موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


- قال تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق 1-4].
قال الرَّازيُّ: (كما أنَّ الشَّيطانَ هو النِّهايةُ في الأشخاصِ المذمومةِ؛ ولهذا السَّبَبِ خَتَم اللَّهُ مجامِعَ الشُّرورِ الإنسانيَّةِ بالحَسَدِ، وهو قَولُه: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ كما خَتَم مجامِعَ الخبائِثِ الشَّيطانيَّةِ بالوَسوَسةِ) [2627] ((مفاتيح الغيب)) (1/226). .
وقال الحُسينُ بنُ الفضلِ: (إنَّ اللَّهَ جمَع الشُّرورَ في هذه الآيةِ وخَتَمها بالحَسَدِ لِيُعْلَمَ أنَّه أخَسُّ الطَّبائِعِ) [2628] ((الكشف والبيان)) للثعلبي (10/340). .
- وقال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة: 109].
قال ابنُ عُثَيمين: (والآيةُ تدُلُّ على تحريمِ الحَسَدِ؛ لأنَّ مشابهةَ الكُفَّارِ بأخلاقِهم محرَّمةٌ ... والحاسِدُ لا يزدادُ بحَسَدِه إلَّا نارًا تتلَظَّى في جوفِه، وكلَّما ازدادت نعمةُ اللَّهِ على عبادِه ازداد حَسرةً؛ فهو مع كونِه كارِهًا لنعمةِ اللَّهِ على هذا الغيرِ مُضادٌّ للهِ في حُكمِه؛ لأنَّه يَكرَهُ أن يُنعِمَ اللَّهُ على هذا المحسودِ، ثمَّ إنَّ الحاسِدَ أو الحسودَ مهما أعطاه اللَّهُ من نعمةٍ لا يرى للهِ فضلًا فيها؛ لأنَّه لا بُدَّ أن يرى في غيرِه نِعمةً أكثَرَ ممَّا أنعَم اللَّهُ به عليه، فيحتَقِرَ النِّعمةَ) [2629] ((تفسير الفاتحة والبقرة)) (1/360). .
وقال الثَّعالبيُّ: (وقيل: إنَّ هذه الآيةَ تابعةٌ في المعنى لما تقدَّمَ من نهيِ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ عن متابعةِ أقوالِ اليهودِ في: رَاعِنَا [البقرة: 104] وغيرِه، وأنَّهم لا يودُّون أن يُنَزَّلَ على المُؤمِنين خيرٌ، ويودُّون أن يَردُّوهم كُفَّارًا مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ، وهو نبُوَّةُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [2630] ((الجواهر الحسان)) (1/302). ويُنظَر: ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) لابن عطية (1/ 196). .
(وقال: حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ليُبَيِّنَ أنَّ حسَدَهم لم يكُنْ عن شُبهةٍ دينيَّةٍ، أو غَيرةٍ على حقٍّ يعتَقِدونه، وإنَّما هو خُبثُ النُّفوسِ، وفسادُ الأخلاقِ، والجُمودُ على الباطِلِ، وإنْ ظَهَر لصاحِبِه الحَقُّ) [2631] ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (1/346). .
- وقال سُبحانَه: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا [النساء: 54] .
(وَصَف اليهودَ بالبُخلِ والحَسَدِ، وهما شَرُّ خَصلتينِ: يمنعون ما أُوتوا من النِّعمةِ، ويتمَنَّون أن تكونَ لهم نِعمةُ غيرِهم) [2632] ((الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل)) للزمخشري (1/ 521). .
وجملةُ: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ (مفيدةٌ للانتقالِ من توبيخِهم بما سبَق إلى توبيخِهم بالحَسَدِ الذي هو شَرُّ الرَّذائِلِ وأقبَحُها، لا سيَّما على ما هم بمَعزِلٍ من استحقاقِه) [2633] ((إرشاد العقل السليم)) (2/190). .
قال القُرطبيُّ: (وهذا هو الحَسَدُ بعينِه الذي ذمَّه اللَّهُ تعالى) [2634] ((الجامع لأحكام القرآن)) (5/163) بتصرفٍ يسيرٍ. .
- وقال عَزَّ مِن قائِلٍ: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [النساء: 32] .
(وفيه النَّهيُ عن أن يتمَنَّى الإنسانُ ما فضَّل اللَّهُ به غيرَه من النَّاسِ عليه؛ فإنَّ ذلك نوعٌ من عَدَمِ الرِّضا بالقِسمةِ التي قسَمَها اللَّهُ بَيْنَ عبادِه على مقتضى إرادتِه وحِكمتِه البالغةِ، وفيه أيضًا نوعٌ من الحَسَدِ المنهيِّ عنه إذا صَحِبه إرادةُ زوالِ تلك النِّعمةِ عن الغيرِ) [2635] ((فتح القدير)) للشوكاني (1/ 530). .
وقال الزَّجَّاجُ: (قيل: لا ينبغي أن يتمَنَّى الرَّجُلُ مالَ غيرِه ومَنزِلَ غيرِه؛ فإنَّ ذلك هو الحَسَدُ) [2636] ((معاني القرآن وإعرابه)) (2/45). .

انظر أيضا: