موسوعة الأخلاق والسلوك

حادي عَشَرَ: مَسائِلُ مُتَفرِّقةٌ


- الإساءةُ ضِدُّ الإحسانِ، والإحسانُ واجِبٌ، فالإساءةُ مَمنوعةٌ؛ لأنَّ قَولك: أحسِنْ إلى فُلانٍ، يقومُ مَقامَ قَولِك: لا تُسِئْ إليه، وذلك مَعنى مُقتَضاه فقَط. وأمَّا قَولُك: لا تُسِئْ إليه، فليس فيه الإحسانُ إليه. وكذلك إذا قُلتَ: لا تَحسِنْ إليه، فليس فيه أن تُسيءَ إليه أصلًا؛ لأنَّ هذا مِنَ الأضدادِ التي بَينَها وسائِطُ، والوسيطةُ هاهنا التي بَينَ الإساءةِ والإحسانِ: المُتارَكةُ. وأمَّا إذا قُلتَ: أَسِئْ إلى فُلانٍ، ففيه رَفعُ الإحسانِ عنه؛ لأنَّ الضِّدَّ يدفعُ الضِّدَّ، إذا وقَعَ أحَدُهما بَطَل الآخَرُ [261] ((رسائل ابن حزم)) (4/283). .
- وقال أبو حَيَّانَ التَّوحيديُّ: (الإحسانُ والإساءةُ يعُمَّانِ الأفعالَ والأقوالَ، فإذا رَسَخَ اعتيادُهما استَحالا خُلُقَينِ) [262] ((الإمتاع والمؤانسة)) (ص: 116). .
- وكتَبَ الجاحِظُ لبَعضِهم: (إن كُنتَ ذَمَمْتَني على الإساءةِ، فلمَ رَضيتَ لنَفسِك المُكافأةَ؟!) [263] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (4/ 327). .
- وقال أبو حَيَّانَ التَّوحيديُّ: (الكريمُ سُتورٌ للعُيوبِ، مُغضٍ على الإساءةِ) [264] ((البصائر والذخائر)) (5/ 81). .
- قال عَونٌ: (أنشَدَ إبراهيمُ بنُ المُهديِّ للمَأمونِ شِعرًا يعتَذِرُ فيه، فقال له حينَ فرَغَ مِنه: قد أفرَطَ شُكرُك كما أفرَطَ جُرمُك، والإحسانُ مَحَّاءٌ للإساءةِ) [265] ((الأوراق - قسم أخبار الشعراء)) لأبي بكر الصولي (3/ 22). .
- وقيل: (أربَعةٌ يُقضى بها على أربَعةٍ: السِّعايةُ على الدَّناءةِ، والإساءةُ على الرَّداءةِ، والخُلفُ على البُخلِ، والسُّخفُ على الجَهلِ) [266] ((صيد الأفكار)) لحسين المهدي (1/37). .
- قال اللهُ تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ على اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى: 40] (ذَكر اللهُ في هذه الآيةِ مَراتِبَ العُقوباتِ، وأنَّها على ثَلاثِ مَراتِبَ: عَدلٌ، وفَضلٌ، وظُلمٌ.
فمَرتَبةُ العَدلِ: جَزاءُ السَّيِّئةِ بسَيِّئةٍ مِثلِها، لا زيادةَ ولا نَقصَ، فالنَّفسُ بالنَّفسِ، وكُلُّ جارِحةٍ بالجارِحةِ المُماثِلةِ لها، والمالُ يُضمَنُ بمِثلِه.
ومرتبةُ الفَضلِ: العَفوُ والإصلاحُ عنِ المُسيءِ؛ ولهذا قال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ يجزيه أجرًا عَظيمًا، وثَوابًا كثيرًا، وشَرطَ اللهُ في العَفوِ الإصلاحَ فيه؛ ليدُلَّ ذلك على أنَّه إذا كان الجاني لا يليقُ العَفوُ عنه، وكانتِ المَصلحةُ الشَّرعيَّةُ تَقتَضي عُقوبَتَه، فإنَّه في هذه الحالِ لا يكونُ مَأمورًا به.
وفي جَعلِ أجرِ العافي على اللهِ ما يُهَيِّجُ على العَفوِ، وأن يُعامِلَ العَبدُ الخَلقَ بما يُحِبُّ أن يُعامِلَه اللهُ به، فكما يُحِبُّ أن يعفوَ اللهُ عنه، فلْيَعفُ عنهم، وكما يُحِبُّ أن يُسامِحَه اللهُ، فليُسامِحْهم؛ فإنَّ الجَزاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ.
وأمَّا مَرتَبةُ الظُّلمِ فقد ذَكَرَها بقَولِه: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ الذين يجنونَ على غَيرِهمُ ابتِداءً، أو يُقابِلونَ الجانيَ بأكثَرَ مِن جِنايتِه، فالزِّيادةُ ظُلمٌ) [267] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 760). .
قال الشَّوكانيُّ: (وتَسميةُ الجَزاءِ سَيِّئةً؛ إمَّا لكونِها تَسوءُ مَن وقَعَت عليه، أو على طَريقِ المُشاكَلةِ لتَشابُهِهما في الصُّورةِ) [268] ((فتح القدير)) (4/ 620). .

انظر أيضا: