موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


- قال تعالى: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [البقرة: 61] .
قال ابنُ كثيرٍ: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أي: وُضِعت عليهم وأُلزموا بها شرعًا وقدَرًا، أي: لا يزالون مستذَلِّين، من وَجَدهم استذَلَّهم وأهانهم، وضُرِب عليهم الصَّغارُ، وهم مع ذلك في أنفُسِهم أذِلَّاءُ مُتمسكِنون.. وقال الضَّحَّاكُ: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ قال: الذُّلُّ... وقال الحَسَنُ: أذلَّهم اللَّهُ فلا منعةَ لهم، وجعَلَهم اللَّهُ تحتَ أقدامِ المسلِمين، ولقد أدركَتْهم هذه الأمَّةُ، وإنَّ المجوسَ لتجبيهم الجِزيةَ) [3418] ((تفسير القرآن العظيم)) (1/282). .
- وقال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26 ].
قال الشَّوكانيُّ: (قولُه: وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ أي: في الدُّنيا، أو في الآخرةِ، أو فيهما) [3419] ((فتح القدير)) للشوكاني (1/379). .
وقال أبو حيَّانَ الأندَلسيُّ: (وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ قيل: محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه، حين دخلوا مكَّةَ في اثني عشَرَ ألفًا ظاهرين عليها، وأذَلَّ أبا جهلٍ وصناديدَ قُرَيشٍ حتَّى حُزَّت رؤوسُهم وأُلقوا في القليبِ. وقيل: بالتَّوفيقِ والعِرفانِ، وتُذِلُّ بالخذلانِ. وقال عطاءٌ: المهاجِرين والأنصارَ، وتُذِلُّ فارِسَ والرُّومَ. وقيل: بالطَّاعةِ، وتُذِلُّ بالمعصيةِ. وقيل: بالظَّفَرِ والغنيمةِ، وتُذِلُّ بالقتلِ والجزيةِ. وقيل: بالإخلاصِ، وتُذِلُّ بالرِّياءِ. وقيل: بالغِنى، وتُذِلُّ بالفَقرِ. وقيل: بالجنَّةِ والرُّؤيةِ، وتُذِلُّ بالحِجابِ والنَّارِ، قاله الحَسَنُ بنُ الفَضلِ. وقيل: بقَهرِ النَّفسِ، وتُذِلُّ باتِّباعِ الخِزي، قاله الوَرَّاقُ. وقيل: بقَهرِ الشَّيطانِ، وتُذِلُّ بقَهرِ الشَّيطانِ إيَّاه، قاله الكتَّانيُّ. وقيل: بالقناعةِ والرِّضا، وتُذِلُّ بالحِرصِ والطَّمَعِ، وينبغي حملُ هذه الأقاويلِ على التَّمثيلِ؛ لأنَّه لا مخصِّصَ في الآيةِ، بل الذي يقَعُ به العِزُّ والذُّلُّ مسكوتٌ عنه) [3420] ((البحر المحيط)) (3/86). .
- وقال سُبحانَه: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152].
قال الطَّبَريُّ: (يقولُ تعالى ذِكرُه: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ إلهًا سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ، بتعجيلِ اللَّهِ لهم ذلك وَذِلَّةٌ وهي الهوانُ؛ لعقوبةِ اللَّهِ إيَّاهم على كُفرِهم برَبِّهم فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا في عاجِلِ الدُّنيا قبلَ آجِلِ الآخِرةِ) [3421] ((جامع البيان)) (13/134). .
وقال ابنُ عاشورٍ: (معنى: نَيلِ الذِّلَّةِ إيَّاهم أنَّهم يصيرون مغلوبين لمن يغِلُبهم؛ فقد يكونُ ذلك بتسليطِ العدوِّ عليهم، أو بسَلبِ الشَّجاعةِ من نفوسِهم، بحيث يكونون خائفين العَدُوَّ ولو لم يُسَلَّطْ عليهم، أو ذلَّةُ الاغترابِ؛ إذ حرمهم اللَّهُ مِلكَ الأرضِ المقدَّسةِ، فكانوا بلا وَطَنٍ طولَ حياتِهم حتى انقَرَض ذلك الجيلُ كلُّه، وهذه الذِّلَّةُ عقوبةٌ دُنيويَّةٌ قد لا تمحوها التَّوبةُ؛ فإنَّ التَّوبةَ إنما تقتضي العفوَ عن عقابِ التَّكليفِ، ولا تقتضي تركَ المؤاخَذةِ بمصائبِ الدُّنيا؛ لأنَّ العقوباتِ الدُّنيويَّةَ مسبَّباتٌ تنشأُ عن أسبابِها، فلا يلزمُ أن ترفعَها التَّوبةُ إلَّا بعنايةٍ إلهيَّةٍ خاصَّةٍ) [3422] ((التحرير والتنوير)) (9/119). .
- وقال تعالى: قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [النمل: 34] .
قال الشَّوكاني: (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً أي: أهانوا أشرافَها، وحطُّوا مراتبَهم، فصاروا عِندَ ذلك أذِلَّةً، وإنما يفعلون ذلك لأجلِ أن يتِمَّ لهم المُلكُ، وتستحكِمَ لهم الوطأةُ، وتتقَرَّرَ لهم في قلوبِهم المهابةُ) [3423] ((فتح القدير)) (4/159). .
وقال القاسميُّ: (معنى قولِها: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أي: عَنوةً وقَهرًا، أَفْسَدُوهَا أي: أخرَبوها، وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً أي: بالقهرِ والغَلَبةِ، والقَتلِ والأسرِ، ونهبِ الأموالِ، وكذلك يفعَلون) [3424] ((محاسن التأويل)) (7/491). .
- وقال تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء: 111] .
قال الطَّبري: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ يقول: ولم يكُنْ له حليفٌ حالفَه من الذُّلِّ الذي به؛ لأنَّ من كان ذا حاجةٍ إلى نُصرةِ غيرِه فذليلٌ مَهينٌ، ولا يكونُ من كان ذليلًا مَهينًا يحتاجُ إلى ناصرٍ إلهًا يطاعُ) [3425] ((جامع البيان)) (17/589). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ أي: ليس بذليلٍ فيحتاجَ أن يكونَ له وَليٌّ أو وزيرٌ أو مشيرٌ، بل هو تعالى شأنُه خالقُ الأشياءِ وَحدَه لا شريكَ له، ومُقَدِّرُها ومُدَبِّرُها بمشيئتِه وحدَه لا شريكَ له، قال مجاهدٌ في قولِه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ: لم يحالِفْ أحدًا، ولا يبتغي نَصرَ أحدٍ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا، أي: عَظِّمْه وأجِلَّه عمَّا يقولُ الظَّالِمون المعتَدون عُلُوًّا كبيرًا) [3426] ((تفسير القرآن العظيم)) (5/130). .
وقال القاسميُّ: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ أي: ناصرٌ من الذُّلِّ ومانعٌ له منه لاعتزازِه به، أو لم يوالِ أحدًا من أجلِ مَذَلَّةٍ به؛ ليدفَعَها بموالاتِه) [3427] ((محاسن التأويل)) (6/523). .
وقال ابنُ عطيَّةَ: (قَيَّد لفظُ الآيةِ نفيَ الولايةِ للهِ عزَّ وجَلَّ بطريقِ الذُّلِّ وعلى جِهةِ الانتصارِ؛ إذ ولايتُه موجودةٌ بتفضُّلِه ورحمتِه لِمن والى من صالحي عِبادِه) [3428] ((المحرر الوجيز)) (3/493). .

انظر أيضا: