موسوعة الأخلاق والسلوك

ه- نماذِجُ من التَّواصي بالخيرِ عِندَ العُلَماءِ المتقَدِّمينَ


- وصيَّةُ أبي عبدِ الرَّحمنِ السُّلَميِّ لأخيه:
وهي وصيَّةٌ طويلةٌ، وفيها: أوصيكم يا أخي -أحسَنَ اللهُ توفيقَكم- ونفسي: بتقوى اللهِ، فإنِ اتَّقيتَه كفاك كُلَّ هَمٍّ، وإنِ اتَّقيتَ النَّاسَ لن يُغنوا عنك من اللهِ شيئًا، وأوصيك بإيثارِ طاعةِ اللهِ تعالى، واجتنابِ مخالفتِه، والإقبالِ بالكُلِّيَّةِ عليه، والرُّجوعِ في كُلِّ هَمٍّ ونائبةٍ إليه، وتَرْكِ الرُّكونِ إلى الخَلقِ والاعتمادِ عليهم، وإيَّاك والرُّجوعَ إليهم في كُلِّ شيءٍ من أسبابِك، بل يكونُ رجوعُك إلى اللهِ، واعتمادُك وتوكُّلُك عليه، وانظُرْ ألَّا يشغَلَك عن اللهِ تعالى أهلٌ ولا مالٌ ولا وَلَدٌ؛ فتَخسَرَ عُمُرَك [2163] يُنظر: ((وصية الشيخ السلمي)) لأبي عبد الرحمن السلمي (ص: 41). .
- عن سُفيانَ بنِ عُيَينةَ، قال: لمَّا بلَغْتُ خَمسَ عَشْرةَ سَنةً قال لي أبي: يا بُنَيَّ قد انقطَعَت عنك شرائعُ الصَّبيِّ، فاختَلِطْ بالخيرِ تَكُنْ من أهلِه، ولا تُزايِلْه فتَبِينَ منه، ولا يَغُرَّنَّك مَن مدَحَك بما تعلَمُ أنت خِلافَه منك؛ فإنَّه ما مِن أحَدٍ يقولُ في أحَدٍ من الخيرِ ما لم يعلَمْ منه إلَّا قال فيه عِندَ سَخَطِه عليه مِن الشَّرِّ على قَدْرِ ما مدَحَه، واستأنِسْ بالوَحدةِ من جُلَساءِ السُّوءِ، ولا تَنقُلْ أحسَنَ ظَنِّي بك إلى أسوَأِ ظَنِّي بمن هو دُونَك، فاعلَمْ أنَّه لن يسعَدَ بالعُلَماءِ إلَّا من أطاعهم؛ فأطِعْهم تَسعَدْ، واخدُمْهم تقتَبِسْ مِن عِلْمِهم. قال سُفيانُ: فجعَلْتُ وصيَّةَ أبي قِبلةً أَميلُ إليها، ولا أميلُ معها، ولا أعدِلُ عنها [2164] أخرجه البيهقي في ((الزهد الكبير)) (194). .
- وصيَّةُ ابنِ تيميَّةَ لتِلميذِه ابنِ القَيِّمِ التي انتَفَع بها غايةَ النَّفعِ:
قال ابنُ القَيِّمِ: (وقال لي شَيخُ الإسلامِ رَضِيَ اللهُ عنه -وقد جعَلْتُ أورِدُ عليه إيرادًا بَعدَ إيرادٍ-: لا تجعَلْ قَلْبَك للإيراداتِ والشُّبُهاتِ مِثلَ السَّفِنْجةِ؛ فيَتَشَرَّبَها، فلا يَنضَحَ إلَّا بها، ولكِنِ اجعَلْه كالزُّجاجةِ المُصمَتةِ، تمُرُّ الشُّبُهاتُ بظاهِرِها ولا تستَقِرُّ فيها؛ فيراها بصَفائِه، ويدفَعُها بصلابتِه، وإلَّا فإذا أشرَبْتَ قَلبَك كُلَّ شُبهةٍ تَمُرُّ عليك صار مَقَرًّا للشُّبُهاتِ، أو كما قال؛ فما أعلَمُ أنِّي انتفَعْتُ بوصيَّةٍ في دفعِ الشُّبُهاتِ كانتفاعي بذلك) [2165] ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (1/395). .
- وصيَّةُ ابنِ تيميَّةَ لأبي القاسِمِ المغربيِّ لَمَّا سأله الوصيَّةَ:
قال ابنُ تيميَّةَ: (الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، أمَّا «الوصيَّةُ» فما أعلَمُ وصيَّةً أنفَعَ من وصيَّةِ اللهِ ورَسولِه لِمن عَقَلَها واتَّبَعَها. قال تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء: 131] ، ووصَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُعاذًا لَمَّا بعَثَه إلى اليمَنِ، فقال: «يا مُعاذُ: اتَّقِ اللهَ حيثُما كُنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحَسَنةَ تَمْحُها، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ...» [2166] أخرجه الترمذي (1987)، وأحمد (21354). صحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (178) وقال: على شرط الشيخين، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/349)، وحسَّنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (131)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1987). [2167] ((مجموع الفتاوى)) (10/ 653). .

انظر أيضا: