موسوعة الأخلاق والسلوك

خامِسًا: أقسامُ الكَسَلِ والفُتورِ في العِبادةِ


ينقَسِمُ الكَسَلُ والفُتورُ في العِبادةِ إلى عِدَّةِ أقسامٍ، أهَمُّها [6267] يُنظَر: ((الفتور)) لناصر العمر (23-26). :
1- كسَلٌ وفُتورٌ عامٌّ في جَميعِ الطَّاعاتِ، مَعَ كُرهٍ لها وعَدَمِ رَغبةٍ فيها، وهذه حالُ المُنافِقينَ؛ فإنَّهم مِن أشَدِّ النَّاسِ كَسَلًا وفُتورًا ونُفورًا.
 قال اللهُ جَلَّ وعَلا فيهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 142] ، وقال: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة: 54] . وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ أثقَلَ صَلاةٍ على المُنافِقينَ: صَلاةُ العِشاءِ وصَلاةُ الفجرِ، ولو يَعلَمونَ ما فيهما لأتَوهما ولو حَبْوًا [6268] الحَبْوُ: أن يمشيَ على يَدَيه وركبَتَيه، أو اسْتِه. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/ 336). ) [6269] رواه مطوَّلًا البخاري (657)، ومسلم (651) واللفظ له من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
ولفظَ (أثقَلَ) على صيغةِ (أفعَلَ) يدُلُّ على أنَّ غَيرَهما ثَقيلٌ، وليسَ الثِّقَلُ مُقتَصِرًا عليهما.
2- كسَلٌ وفُتورٌ في بَعضِ الطَّاعاتِ يُصاحِبُه عَدَمُ رَغبةٍ فيها دونَ كُرهٍ لها، أو ضَعفٌ في الرَّغبةِ مَعَ وُجودِها، وهذه حالُ كثيرٍ مِن فُسَّاقِ المُسلمينَ وأصحابِ الشَّهَواتِ.
3- كسَلٌ وفُتورٌ عامٌّ؛ فتَجِدُ عِندَه الرَّغبةَ في العِبادةِ، والمَحَبَّةَ للقيامِ بها، وقد يحزَنُ إذا فاتَته، ولكِنَّه مُستَمِرٌّ في كسَلِه وفُتورِه؛ فقد تَمُرُّ عليه اللَّيالي وهو يُريدُ قيامَ اللَّيلِ، ولكِنَّه لا يفعَلُ -مَعَ استيقاظِه وانتِباهِه- ويقولُ: سأختِمُ القُرآنَ في كُلِّ شَهرٍ، وتَمضي عليه الأشهُرُ ولم يُتِمَّه، ويُحِبُّ الصَّومَ لكِنَّه قَليلًا ما يفعَلُ. وهذه حالُ كثيرٍ مِن المُسلمينَ الذين يُصابونَ بهذا الدَّاءِ، ومِنهم أُناسٌ صالحونَ، وآخَرونَ مِن أصحابِ الشَّهوةِ والفِسقِ؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [التوبة: 38] ، وقد يُؤَدِّي هذا النَّوعُ إلى أن يشتَرِكَ بَعضُ المُصابينَ به مَعَ النَّوعِ الثَّاني، وهو الثِّقَلُ القَلبيُّ في بَعضِ العِباداتِ.
4- كسَلٌ وفُتورٌ عارِضٌ يشعُرُ به الإنسانُ بَينَ حينٍ وآخَرَ، ولكِنَّه لا يستَمِرُّ مَعَه، ولا تَطولُ مُدَّتُه، ولا يوقِعُ في مَعصيةٍ، ولا يُخرِجُ عن طاعةٍ. وهذا لا يَسلَمُ مِنه أحَدٌ، إلَّا أنَّ النَّاسَ يتَفاوتونَ فيه أيضًا، وسَبَبُه غالبًا أمرٌ عارِضٌ، كتَعَبٍ أو انشِغالٍ أو مَرَضٍ ونَحوِها.
 ومِن ذلك ما رَواه مُسلمٌ في صَحيحِه عن حَنظَلةَ الأُسَيديِّ، وكان مِن كُتَّابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لَقِيني أبو بكرٍ، فقال: كيف أنت يا حنظلةُ؟ قال: قُلتُ: نافَق حَنظَلةُ! قال: سُبحانَ اللهِ! ما تقولُ؟! قال: قلتُ: نكونُ عِندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يُذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ، حتَّى كأنَّا رأيَ عَينٍ، فإذا خرَجْنا من عِندِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عافَسْنا الأزواجَ والأولادَ والضَّيعاتِ، فنَسِينا كثيرًا، قال أبو بكرٍ: فواللهِ إنَّا لنلقى مثلَ هذا! فانطلَقتُ أنا وأبو بكرٍ حتَّى دخَلْنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قُلتُ: نافَق حنظَلةُ يا رسولَ اللهِ! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وما ذاك؟ قلتُ: يا رسولَ اللهِ، نكونُ عندك، تُذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ، حتَّى كأنَّا رأيَ عينٍ، فإذا خرَجْنا من عندِك عافَسْنا الأزواجَ والأولادَ والضَّيعاتِ، نَسِينا كثيرًا! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: والذي نفسي بيَدِه إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكرِ، لصافحَتْكم الملائكةُ على فُرُشِكم وفي طُرُقِكم، ولكِنْ يا حنظَلةُ ساعةٌ وساعةٌ. ثَلاثَ مَرَّاتٍ)) [6270] رواه مسلم (2750). .
ورَوى أحمَدُ عن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها قالت لعَبدِ اللهِ بنِ قَيسٍ: ((لا تَدَعْ قيامَ اللَّيلِ؛ فإنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان لا يدَعُه، وكان إذا مَرِضَ أو كَسِلَ صَلَّى قاعِدًا)) [6271] رواه أبو داود (1307)، وأحمد (26114). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1307)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند)) (1618)، وصحَّح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (26114). .

انظر أيضا: