موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- نماذِجُ مِن التَّفاؤُلِ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يحِبُّ التَّفاؤُلَ وما يحمِلُ معناه بصُوَرِه كافَّةً، ويكرَهُ التَّشاؤُمَ وما يحمِلُ معناه بصُوَرِه كافَّةً، وهذا كثيرٌ متواتِرٌ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فمِن صُوَرِه:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا جاء سُهَيلُ بنُ عَمرٍو وقد أرسلَتْه قُرَيشٌ للمفاوَضةِ، قال: «لقد سَهُل لكم مِن أمْرِكم» [2043] أخرجه البخاري (2731). .
- تفاؤُلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبِشْرُه وتبسُّمُه؛ فعن جريرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((ما حجَبَني النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُنذُ أسلَمْتُ، ولا رآني إلَّا تبسَّمَ في وَجهي، ولقد شكَوتُ إليه أنِّي لا أثبُتُ على الخَيلِ، فضَرَب بيَدِه في صَدري، وقال: اللَّهُمَّ ثَبِّتْه واجعَلْه هاديًا مَهْدِيًّا)) [2044] أخرجه البخاري (3035، 3036)، ومسلم (2445). .
- تفاؤُلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتبسُّمُه واستبشارُه بالرُّؤى يراها في نومِه:
عن أنسِ بنِ مالِكٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((رأيتُ ذاتَ ليلةٍ فيما يرى النَّائِمُ كأنَّا في دارِ عُقبةَ بنِ رافعٍ، فأُتِينا برُطَبٍ من رُطَبِ ابنِ طابٍ، فأوَّلتُ الرِّفعةَ لنا في الدُّنيا والعاقبةَ في الآخِرةِ، وأنَّ دينَنا قد طابَ)) [2045] أخرجه مسلم (2270). .
- تفاؤُلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ العَقَبةِ بإيمانِ من أعرَضَ عن دَعوتِه، ودعاؤُه لهم رَغمَ ما أصابه يَومَها من الحُزنِ وشِدَّةِ الكَربِ؛ لعَدَمِ إجابتِهم ما طلبَه لهم من الخيرِ.
عن ابنِ شِهابٍ، حَدَّثني عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ أنَّ عائشةَ زوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حدَّثَتْه أنَّها قالت لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا رسولَ اللهِ، هل أتى عليكَ يومٌ كان أشَدَّ من يومِ أُحُدٍ؟ فقال: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَومِكِ، وكانَ أَشَدَّ ما لَقِيتُ منهم يَومَ العَقَبَةِ؛ إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي على ابنِ عبدِ يَالِيلَ بنِ عبدِ كُلَالٍ، فلم يُجِبْني إلى ما أرَدْتُ، فانطَلَقْتُ وأنا مَهمومٌ على وَجْهي، فلم أسْتَفِقْ إلَّا بقَرنِ الثَّعَالِبِ، فرَفَعْتُ رَأسي فإذا أنا بسَحابةٍ قد أظَلَّتنِي، فنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْريلُ، فناداني، فقال: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بَعَث إليك ملَكَ الجِبالِ لتَأمُرَه بما شِئتَ فيهم، قال: فناداني مَلَكُ الجِبالِ وسَلَّم عَلَيَّ، ثمَّ قال: يا محمَّدُ، إنَّ اللهَ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك، وأنا مَلَكُ الجِبالِ وقد بعثَني ربُّك إليكَ لتَأمُرَني بأمْرِك، فما شِئتَ، إنْ شِئتَ أن أُطبِقَ عليهم الأخشَبَينِ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ من أصلابِهم من يعبُدُ اللهَ وَحدَه لا يُشرِكُ به شيئًا)) [2046] أخرجه البخاري (3231)، ومسلم (1795) واللَّفظُ له. .
- تفاؤُلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالنَّصرِ والعَونِ والتَّمكينِ وانتشارِ الدِّينِ في أشَدِّ لحَظاتِ الألمِ والاستِضعافِ.
عن خَبَّابِ بنِ الأرَتِّ، قال: ((شَكَونا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهُو مُتوسِّدٌ بُردَةً له في ظِلِّ الكَعْبةِ، قُلنا له: ألَا تَسْتَنْصِرُ لنا؟ ألَا تَدْعو اللهَ لنا؟ قال: كان الرَّجلُ فيمَنْ قبلَكم يُحفَرُ له في الأرْضِ، فيُجعَلُ فيه، فيُجاءُ بالمِنشارِ فيُوضَعُ على رأسِهِ فيُشَقُّ باثنتَينِ، وما يصُدُّه ذلك عن دِينِه، ويُمشَطُ بأمشاطِ الحَديدِ ما دُونَ لَحمِه مِن عظْمٍ أو عَصَبٍ، وما يصُدُّه ذلك عن دِينِه، واللهِ لَيُتِمَّنَّ هذا الأمرَ، حتَّى يَسيرَ الرَّاكبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوتَ، لا يَخافُ إلَّا اللهَ أو الذِّئبَ على غَنَمِه، ولكنَّكم تَستعجِلونَ)) [2047] أخرجه البخاري (3612). .
- تفاؤُلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع ما يبلُغُه من معانَدةِ قَومٍ وإصرارِهم على كُفرِهم، ورجاؤُه الخيرَ والهِدايةَ لهم.
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قَدِم طُفَيلُ بنُ عَمرٍو الدَّوسيُّ وأصحابُه على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ دَوسًا عَصَت وأَبَت، فادْعُ اللهَ عليها، فقيل: هلَكَت دَوسٌ! قال: اللَّهُمَّ اهْدِ دَوسًا وَأْتِ بهم)) [2048] أخرجه البخاري (3937) واللَّفظُ له، ومسلم (2524). .
- تفاؤُلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الشِّدَّةِ والجَدْبِ بتَحويلِ الرِّداءِ في صلاةِ الاستِسقاءِ رَجاءَ تحويلِ حالِ العُسرِ لليُسرِ.
عن عبَّادِ بنِ تَميمٍ، عن عمِّه، قال: ((خرج النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يستسقي، فتوجَّه إلى القِبلةِ يدعو، وحَوَّلَ رداءَه، ثمَّ صلَّى ركعتَينِ جَهَر فيهما بالقِراءةِ)) [2049] أخرجه البخاري (1024) واللَّفظُ له، ومسلم (894). .
قال المُهلَّبُ: (وتحويلُ الرِّداءِ إنَّما هو على وَجهِ التَّفاؤُلِ بتَحويلِ الحالِ عمَّا هي عليه) [2050] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (3/10). .

انظر أيضا: