موسوعة الأخلاق والسلوك

ثاني عَشَرَ: مَواقِفُ بَعضِ الصَّالحينَ مِن الثَّناءِ عليهم في وُجوهِهم


- عن عَديِّ بنِ أرطَأةَ قال: كان الرَّجُلُ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا زُكِّي قال: (اللَّهمَّ لا تُؤاخِذْني بما يقولونَ، واغفِرْ لي ما لا يعلَمونَ) [522] أخرجه ابن أبي شيبة (36853)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (761). صحَّح إسناده الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (585). .
- عن أبي البَختَريِّ قال: أثنى رَجُلٌ على عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه في وجهِه، وقد كان بَلَغَه أنَّه يقَعُ فيه، فقال له عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنا دونَ ما قُلتَ، وفوقَ ما في نَفسِكَ) [523] ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (ص275). .
- عن مُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ قال: بَعَثَ هارونُ الرَّشيدُ إلى ابنِ السَّمَّاكِ فدَخَلَ وعِندَه يحيى بنُ خالدٍ البَرمَكيُّ، فقال يحيى: إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ أرسَلَ إليك لِما بَلَغَه مِن صَلاحِ حالِك في نَفسِك وكثرةِ ذِكرِك لرَبِّك عَزَّ وجَلَّ، ودُعائِك للعامَّةِ، فقال ابنُ السَّمَّاكِ: (أمَّا ما بَلَغَ أميرَ المُؤمِنينَ مِن صَلاحِنا في أنفُسِنا فذلك بسَترِ اللهِ علينا، فلو اطَّلَعَ النَّاسُ على ذَنبٍ مِن ذُنوبِنا لَما أقدَمَ قَلبٌ لنا على مَودَّةٍ، ولا جَرى لسانٌ لَنا بمِدحةٍ، وإنِّي لأخافُ أن أكونَ بالسَّترِ مَغرورًا، وبمَدحِ النَّاسِ مَفتونًا، وإنِّي لأخافُ أن أهلِكَ بهما وبقِلَّةِ الشُّكرِ عليهما؛ فدَعا بدَواةٍ وقِرطاسٍ، فكَتَبه إلى الرَّشيدِ) [524] ((حلية الأولياء وطبقات الأصفياء)) لأبي نعيم (8/209). .
- قال ابنُ القَيِّمِ: (ولقد شاهدتُ من شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميَّةَ قدَّس اللَّهُ روحَه من ذلك أمرًا لم أشاهِدْه من غيرِه، وكان يقولُ كثيرًا: ما لي شيءٌ، ولا مني شيءٌ، ولا فيَّ شيءٌ، وكان كثيرًا ما يتمثَّلُ بهذا البيتِ:
أنا المُكَدِّي وابنُ المُكَدِّي... وهكذا كان أبي وجَدِّي
وكان إذا أُثني عليه في وجهِه يقولُ: واللَّهِ إنِّي إلى الآن أجَدِّدُ إسلامي كُلَّ وقتٍ، وما أسلَمتُ بعدُ إسلامًا جيِّدًا) [525] ((مدارج السالكين)) (1/520). .
- قال الغَزاليُّ: (وإنَّما كرِهوا المَدحَ خيفةَ أن يفرَحوا بمَدحِ الخَلقِ وهم مَمقوتونَ عِندَ الخالقِ، فكان اشتِغالُ قُلوبِهم بحالِهم عِندَ اللهِ تعالى يُبغِّضُ إليهم مَدحَ الخَلقِ؛ لأنَّ المَمدوحَ هو المُقَرَّبُ عِندَ اللهِ والمَذمومَ بالحَقيقةِ هو المُبعَدُ مِن اللهِ، المُلقى في النَّارِ مَعَ الأشرارِ، فهذا المَمدوحُ إن كان عِندَ اللهِ مِن أهل النَّارِ فما أعظَمَ جَهلَه إذا فَرِحَ بمَدحِ غَيرِه! وإن كان مِن أهلِ الجَنَّةِ فلا ينبَغي أن يَفرَحَ إلَّا بفَضلِ اللهِ تعالى وثَنائِه عليه؛ إذ ليس أمرُه بيَدِ الخَلقِ، ومَهما عَلِمَ أنَّ الأرزاقَ والآجالَ بيَدِ اللهِ تعالى قَلَّ التِفاتُه إلى مَدحِ الخَلقِ وذَمِّهم، وسَقَطَ مِن قَلبِه حُبُّ المَدحِ، واشتَغَلَ بما يُهِمُّه مِن أمرِ دينِه) [526] ((إحياء علوم الدين)) (3/290). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (لا يجتَمِعُ الإخلاصُ في القَلبِ ومَحَبَّةُ المَدحِ والثَّناءِ والطَّمَعُ فيما عِندَ النَّاسِ إلَّا كما يجتَمِعُ الماءُ والنَّارُ، والضَّبُّ والحوتُ، فإذا حَدَّثَتك نَفسُك بطَلَبِ الإخلاصِ فأقبِلْ على الطَّمَعِ أوَّلًا فاذبَحْه بسِكِّينِ اليأسِ، وأقبِلْ على المَدحِ والثَّناءِ فازهَدْ فيهما زُهدَ عُشَّاقِ الدُّنيا في الآخِرةِ، فإذا استقامَ لك ذَبحُ الطَّمَعِ والزُّهدِ في الثَّناءِ والمَدحِ سَهُل عليك الإخلاصُ) [527] ((الفوائد)) (ص: 149). .
- قال ابنُ رَجَبٍ الحَنبَليُّ: (إذا عَمِلَ العَمَلَ للهِ خالصًا، ثُمَّ ألقى اللهُ له الثَّناءَ الحَسَنَ في قُلوبِ المُؤمِنينَ بذلك، ففرِحَ بفَضلِ اللهِ ورَحمَتِه، واستَبشَرَ بذلك، لم يضُرَّه ذلك) [528] ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 84). .

انظر أيضا: