موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


الخِداعُ مِن خُلُقِ المُنافِقين، وهو متأصِّلٌ فيهم؛ فهم يخادِعون اللَّهَ ويخادِعون المُؤمِنين، ويخادِعون أنفُسَهم؛ قال تعالى: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 9] .
قال الشَّوكانيُّ: (والمرادُ من مخادَعَتِهم للهِ: أنَّهم صنَعوا معه صُنعَ المخادِعين، وإن كان العالِمُ الذي لا يخفى عليه شيءٌ لا يُخدَعُ.
وصيغةُ فاعَلَ تفيدُ الاشتراكَ في أصلِ الفِعلِ، فكَونُهم يُخادِعون اللَّهَ والذين آمَنوا يفيدُ أنَّ اللَّهَ سُبحانَه والذين آمَنوا يُخادِعونهم.
والمرادُ بالمُخادَعةِ من اللَّهِ: أنَّه لمَّا أجرى عليهم أحكامَ الإسلامِ مع أنَّهم ليسوا منه في شيءٍ، فكأنَّه خادَعَهم بذلك كما خادَعوه بإظهارِ الإسلامِ وإبطانِ الكُفرِ؛ مُشاكَلةً لِما وقع منهم بما وَقَع منه.
والمرادُ بمخادعةِ المُؤمِنين لهم: هو أنَّهم أجرَوا عليهم ما أمَرَهم اللَّهُ به من أحكامِ الإسلامِ ظاهِرًا، وإن كانوا يَعلَمون فسادَ بواطِنِهم، كما أنَّ المُنافِقين خادَعوهم بإظهارِ الإسلامِ وإبطانِ الكُفرِ.
والمرادُ بقَولِه تعالى: وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ [البقرة: 9] الإشعارُ بأنَّهم لمَّا خادعوا مَن لا يُخدَعُ كانوا مخادِعين أنفُسَهم؛ لأنَّ الخِداعَ إنَّما يكونُ مع مَن لا يَعرِفُ البواطِنَ، وأمَّا مَن عَرَف البواطِنَ فمَن دَخَل معه في الخِداعِ فإنَّما يخدَعُ نَفسَه، وما يَشعُرُ بذلك) [2982] ((فتح القدير)) (1/48). .
- وقَال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: 142] .
قال السَّعديُّ: (يُخبِرُ تعالى عن المُنافِقين بما كانوا عليه من قبيحِ الصِّفاتِ وشنائِعِ السِّماتِ، وأنَّ طريقتَهم مخادَعةُ اللَّهِ تعالى، أي: بما أظهَروه من الإيمانِ وأبطَنوه من الكُفرانِ، ظَنُّوا أنَّه يروجُ على اللَّهِ، ولا يَعلَمُه ولا يُبديه لعبادِه! والحالُ أنَّ اللَّه خادِعُهم؛ فمُجَرَّدُ وُجودِ هذه الحالِ منهم ومَشْيِهم عليها، خِداعٌ لأنفُسِهم. وأيُّ خداعٍ أعظَمُ ممَّن يسعى سعيًا يعودُ عليه بالهَوانِ والذُّلِّ والحِرمانِ؟!) [2983] ((تيسير الكريم الرحمن)) (1/210). .
-وقال تعالى مخاطِبًا نبيَّه: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 62] .
قال ابنُ عاشورٍ: (لَمَّا كان طَلَبُ السِّلمِ والهُدنةِ من العَدُوِّ قد يكونُ خديعةً حربيَّةً؛ ليَغُرُّوا المُسلِمين بالمصالحةِ، ثمَّ يأخُذوهم على غِرَّةٍ، أيقَظَ اللَّهُ رسولَه لهذا الاحتمالِ، فأمَرَه بأن يأخُذَ الأعداءَ على ظاهِرِ حالِهم، ويحمِلَهم على الصِّدقِ؛ لأنَّه الخُلُقُ الإسلاميُّ، وشأنُ أهلِ المروءةِ، ولا تكونُ الخديعةُ بمِثلِ نَكثِ العَهدِ، فإذا بَعَثَ العَدُوَّ كُفْرُهم على ارتكابِ مِثلِ هذا التَّسفُّلِ فإنَّ اللَّهَ تكَفَّل للوَفيِّ بعَهْدِه أن يَقيَه شَرَّ خيانةِ الخائِنينَ. وهذا الأصلُ -وهو أخذُ النَّاسِ بظواهِرِهم- شُعبةٌ مِن شُعَبِ دينِ الإسلامِ) [2984] ((التحرير والتنوير)) (10/61). .

انظر أيضا: