موسوعة الأخلاق والسلوك

ثانيًا: الفَرْقُ بَيْنَ الخِداعِ وبعضِ الصِّفاتِ


الفَرْقُ بَيْنَ الخِداعِ والغُرورِ:
أنَّ الغُرورَ إيهامٌ يحمِلُ الإنسانَ على فِعلِ ما يَضُرُّه، مِثلُ أن يرى السَّرابَ فيَحسَبَه ماءً، فيُضيِّعَ ماءَه، فيَهلِكَ عَطَشًا، وتضييعُ الماءِ فِعلٌ أدَّاه إليه غرورُ السَّرابِ إيَّاه، وكذلك غَرَّ إبليسُ آدَمَ، ففَعَل آدَمُ الأكلَ الضَّارَّ له. والخِداعُ: أن يَستُرَ عنه وَجهَ الصَّوابِ، فيُوقِعَه في مكروهٍ، وأصلُه من قولِهم: خَدَعَ الضَّبُّ: إذا توارى في جُحرِه. وخَدَعه في الشِّراءِ أو البَيعِ: إذا أظهر له خِلافَ ما أبطَن، فضَرَّه في مالِه. وقيل: الغُرورُ: إيهامُ حالِ السُّرورِ فيما الأمرُ بخِلافِه في المعلومِ، وليس كُلُّ إيهامٍ غُرورًا؛ لأنَّه يُوهِمُه مَخوفًا ليَحذَرَ منه، فلا يكونُ قد غَرَّه. والاغترارُ: تَركُ الحَزمِ فيما يمكِنُ أن يُتوَثَّقَ فيه، فلا عُذرَ في رُكوبِه، ويقالُ في الغُرورِ: غَرَّه، فضَيَّع مالَه وأهلَك نفسَه. والغرورُ قد يُسَمَّى خِداعًا، والخِداعُ يُسَمَّى غُرورًا على التَّوسُّعِ، والأصلُ ما قُلْناه، وأصلُ الغُرورِ الغَفلةُ [2976] ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص: 383). .
الفَرْقُ بَيْنَ الخِداعِ والكَيدِ:
أنَّ الخِداعَ هو: إظهارُ ما يُبطَنُ خِلافُه، أراد اجتِلابَ نَفعٍ أو دَفعَ ضُرٍّ، ولا يَقتضي أن يكونَ بَعدَ تَدَبُّرٍ ونظَرٍ وفِكرٍ؛ ألا ترى أنَّه يقالُ: خدَعَه في البيعِ: إذا غشَّه مِن جَشَعٍ، وأوهمه الإنصافَ، وإن كان ذلك بديهةً من غيرِ فِكرٍ ونَظَرٍ، والكيدُ لا يكونُ إلَّا بَعدَ تدَبُّرٍ وفِكرٍ ونَظَرٍ؛ ولهذا قال أهلُ العَرَبيَّةِ: الكيدُ: التَّدبيرُ على العَدُوِّ، وإرادةُ إهلاكِه. وسُمِّيَت الحِيَلُ -التي يفعَلُها أصحابُ الحُروبِ بقَصدِ إهلاكِ أعدائِهم- مكايِدَ؛ لأنَّها تكونُ بَعدَ تدَبُّرٍ ونَظَرٍ. ويجوزُ أن يقالَ: الكَيدُ: الحيلةُ التي تُقَرِّبُ وُقوعَ المقصودِ به من المكروهِ، وهو من قولِهم: كاد يفعَلُ كذا، أي: قَرُب، إلَّا أنَّه قيلَ في هذا: يَكادُ، وفي الأُولى: يَكيدُ؛ للتَّصَرُّفِ في الكلامِ، والتَّفرقةِ بَيْنَ المعنَيَينِ. ويجوزُ أن يقالَ: إنَّ الفَرْقَ بَيْنَ الخِداعِ والكَيدِ أنَّ الكيدَ: اسمٌ لفِعلِ المكروهِ بالغَيرِ قَهرًا، تقولُ: كايَدَني فُلانٌ، أي: ضَرَّني قَهرًا، والخديعةُ: اسمٌ لفِعلِ المكروهِ بالغيرِ من غيرِ قَهرٍ، بل بأن يُريَه بأنَّه ينفَعُه، ومنه الخديعةُ في المعامَلةِ، وسَمَّى اللَّهُ تعالى قَصْدَ أصحابِ الفِيلِ مكَّةَ كيدًا في قَولِه تعالى: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ [الفيل: 2] ؛ وذلك أنَّه كان على وَجهِ القَهْرِ [2977] ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (1/258). .
الفَرْقُ بَيْنَ الخِداعِ والمَكْرِ:
قال الرَّاغِبُ: (المَكْرُ والخديعةُ مُتقاربانِ، وهما اسمانِ لكُلِّ فِعلٍ يَقصِدُ فاعِلُه في باطنِه خِلافَ ما يقتَضيه ظاهِرُه، وذلك ضربانِ: أحَدُهما مذمومٌ، وهو الأشهَرُ عِندَ النَّاسِ والأكثَرُ، وذلك أن يَقصِدَ فاعِلُه إنزالَ مكروهٍ بالمخدوعِ، ... والثَّاني: بعَكسِه، وهو أن يقصِدَ فاعِلُهما إلى استجرارِ [2978] استِجْرارُه: جَذْبُه. يُنظر: ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص: 363). المخدوعِ والممكورِ به إلى مصلحةٍ بهما، كما يُفعَلُ بالصَّبيِّ إذا امتنع مِن فِعلِ خيرٍ. وقد قال بعضُ الحُكَماءِ: المكرُ والخديعةُ يُحتاجُ إليهما في هذا العالَمِ؛ وذلك أنَّ السَّفيهَ يميلُ إلى الباطِلِ، ولا يميلُ إلى الحَقِّ، ولا يقبَلُه؛ لمنافاتِه لطَبعِه، فيحتاجُ أن يُخدَعَ عن باطِلِه بزخارِفَ مموَّهةٍ، كخديعةِ الصَّبيِّ عن الثَّديِ عِندَ الفِطامِ) [2979] ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (ص: 360). .
الفَرْقُ بَيْنَ الغِشِّ والخِداعِ:
قيل: الخِداعُ من أنواعِ الغِشِّ [2980] يُنظَر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (10/ 326). . وقيل: الغِشُّ تَركُ النَّصيحةِ، وتزيينُ غيرِ المصلحةِ، والخديعةُ: إرادةُ المكروهِ بالشَّخصِ وإيصالِ الشَّرِّ إليه من غيرِ عِلمِه [2981] ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (10/ 326). .

انظر أيضا: