موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- مِن أقوالِ السَّلفِ والعُلماءِ


- قال عَبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضي اللهُ عنهما: (قدِمَ على عُمَرَ بنِ الخَطَّاب رَجُلٌ، فجَعَل عُمرُ يسألُ عنِ النَّاسِ، فقال: يا أميرَ المُؤمِنينَ، قد قَرَأ القُرآنَ مِنهم كذا وكذا، فقال ابنُ عَبَّاسٍ: فقُلتُ: واللهِ ما أحِبُّ أن يتسارعوا يومَهم هذا في القُرآنِ هذه المُسارَعةَ! قال: فنَهَرَني عُمَرُ، وقال: مَهْ [112] مَهْ: اسمٌ لفِعلِ الأمرِ، ومعناه: اكفُفْ. يُنظَر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 300). ! فانطَلقتُ إلى مَنزِلي مُكتَئِبًا حَزينًا، فبَينا أنا كذلك إذ أتاني رَجُلٌ فقال: أجِبْ أميرَ المُؤمِنينَ، فخَرَجتُ، فإذا هو بالبابِ ينتَظِرُني، فأخَذَ بيدي، فخَلا بي، وقال: ما الذي كرِهتَ مِمَّا قال الرَّجُلُ آنِفًا؟ فقُلتُ: يا أميرَ المُؤمِنينَ، متى يتسارعوا هذه المُسارَعةَ يحتَقُّوا [113] أي: يقول كُلُّ واحدٍ منهم: الحَقُّ بيدي. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/ 414). ، ومتى ما يحتَقُّوا يختَصِموا، ومتى ما يختَصِموا يختَلِفوا، ومتى ما يختَلفوا يقتَتِلوا. قال: للهِ أبوك! واللهِ إن كُنتُ لأكتُمُها النَّاسَ حتَّى جِئتَ بها) [114] ((رسالة الإمام أحمد للمتوكل)) (ص: 32، 33)، ((السنة)) لعبد الله بن أحمد (88). .
- وقال عليُّ بنُ أبي طالبٍ: (اقضوا كما كُنتُم تَقضونَ؛ فإنِّي أكرَهُ الاختِلافَ، حتَّى يكونَ للنَّاسِ جَماعةٌ، أو أموتَ كما ماتَ أصحابي) [115] أخرجه البخاري (3707). .
-وقال ابنُ مسعودٍ: (الخِلافُ شَرٌّ) [116] أخرجه أبو داود (1960)، وابن أبي شيبة (14174)، والبيهقي (5641). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1960)، وصحَّح إسنادَه الطبري في ((مسند عمر)) (1/226)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (1960). .
- ووعَظَ الخَطَّابُ بنُ المُعلَّى المَخزوميُّ القُرَشيُّ ابنَه، فقال: (يا بُنيَّ، عليك بتَقوى اللهِ وطاعَتِه، وتَجَنُّبِ مَحارِمِه باتِّباعِ سُنَّتِه ومَعالِمِه؛ حتَّى تَصِحَّ عُيوبُك، وتَقَرَّ عَينُك؛ فإنَّها لا تَخفى على اللهِ خافيةٌ... ولا تُكثِرِ المِراءَ، ولا تُنازِعِ السُّفهاءَ، فإن تَكلمتَ فاختَصِرْ، وإن مَزَحتَ فاقتَصِرْ) [117] ((روضة العقلاء)) لابن حبان (ص: 198). .
- وقال مُبارَكٌ أبو حَمَّادٍ: سَمِعتُ سُفيانَ الثَّوريَّ يقولُ لعليِّ بنِ الحَسَن السُّليميِّ: (لا تُنازِعْ أهلَ الدُّنيا في دُنياهم تَكُنْ مُحَبَّبًا إلى النَّاسِ، وإيَّاك والمَعصيةَ فتَستَحِقَّ سَخَطَ اللهِ) [118] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (7/ 47، 48). .
- وأوصى بَعضُهم رَجُلًا فقال: (ازهَدْ في الدُّنيا ولا تُنازِعْها أهلَها، وكُنْ فيها كالنَّحلةِ؛ إن أكلَتْ أكلَتْ طَيِّبًا، وإن وضَعَتْ وضَعَتْ طَيِّبًا، وإن وقَعَتْ على عودٍ لم تَكسِرْه ولم تَضُرَّه) [119] ((المصنف)) لابن أبي شيبة (7/ 183، 184)، ((الزهد)) لهناد بن السري (459). .
- وعنِ الأصمَعيِّ قال: سَمِعتُ أعرابيًّا يقولُ: (مَن لاحى [120] يقال: لاحاه مُلاحاةً ولِحاءً: نازعه. يُنظَر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 281). الرِّجالَ وماراهم قَلَّت مُروءتُه، وهانَت كرامَتُه، ومَن أكثَرَ مِن شَيءٍ عُرِف به) [121] ((الإبانة الكبرى)) لابن بطة (2/ 531). .
- وقال المُزنيُّ: (ذَمَّ اللهُ الاختِلافَ، وأمَرَ عِندَه بالرُّجوعِ إلى الكِتابِ والسَّنةِ، فلو كان الاختِلافُ مِن دينِه ما ذَمَّه، ولو كان التَّنازُعُ مِن حُكمِه ما أمَرَهم بالرُّجوعِ عِندَه إلى الكِتابِ والسَّنَّةِ) [122] ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/ 910). .
- وقال الرَّاغِبُ الأصفهانيُّ: (الخُصومةُ لا تُثمِرُ إلَّا العَداوةَ وإنكارَ الحَقِّ؛ فلهذا جَعَلها اللهُ تعالى شَرًّا مِنَ الجِدالِ، فقال تعالى: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف: 58] ، وقال: فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [النحل: 4] أي: شَديدُ الخُصومةِ مُبينٌ، ولم يذكُرِ الخِصامَ في مَوضِعٍ إلَّا عابَه، وأيضًا فالمُتَجادِلانِ يَجريانِ مَجرى فحلينِ تَعادَيا، وكبشَينِ تَناطَحا، ورَئيسَينِ تَحارَبا، وكُلُّ واحِدٍ منهما يجتَهدُ أن يكونَ هو الفاعِلَ) [123] ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (ص: 187). .
- وقال الشِّنقيطيُّ: (النِّزاعُ مِن أكبَرِ أسبابِ الضَّعفِ والخَورِ وعَدَم انتِظامِ الكلمةِ، وهذا النِّزاعُ والاختِلافُ هو مُشكِلةٌ عُظمى في أقطارِ الأرضِ؛ لأنَّ مَن يتَسَمَّونَ باسمِ المُسلمينَ يُنازِعُ بَعضُهم بَعضًا، ويُعادي بَعضُهم بَعضًا!) [124] يُنظَر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/85). .
- وقال قتادةُ: (فأهلُ رَحمةِ اللهِ أهلُ جَماعةٍ، وإن تَفرَّقَت دُورُهم وأبدانُهم، وأهلُ مَعصيتِه أهلُ فِرقةٍ، وإنِ اجتَمَعَت دُورهم وأبدانُهم) [125] ((جامع البيان)) لابن جرير (12/ 635). .
-وقال أبو المُظَفَّرِ السَّمعانيُّ: (وأمَّا إذا نَظَرتَ إلى أهلِ الأهواءِ والبدَعِ رَأيتَهم مُتَفرِّقينَ مُختَلفينَ أو شِيَعًا وأحزابًا، لا تَكادُ تُجِدُ اثنَينِ مِنهم على طَريقةٍ واحِدةٍ في الاعتِقادِ، يُبدِّعُ بَعضُهم بَعضًا، بَل يرتَقونَ إلى التَّكفيرِ، يُكفِّرُ الابنُ أباه والرَّجُلُ أخاه، والجارُ جارَه! تَراهم أبَدًا في تَنازُعٍ وتَباغُضٍ واختِلافٍ، تَنقَضي أعمارُهم ولمَّا تَتَّفِقْ كَلِماتُهم) [127] ((الحجة في بيان المحجة)) لقوام السنة (2/239، 240). .
- وقال ابنُ تيميَّةَ: (إذا تَفرَّقَ القَومُ فسَدوا وهَلَكوا، وإذا اجتَمَعوا صَلَحوا ومَلَكوا؛ فإنَّ الجَماعةَ رَحمةٌ، والفُرقةَ عَذابٌ) [128] ((مجموع الفتاوى)) (3/ 421). .
- وقال أيضًا: (مَواضِعُ التَّفرُّقِ والاختِلافِ عامَّتُها تَصدُرُ عنِ اتِّباعِ الظَّنِّ وما تَهوى الأنفُسُ) [129] ((مجموع الفتاوى)) (12/ 237). .
- وقال السَّعديُّ: (أهلُ الفِرقةِ والاختِلافِ، هؤلاء اسودَّت وُجوهُهم بما في قُلوبِهم مِنَ الخِزيِ والهَوانِ والذِّلَّةِ والفضيحةِ) [130] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 142). .
- وقال أيضًا: (الدِّينُ يأمُرُ بالاجتِماعِ والائتِلافِ، وينهى عنِ التَّفرُّقِ والاختِلافِ) [131] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 282). .
-وقال ابنُ عُثَيمين: (نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن كُلِّ ما يوجِبُ تَفرُّقَ المُسلمينَ وتَباعُدَهم؛ وذلك لِما في التَّفرُّقِ والبَغضاءِ مِنَ المَفاسِدِ العَظيمةِ؛ فالتَّفرُّقُ هو قُرَّةُ عَينِ شَياطينِ الجِنِّ والإنسِ؛ لأنَّ شَياطينَ الإنسِ والجِنِّ لا يَوَدُّونَ مِن أهل الإسلامِ أن يجتَمِعوا على شَيءٍ، فهم يُريدونَ أن يتَفرَّقوا؛ لأنَّهم يعلمونَ أنَّ التَّفرُّقَ تَفتُّتٌ للقوَّةِ التي تَحصُلُ بالالتِزامِ والاتِّجاهِ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَثَّ على التَّآلُفِ والتَّحابِّ بقَولِه وفِعلِه، ونَهى عنِ التَّفرُّقِ والاختِلافِ الذي يُؤَدِّي إلى تَفريقِ الكلمةِ وذَهابِ الرِّيحِ) [132] ((مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين)) (7/120). .

انظر أيضا: