موسوعة الأخلاق والسلوك

هـ- نماذِجُ مِن التَّفاؤُلِ عِندَ العُلَماءِ المُتَقَدِّمينَ


- تفاؤُلُ ابنِ تيميَّةَ بالنَّصرِ على المَغولِ، وحَثُّه النَّاسَ على حَربِهم، وبَثُّه الأمَلَ في صُفوفِ المُسلِمينَ، مع شِدَّةِ خَوفِهم من قُوَّتِهم، وشديدِ بَطشِهم، وهَولِ ما سَمِعوه عنهم.
قال ابنُ كثيرٍ: (ووصَل التَّتَرُ إلى حِمصٍ وبَعْلَبَكَّ، وعاثوا في تلك الأراضي فَسادًا، وقَلِق النَّاسُ قلَقًا عظيمًا، وخافوا خوفًا شديدًا، واختبطَ البَلَدُ لتأخُّرِ قُدومِ السُّلطانِ ببقيَّةِ الجَيشِ، وقال النَّاسُ: لا طاقةَ لجَيشِ الشَّامِ مع هؤلاء المِصْريِّينَ بلقاءِ التَّتارِ؛ لكثرتِهم، وإنما سبيلُهم أن يتأخَّروا عنهم مرحلةً مرحلةً، وتحدَّث النَّاسُ بالأراجيفِ، فاجتمع الأمراءُ يومَ الأحَدِ المذكورِ بالميدانِ الأخضَرِ، وتحالفوا على لقاءِ العَدُوِّ، وشجَّعوا أنفُسَهم، ونودِيَ بالبلَدِ أنْ لا يرحَلْ أحَدٌ منه، فسَكَن النَّاسُ، وجلس القُضاةُ بالجامِعِ، وحلَّفوا جماعةً من الفُقَهاءِ والعامَّةِ على القِتالِ، وتوجَّه الشَّيخُ تَقيُّ الدِّينِ بنُ تَيميَّةَ إلى العَسكَرِ الواصِلِ من حَماةَ، فاجتمع بهم في القُطَيِّفةِ، فأعلمَهم بما تحالَف عليه الأمراءُ والنَّاسُ من لقاءِ العَدُوِّ، فأجابوا إلى ذلك، وحلَفوا معهم، وكان الشَّيخُ تَقيُّ الدِّينِ بنُ تيميَّةَ يحلِفُ للأُمَراءِ والنَّاسِ: إنَّكم في هذه الكَرَّةِ منصورونَ على التَّتارِ! فيقولُ له الأُمَراءُ: قُلْ: إن شاءَ اللهُ. فيقولُ: إن شاءَ اللهُ، تحقيقًا لا تعليقًا!) [2056] ((البداية والنهاية)) لابن كثير (18/23). .
- تفاؤُلُ نُورِ الدِّينِ زِنْكِي بفَتحِ بَيتِ المَقدِسِ:
 قال ابنُ الأثيرِ: (ولمَّا كان الجُمُعةُ الأُخرى رابِعَ شَعبانَ صلَّى المُسلِمونَ فيه الجُمُعةَ، ومعهم صلاحُ الدِّينِ، وصلَّى في قُبَّةِ الصَّخرةِ، وكان الخطيبُ والإمامُ مُحيي الدِّينِ بنُ الزَّكيِّ، قاضي دِمَشقَ، ثمَّ رَتَّب فيه صلاحُ الدِّينِ خَطيبًا وإمامًا برَسمِ الصَّلَواتِ الخَمسِ، وأمَرَ أن يُعمَلَ له مِنبَرٌ، فقيل له: إنَّ نورَ الدِّينِ محمودًا كان قد عَمِل بحَلَبٍ مِنبرًا أمَرَ الصُّنَّاعَ بالمبالغةِ في تحسينِه وإتقانِه، وقال: هذا قد عَمِلْناه ليُنصَبَ ببيتِ المقدِسِ، فعَمِله النَّجَّارونَ في عِدَّةِ سِنينَ لم يُعمَلْ في الإسلامِ مِثلُه! فأمَر بإحضارِه، فحُمِل من حَلَبٍ ونُصِب بالقُدسِ، وكان بَينَ عَمَلِ المِنبَرِ وحَمْلِه ما يزيدُ على عشرينَ سنةً! وكان هذا من كَراماتِ نورِ الدِّينِ، وحُسنِ مَقاصِدِه، رَحِمه اللهُ) [2057] ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (10/37) .

انظر أيضا: