موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


وردت عِدَّةُ آياتٍ في ذَمِّ التَّخاذُلِ والنَّهيِ عنه، والأمرِ بخلافِه؛ منها:
1- قوَلُه تعالى: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال: 72] ، أي: يجِبُ عليكم نصرُ الذين لم يهاجِروا وعَونُهم؛ لأنَّهم مُسلِمون [1425] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (4/ 97). .
2- وقَولُه تعالى: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا [آل عمران: 122] ، قال الطَّبريُّ: (وكان همُّهما الذي همَّا به من الفَشَلِ الانصِرافَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والمؤمِنينَ) [1426] ((جامع البيان)) (6/ 15). .
3- وقَولُه تعالى: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [الحشر: 16] ضَرَب مثَلًا للمُنافِقين واليهودِ في تخاذُلِهم، وتخلِّي بعضِهم عن بعضٍ، وإخلافِهم الوَعدَ، وإسلامِهم أنفُسَهم عِندَ الشِّدَّةِ؛ كمَثَلِ الشَّيطانِ الذي غرَّ إنسانًا، ووعَدَه على اتِّباعِه وكُفرِه باللهِ النُّصرةَ عِندَ الحاجةِ إليه، فكَفَر باللهِ وأطاعه، فلمَّا احتاج إلى نُصرتِه أسلَمَه وتبرَّأَ منه [1427] ((المحرر الوجيز)) لابن عطية (5/ 290)، ((زاد المسير)) لابن الجوزي (4/ 260). .
4- وقَولُه تعالى: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة: 36] ، يريدُ: تعاوَنوا وتناصَروا على ذلك، ولا تتخاذَلوا ولا تتقاطَعوا، وكونوا عبادَ اللهِ مجتَمِعينَ مُتوافِقينَ في مُقاتَلةِ الأعداءِ [1428] ((مفاتيح الغيب)) للرازي (16/ 44). .
5- وقَولُه تعالى: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ [الحشر: 14] ، وفي هذا تربيةٌ للمُسلِمين لِيَحذَروا من التَّخالُفِ والتَّدابُرِ، ويَعلَموا أنَّ الأمَّةَ لا تكونُ ذاتَ بأسٍ على أعدائِها إلَّا إذا كانت متَّفِقةَ الضَّمائِرِ، يرونَ رأيًا متماثِلًا في أصولِ مَصالحِها المُشتَرَكةِ، وإن اختَلَفت في خصوصيَّاتِها التي لا تنقُضُ أصولَ مصالحِها، ولا تُفَرِّقُ جامِعتَها، وأنَّه لا يكفي في الاتِّحادِ توافُقُ الأقوالِ، ولا التَّوافُقُ على الأغراضِ، إلَّا أن تكونَ الضَّمائِرُ خالِصةً من الإحَنِ والعَداواتِ؛ فاجتِماعُ النُّفوسِ مع تنافُرِ القُلوبِ واختلافِها أصلُ كُلِّ فَسادٍ، ومُوجِبُ كُلِّ تخاذُلٍ، ومُقتَضٍ لتجاسُرِ العَدُوِّ. واتفاقُ القُلوبِ، والاشتراكُ في الهِمَّةِ، والتَّساوي في القَصدِ: يُوجِبُ كُلَّ ظَفَرٍ، وكُلَّ سعادةٍ [1429] يُنظر: ((لطائف الإشارات)) للقشيري (3/ 563، 564)، ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (28/ 106). .
6- وقَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف: 14] فيه بشارةٌ للمُؤمِنين بالتَّأييدِ الرَّبَّانيِّ لهم ما داموا مُتناصِرين على الحَقِّ، مجتَمِعين عليه، غيرَ مُتفَرِّقين عنه ولا مُتخاذِلين، كما وقَع لسَلَفِهم؛ اتَّفَقوا فمَلَكوا، وإلَّا فإذا تفَرَّقوا هَلَكوا [1430] يُنظر: ((محاسن التأويل)) للقاسمي (9/ 225). .
7- قَولُه تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ [الحشر: 11-12] .
قال السَّعديُّ: (تعجَّب تعالى من حالِ المُنافِقين الذين طَمَّعوا إخوانَهم من أهلِ الكِتابِ في نُصرتِهم ومُوالاتِهم على المُؤمِنين، وأنَّهم يقولون لهم: لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا أي: لا نطيعُ في عَدَمِ نُصرتِكم أحدًا يَعذِلُنا أو يُخَوِّفُنا، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ في هذا الوَعدِ الذي غرُّوا به إخوانَهم، ولا يُستكثَرُ هذا عليهم؛ فإنَّ الكَذِبَ وَصفُهم، والغُرورَ والخِداعَ مُقارِنُهم، والنِّفاقَ والجُبنَ يَصحَبُهم؛ ولهذا كَذَّبَهم اللهُ بقولِه، الذي وُجِد مَخبَرُه كما أخبر اللهُ به، ووَقَع طِبقَ ما قال، فقال: لَئِنْ أُخْرِجُوا من ديارِهم جَلاءً ونفيًا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ لمحبَّتِهم للأوطانِ، وعدَمِ صَبرِهم على القِتالِ، وعدَمِ وفائِهم بوَعدِهم وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ بل يستولي عليهم الجُبنُ، ويَملِكُهم الفَشَلُ، ويَخذُلون إخوانَهم أحوَجَ ما كانوا إليهم. وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ على الفَرضِ والتَّقديرِ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ أي: لَيَحصُلُ منهم الإدبارُ عن القتالِ والنُّصرةِ، ولا يحصُلُ لهم نَصرٌ من اللهِ) [1431] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 852). .
8- قال يحيى بنُ سَلَّامٍ في قَولِه تعالى: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا يأمُرُه بمعصيةِ اللهِ، ثمَّ يخذُلُه في الآخِرةِ [1432]  ((التفسير)) ليحيى بن سلَّام (1/ 480). .

انظر أيضا: