَينَهم وبَينَها لم تكُنْ مُحَصِّلتُه إيجابيَّةً بالنِّسبةِ لهم، وإنَّما كانت نتيجتُه إنهاكَ قُوَّةِ الدَّولةِ وقُوَّتِهم هم أيضًا في تلك الحُروبِ الأهليَّةِ الضَّاريةِ.
نعم، لقد كانت جيوشُ الخِلافةِ بالمِرصادِ لتلك الحَركاتِ الثَّائرةِ وَسَطَ الدَّولةِ الإسلاميَّةِ وفي المناطِقِ التي سَهُل على تلك الجيوشِ لِقاؤُهم بها، ولا سِيَّما إبَّانَ قُوَّةِ تلك الدَّولةِ، ومع ذلك فقد أفلَح بعضُ الخَوارِجِ في بعضِ المناطِقِ الوَعرةِ في الدَّولةِ الإسلاميَّةِ، كعُمانَ، وفي الأطرافِ النَّائيةِ لتلك الدَّولةِ، كالمَغرِبِ العَربيِّ؛ أفلَحَ أولئك الخَوارِجُ في إقامةِ دولةٍ لهم كان لهم فيها حُكمٌ، ولهم عليها سُلطانٌ، وتتمَثَّلُ تلك الدَّولةُ الخارِجيَّةُ في دولةِ الإباضيَّةِ في عُمانَ، ودولتُهم هم والصُّفْريَّةُ في المَغرِبِ العَرَبيِّ.
وقد بَسَط الخَوارِجُ نُفوذَهم أيضًا على بعضِ المناطِقِ الأُخرى في المَشرِقِ غيرِ عُمانَ؛ فقد بَسَط نافِعُ بنُ الأزرَقِ نفوذَه على الأهوازِ إلى كَرْمانَ، وتمَكَّنوا من دَوْلابَ وسِلِّبْرَى وسِلَّى، وغيرِهما من تلك النَّواحي، وبَسَط نَجْدةُ نُفوذَه على اليمامةِ والبَحرينِ والقَطيفِ وصَنعاءَ، وخَلَفَه على تلك المناطِقِ أبو نُزَيكٍ، إلى غيرِ ذلك من أمثالِ تلك الظَّواهِرِ، ولكِنَّها لا تُمثِّلُ وَضعًا من أوضاعِ الحُكمِ المُنظَّمِ والمُستَقِرِّ، ولم تَدُمْ إلَّا سنَواتٍ قليلةً، بل كان بعضُها لا يبقى إلَّا شهورًا [963] يُنظر: ((الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية)) (ص: 161- 177)، ((فرق معاصرة)) (1/ 256) كلاهما لعواجي، ((الخلافة والخوارج في المغرب العربي)) لفوزي (ص: 29، 83، 107)، ((الصحابة بين الفرقة والفرق)) للسويلم (ص: 411). بتصرُّفٍ يسيرٍ. وللاستزادة يُنظر: ((الإباضية في ميزان أهل السنة)) للسني (منشور إلكترونيًّا)، ((الإباضِية وهل هم خوارج)) لآل عبد اللطيف. .

انظر أيضا: