موسوعة الفرق

الفصلُ الأوَّلُ: زعيمُ الإباضيَّةِ


إنَّ زعيمَ الإباضيَّةِ الأوَّلَ المُقَدَّمَ على كُلِّ أحدٍ هو جابِرُ بنُ زَيدٍ الأزْديُّ -كما تذكُرُ مصادِرُهم- ونُسِبوا إلى عبدِ اللهِ بنِ إباضٍ؛ لشُهرةِ مواقِفِه مع الحُكَّامِ المُخالِفين لهم، وقد اشتَهَروا بهذا الاسمِ عِندَ جميعِ مَن كَتَب عن الفِرَقِ، لم يخالِفْ في هذا إلَّا مَن شَذَّ. اتَّفَقوا جميعًا على أنَّه عبدُ اللهِ بنُ يحيى بنِ إباضٍ المُرِّيُّ، من بني مُرَّةَ بنِ عُبَيدٍ، ويُنسَبُ إلى بني تَميمٍ [964] يُنظر: ((التنبيه والرد)) للملطي (ص: 55). .
وقد كان ابنُ إباضٍ معاصِرًا لابنِ الزُّبَيرِ مع الخَوارِجِ الذين حاربوا معه ضِدَّ جُيوشِ الشَّامِ [965] يُنظر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (7/239). .
قال البَغداديُّ: (اجتمَعَت الإباضيَّةُ على القولِ بإمامةِ عبدِ اللهِ بنِ إباضٍ) [966] ((الفَرْق بين الفِرَق)) (ص: 103). ويُنظر: ((الكامل)) للمبرد (2/179). .
ويرى الشَّهْرَسْتانيُّ أنَّ خُروجَ عبدِ اللهِ بنِ إباضٍ كان في زمَنِ مَروانَ بنِ محمَّدٍ، فوجَّه إليه عبدُ اللهِ بنُ محمَّدِ بنِ عطيَّةَ، فقاتَلَه بتَبالةَ [967] ((المِلَل والنِّحَل)) (1/134). ، ولكِنَّ هذا غيرُ صحيحٍ؛ فإنَّ عبدَ اللهِ بنَ إباضٍ تُوُفِّيَ في أواخِرِ أيَّامِ عَبدِ المَلِكِ بنِ مَروانَ. وفي هذا يقولُ علي يحيى مَعمَر: (كثيرٌ من المُؤَرِّخين وأصحابِ المقالاتِ يحسَبون أنَّ عبدَ اللهِ بنَ إباضٍ خرج في أيَّامِ مَروانَ بنِ محمَّدٍ، وأنَّه قُتِل في معركةِ تَبالةَ، وهو خطأٌ تاريخيٌّ؛ لأنَّ عبدَ اللهِ بن إباضٍ الذي تُنسَبُ إليه الإباضيَّةُ تُوُفِّيَ في أواخِرِ أيَّامِ عَبدِ المَلِكِ، وهو أكبَرُ من جابرٍ في السِّنِّ، وتابِعٌ له في المَذهَبِ والرَّأيِ، ونُسِب المَذهَبُ إليه؛ لأنَّه كان أكثَرَ ظُهورًا في المَيدانِ السِّياسيِّ عِندَ الدَّولةِ الأُمَويَّةِ، والتَّسميةُ منها) [968] ((الإباضية بين الفرق الإسلامية)) (ص: 353). .
وهكذا يقولُ عَمرُو خليفة النَّامي في مُقَدِّمةِ كِتابِ (أجوِبةُ ابنِ خَلفونَ)، فهو يَذكُرُ أنَّ مُؤَسِّسَ المَذهَبِ الإباضيِّ هو أبو الشَّعثاءِ جابِرُ بنُ زَيدٍ الأزْديُّ، وهو من تلاميذِ ابنِ عبَّاسٍ. ثُمَّ يَذكُرُ أنَّ نِسبةَ المَذهَبِ الإباضيِّ إلى ابنِ إباضٍ -وهو تابعيٌّ أيضًا عاصَرَ مُعاويةَ وتُوُفِّيَ في أواخِرِ أيَّامِ عَبدِ المَلِكِ بنِ مَروانَ- نِسبةٌ عَرَضيَّةٌ كان سَبَبَها بعضُ المواقِفِ الكلاميَّةِ والسِّياسيَّةِ التي اشتَهَر بها ابنُ إباضٍ وتميَّز بها؛ فنُسِبَ المَذهَبُ الإباضيُّ إليه، ولم يَستَعمِلِ الإباضيَّةُ في تاريخِهم المُبَكِّرِ هذه النِّسبةَ، فكانوا يَستَعمِلون عبارةَ (جماعةُ المُسلِمين) أو (أهلُ الدَّعوةِ)، وأوَّلُ ما ظهر استِعمالُهم لكَلِمةِ الإباضيَّةِ كان في أواخِرِ القَرنِ الثَّالِثِ الهِجريِّ، حَسَبَما يذهَبُ إليه ابنُ خَلْفونَ [969] يُنظر: ((أجوبة ابن خلفون)) (ص: 9). .

انظر أيضا: