موسوعة الفرق

الفَصلُ الأوَّلُ: من صفاتِ الخَوارِجِ: الشَّجاعةُ وسُرعةُ الاندِفاعِ


لَعِبت صفةُ الشَّجاعةِ دَورًا كبيرًا في بُروزِ الخَوارِجِ وعِظَمِ فِتنَتِهم، كما تبيَّن سابِقًا في معاركِهم وحروبِهم، وكما سيتبيَّنُ هنا؛ فقد بلغ الخَوارِجُ القمَّةَ في الإقدامِ على الموتِ في ساحاتِ القتالِ، فلا يهابون بَطشَ أحَدٍ ولا يَقِفُ دونَ غَضَبِهم حاجِزٌ، وقد اشتَهَروا شُهرةً لا يُخطِئُها مُطَّلعٌ على أحوالِهم في مجالِ الشَّجاعةِ النَّادِرةِ والاستِبسالِ في المعارِكِ، وقد ساعد على شجاعتِهم النَّادِرةِ وُجودُ العُدَّةِ الكافيةِ مِن خَيلٍ جِيادٍ وأسلحةٍ تامَّةٍ؛ ذلك أنَّهم كانوا سَريعي الإغارةِ والتَّحرُّكِ من مكانٍ إلى مكانٍ، فكانوا يتخيَّرون رُكوبَ الخَيلِ الجِيادِ.
وتلك الشَّجاعةُ وذلك الاستِبسالُ لو وُجِّه وِجهةً صَحيحةً، لكان له أثرٌ بالغٌ في مجرى التَّاريخِ، فكانوا جنودًا عامِلين في نَشرِ الفُتوحاتِ الإسلاميَّةِ بدَلًا من حَربِهم للمُسلِمين وإضعافِهم لقُوَّةِ الدَّولةِ الإسلاميَّةِ، وكذلك لو عُومِلَ الخَوارِجُ مُعامَلةً حَسَنةً بالصَّبرِ والحِكمةِ لربَّما خفَّت تلك الثَّورةُ العنيفةُ، فلو عُولِجوا ببعضِ الحِكمةِ والرَّأفةِ لقَلَّ أو لرُبَّما انعَدَمت تلك المعارِكُ التي ذهب ضحيَّتَها آلافُ البَشَرِ ممَّا لا يُحصيهم إلَّا اللهُ.
وهذا يُذكِّرُ بموقِفِ يزيدَ بنِ عَبدِ المَلِكِ حينَ أرسل إلى الخارِجيِّ عُقفانَ أخاه يستَعطِفُه حتَّى ردَّه عن خُروجِه، فلمَّا وَلِيَ هِشامُ بنُ عَبدِ المَلِكِ ولَّاه أمرَ العُصاةِ، فقَدِم ابنُه من خُراسانَ غاضِبًا فشَدَّ وَثاقَه وبعَث به إلى هِشامٍ، فأطلقَه لأبيه، وقال: (لو خانَنا عُقْفانُ لكَتَم أمرَ ابنِه)، واستعمل عُقفانَ على الصَّدَقةِ، فبَقِي عليها إلى أن تُوُفِّيَ هِشامٌ يُنظر: ((الكامل)) لابن الأثير (5/118). .
وكما اشتَهَر رجالُهم بالشَّجاعةِ اشتَهَرت نساؤُهم كذلك بمواقِفَ عَجيبةٍ في الثَّباتِ؛ فكانت المرأةُ منهم يؤتى بها أسيرةً حتَّى يوقَفَ بها أمامَ الحَجَّاجِ مَثَلًا، فلا تخضَعُ له، بل تَقِفُ وكأنَّها غيرُ مُكتَرِثةٍ به!
وفي الجُملةِ فالشَّجاعةُ الكبيرةُ التي تحلَّى بها الخَوارِجُ أدَّت بهم إلى التَّهوُّرِ في الحَربِ، وسَفكِ دِماءِ المُسلِمين إلى حَدٍّ سَيِّئٍ.

انظر أيضا: