موسوعة الأخلاق والسلوك

رابعًا: آثارُ المُداهَنةِ


أ- على الفَردِ:
1- تجلِبُ سَخَطَ اللَّهِ: ذلك أنَّ المداهِنَ التَمَس رضا النَّاسِ بسَخَطِ اللَّهِ، وصار الخَلقُ في نفسِه أجَلَّ من اللَّهِ، فمَن فَعَل ذلك جَلَب على نفسِه سَخَطَ اللَّهِ تعالى.
2- الهوانُ والذُّلُّ؛ لأنَّ المداهِنَ طَلَب العِزَّ بمداهنتِه للباطِلِ وأهلِه، فكما أنَّه هان عليه أمرُ اللَّهِ أهانه اللَّهُ وأذَلَّه.
3- يستَحِقُّ المداهِنُ العقوبةَ إذا نزَلَت، ولو لم يكُنْ من أصحابِ الذُّنوبِ.
قال تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال: 25] .
فالنَّجاةُ هي لأهلِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، والمداهِنُ ليس منهم؛ قال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ [الأعراف: 165] .
4- يُصبِحُ المداهِنُ الذي آثَرَ رِضا الخَلقِ على الحَقِّ من أخبَثِ أصحابِ المعاصي، ولو كان من أصحابِ العبادةِ.
قال ابنُ القَيِّمِ: (مَن له خِبرةٌ بما بَعَث اللَّهُ به رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبما كان هو عليه وأصحابُه، رأى أنَّ أكثرَ مَن يُشارُ إليهم بالدِّينِ هم أقَلُّ النَّاسِ دينًا، واللَّهُ المستعانُ! وأيُّ دينٍ وأيُّ خيرٍ فيمَن يرى محارِمَ اللَّهِ تُنتَهَكُ، وحدودَه تضاعُ، ودينَه يُترَكُ، وسُنَّةَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُرغَبُ عنها، وهو بارِدُ القَلبِ ساكِتُ اللِّسانِ، شيطانٌ أخرَسُ كما أنَّ المتَكَلِّمَ بالباطِلِ شَيطانٌ ناطِقٌ؟! وهل بَليَّةُ الدِّينِ إلَّا من هؤلاء الذين إذا سَلِمَت لهم مآكِلُهم ورياساتُهم فلا مبالاةَ بما جرى على الدِّينِ؟!) [6601] ((إعلام الموقعين)) (3/428). .
5- يصيرُ المداهِنُ ذا قَلبٍ مَيِّتٍ ممقوتٍ عِندَ اللَّهِ سُبحانَه.
يقول ابنُ القَيِّمِ: (ولو نوزِعَ في بعضِ ما فيه غَضاضةٌ عليه في جاهِه أو مالِه بَذَل وتبَذَّلَ وجَدَّ واجتَهَد، واستعمَلَ مراتِبَ الإنكارِ الثَّلاثةَ بحَسَبِ وُسعِه! وهؤلاء -مع سقوطِهم من عينِ اللَّهِ ومَقتِ اللَّهِ لهم- قد بُلُوا في الدُّنيا بأعظَمِ بَليَّةٍ تكونُ وهم لا يشعرون، وهو موتُ القلوبِ؛ فإنَّ القَلبَ كلَّما كانت حياتُه أتَمَّ كان غَضَبُه للهِ ورَسولِه أقوى، وانتصارُه للدِّينِ أكمَلَ) [6602] ((إعلام الموقعين)) (3/428، 429). .
6- المُداهَنةُ تؤدِّي إلى عدَدٍ من الصِّفاتِ المذمومةِ والأخلاقِ المرذولةِ، ومنها الكَذِبُ، وإخلافُ الوَعدِ.
أمَّا الكَذِبُ فلأنَّ المداهِنَ يَصِفُ الرَّجُلَ بغيرِ ما يعرِفُه منه، ومَن دَخَل الكَذِبَ من بابٍ سَهُل عليه أن يأتيَه من أبوابٍ مُتفَرِّقةٍ.
وأمَّا إخلافُ الوعدِ فلأنَّ المداهِنَ يقصِدُ إلى إرضاءِ صاحِبِه في الحالِ، فلا يبالي أن يَعِدَه بشيءٍ وهو عازمٌ على ألَّا يَصدُقَ في وَعدِه.
ومنها: أنَّ المداهِنَ لا يتريَّثُ في أن يَعِدَ؛ لأنَّه لا يتألَّمُ من أن يُخلِفَ، ولا يَصعُبُ عليه أن يُصَوِّرَ مِن غيرِ الواقِعِ عُذرًا.
ومنها: أنَّ المداهِنَ يراوِغُ ويخاتِلُ ويخادِعُ، وَيستُرُ وَجهَ الحقيقةِ الأبلَجَ، ولا يُبالي بما يترَتَّبُ على ذلك من عواقِبَ.
ومنها: أنَّ المُداهَنةَ خيانةٌ وتفريطٌ في أداءِ الأمانةِ، وضَرَرٌ مَحضٌ على أصحابِها، وعلى مَن يسايرونَهم في باطِلِهم [6603] يُنظَر: ((سوء الخلق)) لمحمد بن إبراهيم الحمد (ص: 162- 166). .
7- الطَّردُ واللَّعنُ من رحمةِ اللَّهِ: قال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة: 78 - 81] ، فالمداهِنُ الذي يستطيعُ تغييرَ المُنكَرِ فلم يفعَلْ، تحِلُّ عليه لعنةُ اللَّهِ وغَضَبُه.
ب- على المجتَمَعِ:
1- تؤدِّي إلى حُلولِ العُقوباتِ والهلاكِ لعامَّةِ النَّاسِ؛ فعن زينبَ بنتِ جَحشٍ رَضِيَ اللَّهُ عنها، أنَّها قالت: ((يا رسولَ اللَّهِ، أنهلِكُ وفينا الصَّالحون؟ قال: نعَمْ، إذا كَثُر الخَبَثُ)) [6604] أخرجه البخاري (3346)، ومسلم (2880). ، فإذا كَثُر الفسادُ في الأرضِ، وسَكَت أهلُ الحَقِّ عن إنكارِه، عَمَّت الأمَّةَ العقوبةُ.
قال القُرطبيُّ: (فأمَّا إذا كَثُر المفسِدون وقَلَّ الصَّالحون، هلك المفسِدون والصَّالحون معهم إذا لم يأمُروا بالمعروفِ ويَكرَهوا ما صنَع المُفسِدون) [6605] ((التذكرة)) (ص: 1062). .
(فكثرةُ الخَبَثِ مُؤذِنةٌ بالهلاكِ، وهذا يعني أنَّه يجِبُ مَنعُ هذا الخَبَثِ حتى لا يحِلَّ بالمُسلِمين الهلاكُ) [6606] ((معركة النص)) لفهد العجلان (2/ 45). .
قال ابنُ الجَوزيِّ: (فإن قيل: فما ذَنبُ مَن لم يَظلِمْ؟ فالجوابُ: أنَّه بموافقتِه للأشرارِ، أو بسكوتِه عن الإنكارِ، أو بتركِه للفِرارِ، استحَقَّ العُقوبةَ) [6607] ((زاد المسير)) (2/202). .
2- تحريفُ الحَقِّ وتبديدُ معالمِه، واندراسُ آثارِه.
3- تقويةُ شَوكةِ أهلِ الباطِلِ، وعُلُوُّ منزلتِهم بَيْنَ النَّاسِ.
يقولُ ابنُ بازٍ: (لو سَكَت أهلُ الحَقِّ عن بيانِه لاستمَرَّ المخطِئون على أخطائِهم، وقَلَّدَهم غيرُهم في ذلك، وباء السَّاكتون بإثمِ الكِتمانِ) [6608] ((مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله)) (3/72). .
4- فُشُوُّ الجَهلِ واندراسُ العِلمِ.
5- ضَعفُ الثِّقةِ بأهلِ العِلمِ ودُعاةِ الحَقِّ.
6- الجُرأةُ على المعاصي والمُنكَراتِ، وعَدَمُ الاكتراثِ بها.

انظر أيضا: