موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


- قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة: 194] .
قال السَّعديُّ: (ولَمَّا كانت النُّفوسُ -في الغالِبِ- لا تَقِفُ على حَدِّها إذا رُخِّصَ لها في المعاقَبةِ؛ لطَلَبِها التَّشَفِّيَ -أي: الانتِقامَ-، أمَر تعالى بلُزومِ تقواه -التي هي الوقوفُ عِندَ حُدودِه- وعدَمِ تجاوُزِها، وأخبَرَ تعالى أَنَّهُ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة: 194] ، أي: بالعَونِ والنَّصرِ، والتَّأييدِ والتَّوفيقِ) [918] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 89). .
- قال اللهُ تعالى: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هَمْ يَغْفِرُونَ [الشورى: 37] .
بيَّن اللهُ سُبحانَه وتعالى أنَّ العَفوَ عن المعتدي والتَّغاضيَ عن خطَئِه أفضَلُ من الانتِقامِ منه.
قال ابنُ جريرٍ الطَّبَريُّ: (وقولُه: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هَمْ يَغْفِرُونَ يقولُ تعالى ذِكْرُه: وَإِذَا مَا غَضِبُوا على من اجتَرَم إليهم جُرمًا هُمْ يَغْفِرُونَ لمن أجرَم إليهم ذَنبَه، ويَصفَحون عنه عقوبةَ ذنبِه) [919] ((جامع البيان)) (21/545). .
وقال أبو إسحاقَ: (ولم يقُلْ: هم يقتُلون، وفي هذا دليلٌ على أنَّ الانتِقامَ قبيحٌ فِعلُه على الكِرامِ؛ فإنَّهم قالوا: الكريمُ إذا قَدَر غَفَر، وإذا عَثَر بمَساءةٍ سَتَر، واللَّئيمُ إذا ظَفِر عَقَر، وإذا أَمِن غَدَر) [920] ((غرر الخصائص الواضحة)) (ص: 501). .
- قال تعالى حِكايةً عن هابيلَ: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [المائدة: 28-29] .
فهابيلُ كان أقوى وأقدَرَ على الانتِقامِ والبَطشِ، لكِنْ منَعَه خوفُ اللَّهِ.
- قال تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ
(الآيةُ فيها جوازُ الانتِقامِ، والإرشادُ إلى أفضليَّةِ العَفوِ، وقد ذكَر تعالى هذا المعنى في القُرآنِ، كقولِه: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 40] ، وقولِه: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [المائدة: 45] ، وقولِه: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إلى قولِه: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى: 41 - 43] ، وقولِه: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ إلى قولِه: أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [النساء: 149] ) [921] ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (2/ 466). .
- وقال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى: 40] .
 قولُه: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أي: وجزاءُ سَيِّئةِ المسيءِ عقوبتُه بما شرَعه اللهُ من عقوبةٍ مماثِلةٍ لجُرمِه، فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، أي: فمَن عفا عن المسيءِ، وأصلَح ما بَينَه وبَينَ من يُعاديه بالعَفوِ والإغضاءِ عمَّا صدر منه؛ فأجرُه على اللَّهِ، فيَجزيه أعظَمَ الجزاءِ.
وفى الآيةِ حَثٌّ على العَفوِ؛ لأنَّ الانتصارَ إنَّما يُحمَدُ إذا حصَلت المماثلةُ في الجزاءِ، وتقديرُها عَسِرٌ شاقٌّ، وربَّما صار المظلومُ حينَ استيفاءِ القِصاصِ ظالِمًا. وقولُه: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، أي: إنَّه تعالى لا يحِبُّ المتجاوزينَ الحدَّ في الانتِقامِ، وفى هذا تصريحٌ بحُسنِ رعايةِ طريقِ المماثَلةِ، وأنَّها قلَّما تخلو من الاعتداءِ والتَّجاوُزِ عن الواجِبِ، ولا سيَّما حالَ الحَرَدِ والتِهابِ الحَمِيَّةِ، وحينَئذٍ يدخُلُ المنتَقِمون في زُمرةِ مَن لا يُحبُّهم اللَّهُ [922] ((تفسير المراغي)) (25/ 55، 56). .
وقال القاسِميُّ: (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، أي: البادِئين بالسَّيِّئةِ والمُعتَدين في الانتِقامِ) [923] ((محاسن التأويل)) (8/ 373). .

انظر أيضا: