موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: مِن مَضارِّ الفُرقةِ وآثارِها على المُجتمَعِ المُسلِمِ: خُروجُ الفِرَقِ، وفُشُوُّ الفِتَنِ والبِدَعِ


ما أن تتفرَّقَ الأمَّةُ وتُخالِفَ أمرَ اللهِ تعالى لها بالتِزامِ الجماعةِ وسُلوكِ الصِّراطِ المُستقيمِ، إلَّا وتقوى الفُرقةُ، وتُوقَدُ معَها الفِتنةُ، وتُنشَرُ معَها البِدعةُ؛ ممَّا يزيدُ الأمَّةَ وَهْنًا، والمُسلِمينَ بلاءً.
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضِي اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال عن الخوارِجِ: ((يخرُجونَ على حينِ فُرقةٍ مِن النَّاسِ )) [273] رواه البخاري (3610)، ومسلم (1064) ولفظُ البخاريِّ: (بينما نحنُ عندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يقسِمُ قَسمًا أتاه ذو الخُوَيِصرةِ -وهو رجلٌ من بني تميمٍ- فقال: يا رسولَ اللهِ اعدِلْ، فقال وَيْلَك! ومن يَعدِلُ إذا لم أعدِلْ! قد خِبتَ وخَسِرتَ إنْ لم أكُنْ أعدِلُ! فقال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ، ائذَنْ لي فيه فأضرِبَ عُنُقَه، فقال: دَعْه؛ فإن له أصحابًا يحقِرُ أحَدُكم صلاتَه مع صلاتِهم وصيامَه مع صيامِهم يَقْرَؤون القُرآنَ لا يجاوِزُ تراقيَهم، يَمرُقون من الدِّينِ كما يمرُقُ السَّهمُ من الرَّمِيَّةِ، يُنظَرُ إلى نصلِه فلا يوجَدُ فيه شيءٌ، ثمَّ يُنظَرُ إلى رِصافِه فما يوجَدُ فيه شيءٌ، ثمَّ يُنظَرُ إلى نَضِيِّه -وهو قِدْحُه- فلا يوجَدُ فيه شيءٌ، ثمَّ يُنظَرُ إلى قُذَذِه فلا يُوجَدُ فيه شيءٌ، قد سبَق الفَرْثَ والدَّمَ، آيتُهم رجلٌ أسوَدُ إحدى عَضُدَيه مِثلُ ثَدْيِ المرأةِ -أو مِثلُ البَضعةِ تَدَرْدَرُ-، ويخرجونَ على حينِ فُرقةٍ من النَّاسِ. قال أبو سعيدٍ: فأشهَدُ أنِّي سَمِعتُ هذا الحديثَ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأشهَدُ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالبٍ قاتَلَهم وأنا معه، فأمر بذلك الرَّجُلِ فالتُمِسَ فأُتِيَ به حتَّى نظرْتُ إليه على نعتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي نعَتَه). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (تجِدُ الإسلامَ والإيمانَ كُلَّما ظهَر وقوِي كانت السُّنَّةُ وأهلُها أظهَرَ وأقوى، وإن ظهَر شيءٌ مِن الكُفرِ والنِّفاقِ ظهرَت البِدَعُ بحسَبِ ذلك، مِثلُ: دولةِ المَهديِّ، والرَّشيدِ، ونَحوِهما ممَّن كان يُعظِّمُ الإسلامَ والإيمانَ، ويغزو أعداءَه مِن الكُفَّارِ والمُنافِقينَ، كان أهلُ السُّنَّةِ في تلك الأيَّامِ أقوى وأكثَرَ، وأهلُ البِدَعِ أذَلَّ وأقَلَّ...، وفي دَولةِ أبي العبَّاسِ المأمونِ ظهَر الخُرَّمِيَّةُ [274] الخُرَّمِيَّةُ: فِرقةٌ مِن غُلاةِ الشِّيعةِ. ونَحوُهم مِن المُنافِقينَ، وعَرَّب مِن كُتبِ الأوائِلِ المجلوبةِ مِن بلادِ الرُّومِ ما انتشَر بسببِه مقالاتُ الصَّابِئينَ، وراسَل مُلوكَ المُشرِكينَ مِن الهُنودِ ونَحوِهم، حتَّى صار بَينَه وبَينَهم مودَّةٌ، فلمَّا ظهَر ما ظهَر مِن الكُفرِ والنِّفاقِ في المُسلِمينَ، وقوِي ما قوِي مِن حالِ المُشرِكينَ وأهلِ الكتابِ؛ كان مِن أثرِ ذلك ما ظهَر مِن استِيلاءِ الجَهميَّةِ والرَّافِضةِ وغَيرِهم مِن أهلِ الضَّلالِ، وتقريبِ الصَّابِئةِ ونَحوِهم مِن المُتفلسِفةِ...، فتولَّد عن ذلك مِحنةُ الجَهميَّةِ، حتَّى امتُحِنَت الأمَّةُ بنَفيِ الصِّفاتِ، والتَّكذيبِ بكلامِ اللهِ ورُؤيتِه، وجرى مِن مِحنةِ الإمامِ أحمَدَ وغَيرِه ما جرى ممَّا يطولُ وَصفُه) [275] ((مجموع الفتاوى)) (4/18) باختصارٍ. .

انظر أيضا: