موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّامِنُ: الخَمْريَّاتُ


دَخَلَ شِعْرُ الخَمْريَّاتِ واللَّهْوِ والمُجونِ إلى الأنْدَلُسِ حينَما دَخَلَتْ أشْعارُ أبي نُواسٍ وغيْرِه مِن الماجِنينَ إلى الأنْدَلُسِ، فقَلَّدَ كَثيرٌ مِن الشُّعَراءِ الأنْدَلُسيِّينَ ذلك، وقالوا في الخَمْرِ ما قالوا، لا بَيانًا لحَقيقةِ حالِهم، وإنَّما مُجاراةٌ في الشَّاعِريَّةِ وأخْذٌ في بابِ الفُكاهةِ والمَرَحِ، كما فَعَلَ الشَّاعِرُ يَحْيى الغَزَّالُ أحَدُ أعْلامِ الشُّعَراءِ في الأنْدَلُسِ، يقولُ مُصَوِّرًا إحْدى المُغامَراتِ في حانةٍ مِن الحاناتِ على طَريقةِ أبي نُواسٍ:
ولمَّا رأيْتُ الشَّرْبَ أكْدَتْ سَماؤُهم
تَأبَّطْتُ زِقِّي واحْتَسَبْتُ عَنائي
فلمَّا أتَيْتُ الحانَ نادَيْتُ رَبَّها
فثابَ خَفيفَ الرُّوحِ نَحْوَ نِدائي
قَليلَ هُجوعِ العَيْنِ إلَّا تَعِلَّةً
على وَجَلٍ منِّي ومِن نُظَرائي
فقلْتُ أذِقْنيها فلمَّا أذاقَها
طَرَحْتُ عليهِ ريطتي ورِدائي
وقلْتُ أعِرْني بِذْلةً أسْتَتِرْ بها
بَذَلْتُ له فيها طَلاقَ نِسائي
فواللهِ ما بَرَّتْ يَميني ولا وَفَتْ
له غيْرَ أنِّي ضامِنٌ بوَفائي
فأُبْتُ إلى صَحْبي ولم أكُ آيِبًا
فكُلٌّ يُفَدِّيني وحُقَّ فِدائي [728] ((ديوان يحيى بن الحكم الغزال)) (ص: 29).
ثُمَّ لم يَلبَثِ الأمْرُ أن اسْتَحالَ حَقيقةً، خاصَّةً معَ عَدَمِ الوازِعِ الدِّينيِّ لدى النَّاسِ، وفي عُصورِ ضَعْفِ الخِلافةِ، وعنْدَما يَميلُ النَّاسُ -مُلوكًا وسُوقةً- إلى الدَّعةِ والتَّرَفِ والاسْتِمْتاعِ بمُتَعِ الحَياةِ عابِثينَ لاهينَ؛ حيثُ كانَتِ الخَمْرُ تُشرَبُ جِهارًا نَهارًا، لِهذا لم يَتَورَّعِ الشُّعَراءُ أن يَتَغنَّوا بها، أو يَذْكُروا صِفاتِها واجْتِماعَهم عليها.
ومِن ذلك قَوْلُ أبي عامِرِ بنِ مَسْلَمةَ في وَصْفِ الخَمْرِ:
مُزَّةٌ ماتَتْ زَمانًا
‌بحِجابٍ ‌يَحْتويها
لَبِثَتْ في بَطْنِ أُمٍّ
غَيَّبَتْها عن بَنيها
ألْحَدَتْها الدَّنُّ دَهْرًا
ثُمَّ عادَ الرُّوحُ فيها
كانَ ماءُ المُزْنِ عيسى
إذ وَضَعْناه بفيها
فانْبَرى مِنها سِراجٌ
رائِقٌ مَن يَجْتليها
وبَدَتْ مِنها شُموسٌ
غَرَبَتْ في مُطْلِعيها [729] ينظر: ((الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة)) لابن بسام الشنتريني (3/108).
وقولُ أبي جَعْفَرٍ أحْمَدَ بنِ طَلْحةَ:
‌أدِرْها ‌فالسَّماءُ بَدَتْ عَروسًا
مُضخَّمةَ المَلابِسِ بالغوالي
وخَدُّ الرَّوْضِ حَمَّرَهُ أصيلٌ
وجَفْنُ النَّهْرِ كُحِّلَ بالظِّلالِ
وجِيدُ الغُصْنِ يُشرِقُ في لآلٍ
تُضيءُ بِهنَّ أكْنافُ اللَّيالي [730] ينظر: ((الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة)) لابن بسام الشنتريني (3/308)، ((المغرب في حلى المغرب)) لعلي بن موسى المغربي (2/365).

انظر أيضا: