موسوعة الفرق

الفَصلُ الرَّابعُ: من صفاتِ الخَوارِجِ: الفَصاحةُ وقُوَّةُ البيانِ


كانت فصاحةُ الخَوارِجِ وقوَّةُ تأثيرِ كلامِهم من الصِّفاتِ التي لَعِبت دورًا هامًّا في ترويجِ مَذهَبِهم والدَّعوةِ إليه بَينَ المُسلِمين.
فقد اشتَهَر الخَوارِجُ بالفصاحةِ وقُوَّةِ الأسلوبِ، وعَرْضِ مذهبِهم والدُّعاءِ إليه بصورةٍ شائقةٍ تجذِبُ إليهم القُلوبَ، وتتأثَّرُ بكلامِهم أيَّما تأثُّرٍ؛ فلهم خُطَبٌ وأشعارٌ وأمثالٌ ومُناظراتٌ مشهورةٌ في كُتُبِ الأدَبِ تتمَيَّزُ بفصاحتِها وقُوَّةِ بيانِها، ومن أمثلةِ ذلك:
أنَّ عَبدَ المَلِكِ بنَ مَروانَ أُتِيَ برَجُلٍ منهم فرأى منه ما شاء فَهمًا وعِلمًا وأدَبًا، فرَغِب فيه واستدعاه إلى الرُّجوعِ عن مذهَبِه، فجعل الخارِجيُّ يَبسُطُ له من قَولِ الخَوارِجِ ويُزَيِّنُ له مذهَبَهم بلِسانٍ طَلْقٍ وألفاظٍ بَيِّنةٍ ومَعانٍ قريبةٍ، حتَّى قال عَبدُ المَلِكِ بَعدَ ذلك: (لقد كاد يوقِعُ في خاطِري أنَّ الجنَّةَ خُلِقَت لهم وأنِّي أَولى بالجِهادِ منهم! ثُمَّ رجَعْتُ إلى ما ثبَّت اللهُ عَلَيَّ من الحُجَّةِ ووَقَر في قلبي من الحَقِّ، فقُلتُ له: للهِ الآخِرةُ والدُّنيا، وقد سلَّطني اللهُ في الدُّنيا ومكَّن لنا فيها، وأراك لستَ تُجيبُ بالقولِ، واللهِ لأقتُلَنَّك إن لم تُطِعْ) [251] ((الكامل)) للمبرد (2/146). .
وقد وَصَف ابنُ زيادٍ أُسلوبَ الخَوارِجِ وقُوَّةَ بيانِهم بقَولِه: (لَكلامُ هؤلاء أسرَعُ إلى القلوبِ من النَّارِ إلى اليَراعِ [252] المرادُ باليَراعِ: القَصَبُ المجوَّفُ، الذي يكونُ كالمِزْمارِ، يُنفَخُ فيه. يُنظر: ((صبح الأعشى)) للقلقشندي (2/ 161). [253] ((الكامل)) للمبرد (2/155). .
ووصَفَهم أبو زهرةَ بأنَّهم (اتَّصَفوا بالفصاحةِ وطَلاقةِ اللِّسانِ، والعِلمِ بطُرُقِ التَّأثيرِ البيانيِّ، وكانوا ثابِتي الجَنانِ، لا تأخُذُهم حُبسةٌ فِكريَّةٌ... يُحبُّون الجَدَلَ والمناقَشةَ ومُذاكرةَ الشِّعرِ وكلامِ العَرَبِ، وكانوا يُذاكِرون مُخالِفيهم حتَّى في أزمانِ القِتالِ... كان التَّعصُّبُ يَسودُ جَدَلَهم، فهم لا يُسَلِّمون لخُصومِهم بحُجَّةٍ، ولا يقتَنِعون بفِكرةٍ مهما تكُنْ قريبةً من الحَقِّ وواضِحةَ الصَّوابِ، بل لا تزيدُهم قوَّةُ الحُجَّةِ عِندَ خُصومِهم إلَّا إمعانًا في اعتقادِهم وبحثًا عمَّا يُؤَيِّدُه) [254] ((تاريخ المذاهب الإسلامية)) (1/76). .

انظر أيضا: