موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت: ((ما خُيِّر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَيْنَ أمرَينِ إلَّا أخَذَ أيسَرَهما ما لم يكُنْ إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعَدَ النَّاسِ منه، وما انتَقَم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لنفسِه، إلَّا أن تُنتهَكَ حُرمةُ اللهِ فينتَقِمَ للهِ بها)) [924] رواه البخاري (3560)، ومسلم (2327). .
- وعنها رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((ما ضرَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا قطُّ بيَدِه ولا امرأةً ولا خادِمًا، إلَّا أن يجاهِدَ في سبيلِ اللهِ، وما نِيلَ منه شيءٌ قطُّ فينتَقِمَ من صاحِبِه، إلَّا أن يُنتَهَكَ شيءٌ من محارمِ اللهِ فينتَقِمَ للهِ عزَّ وجَلَّ)) [925] رواه مسلم (2328). .
قال علي القاريُّ: (... "وما انتقم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، أي: ما غاضَبَ أحدًا لنَفسِه، أي: لأجْلِ حَظِّها، "إلَّا أن تُنتهَكَ حُرمةُ اللَّهِ" أي: تُرتَكَبَ، فينتَقِمَ، أي: فيُعاقِبَ حينَئذٍ لغَرَضٍ آخَرَ، أي: بسَبَبِ تلك الحُرمةِ، ثمَّ انتهاكُ الحُرمةِ تناوُلُها بما لا يَحِلُّ. يقالُ: فلانٌ انتهك محارِمَ اللَّهِ، أي: فَعَل ما حَرَّم اللهُ فِعْلَه عليه) [926] ((مرقاة المفاتيح)) للملا علي القاري (9/3716). .
قال النَّوويُّ: (قولُها: "إلَّا أن تُنتَهَكَ حُرمةُ اللَّهِ" استثناءٌ مُنقَطِعٌ، معناه: لكِنْ إذا انتُهِكَت حرمةُ اللَّهِ انتصَر للهِ تعالى، وانتقَم ممَّن ارتكب ذلك، وفي هذا الحديثِ الحَثُّ على العفوِ والحِلمِ واحتمالِ الأذى، والانتِصارِ لدينِ اللهِ تعالى ممَّن فعَل محرَّمًا أو نحوَه، وفيه أنَّه يُستحَبُّ للأئمَّةِ والقُضاةِ وسائِرِ وُلاةِ الأمورِ التَّخلُّقُ بهذا الخُلُقِ الكريمِ، فلا ينتَقِمُ لنفسِه، ولا يُهمِلُ حَقَّ اللهِ تعالى) [927] ((شرح النووي على مسلم)) (15/84). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (حديثُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما ضَرَب أحدًا -لا خادِمًا ولا غيرَه- بيَدِه، إلَّا أن يجاهِدَ في سبيلِ اللَّهِ، وهذا من كَرَمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ أنَّه لا يَضرِبُ أحدًا على شيءٍ من حقوقِه هو الخاصَّةِ به؛ لأنَّ له أن يعفوَ عن حقِّه، وله أن يأخُذَ بحَقِّه. ولكنْ إذا انتُهِكَت محارِمُ اللَّهِ فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يرضى بذلك، ويكونُ أشَدَّ ما يكونُ أخذًا بها؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُقِرُّ أحدًا على ما يُغضِبُ اللهَ سُبحانَه وتعالى، وهكذا ينبغي للإنسانِ أن يحرِصَ على أخذِ العَفوِ، وما عَفا من أحوالِ النَّاسِ وأخلاقِهم، ويُعرِضَ عنهم، إلَّا إذا انتُهِكت محارِمُ اللَّهِ؛ فإنَّه لا يُقِرُّ أحدًا على ذلك) [928] ((شرح رياض الصالحين)) (3/606). .
- عن عياضِ بنِ حِمارٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((قلتُ: يا نبيَّ اللَّهِ، الرَّجُلُ من قومي يَشتُمُني وهو دوني، أفأنتَقِمُ منه؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: المُستَبَّانِ شيطانانِ يتهاترانِ ويتكاذَبانِ)) [929] أخرجه أحمد (17483)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (427)، والبزار (3493)، وابن حبان (5726). صحَّحه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الموارد)) (1660)، وقال شعيب في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (13/34): (إسنادُه صحيحٌ على شرطِ الصَّحيحِ). .
قولُه: ((يتهاترانِ)) أي: كُلٌّ منهما يتسَقَّطُ صاحِبَه وينتَقِصُه؛ من الهِتْرِ والسَّقَطِ من الكلامِ، وهو الباطِلُ من القولِ. وقيل: أي: يتقاولانِ ويتقابحانِ. وقد قيل: لا تجوزُ مُقابلةُ السَّبِّ بالسَّبِّ، وكذا سائِرُ المعاصي، وإنَّما القِصاصُ والغَرامةُ على ما ورد به الشَّرعُ، وقيل: تجوزُ المقابلةُ فيما لا كَذِبَ فيه، والأفضَلُ تَرْكُه [930] ((فيض القدير)) للمناوي (6/ 267). .

انظر أيضا: