موسوعة الأخلاق والسلوك

 أ - مِن القُرآنِ الكريمِ


ورَدَت آياتٌ في كِتابِ اللهِ تَحُثُّ على الوفاءِ بالعَهدِ والوعدِ؛ منها:
- قولُه سُبحانَه: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء: 34] .
قال الطَّبَريُّ في تَفسيرِ هذه الآيةِ: (وأوفوا بالعَقدِ الذي تُعاقدونَ النَّاسَ في الصُّلحِ بَينَ أهلِ الحَربِ والإسلامِ، وفيما بَينَكم أيضًا، والبُيوعِ والأشرِبةِ والإجاراتِ، وغَيرِ ذلك مِن العُقودِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء: 34] ، يقولُ: إنَّ اللهَ جَلَّ ثَناؤُه سائِلٌ ناقِضَ العَهدِ عن نَقضِه إيَّاه، يقولُ: فلا تَنقُضوا العُهودَ الجائِزةَ بَينَكم وبَينَ مَن عاهدَتُموه -أيُّها النَّاسُ- فتُخفِروه، وتَغدِروا بمَن أعطَيتُموه ذلك.
 وإنَّما عنى بذلك أنَّ العَهدَ كان مَطلوبًا) [9587] ((جامع البيان)) (17/444). .
- وقال عزَّ مِن قائلٍ: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ [الرعد: 19-20] .
قال الشَّوكانيُّ في تَفسيرِ هذه الآيةِ: (أي: بما عَقدوه مِن العُهودِ فيما بَينَهم وبَينَ رَبِّهم، أو فيما بَينَهم وبَينَ العِبادِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ [الرعد: 20] الذي وثَّقوه على أنفُسِهم، وأكَّدوه بالأيمانِ ونَحوِها، وهذا تَعميمٌ بَعدَ التَّخصيصِ؛ لأنَّه يدخُلُ تَحتَ الميثاقِ كُلُّ ما أوجَبَه العَبدُ على نَفسِه، كالنُّذورِ ونَحوِها، ويُحتَمَلُ أن يكونَ الأمرُ بالعَكسِ، فيكونَ مِن التَّخصيصِ بَعدَ التَّعميمِ، على أن يُرادَ بالعَهدِ جَميعُ عُهودِ اللهِ، وهي أوامِرُه ونَواهيه التي وصَّى بها عَبيدَه، ويدخُلُ في ذلك الالتِزاماتُ التي يُلزِمُ بها العَبدُ نَفسَه، ويُرادُ بالميثاقِ: ما أخَذَه اللهُ على عِبادِه حينَ أخرَجَهم مِن صُلبِ آدَمَ في عالمِ الذَّرِّ المَذكورِ في قَولِه سُبحانَه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ [الأعراف: 172] ) [9588] ((فتح القدير)) (4/105). .
- وقال سُبحانَه: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 10] .
- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة: 1] .
قال السَّعديُّ: (هذا أمرٌ مِن اللهِ تعالى لعِبادِه المُؤمِنينَ بما يقتَضيه الإيمانُ بالوفاءِ بالعُقودِ، أي: بإكمالِها، وإتمامِها، وعَدَمِ نَقضِها ونَقصِها. وهذا شامِلٌ للعُقودِ التي بَينَ العَبدِ وبَينَ رَبِّه مِن التِزامِ عُبوديَّتِه، والقيامِ بها أتَمَّ قيامٍ، وعَدَمِ الانتِقاصِ مِن حُقوقِها شَيئًا، والتي بَينَه وبَينَ الرَّسولِ بطاعَتِه واتِّباعِه، والتي بَينَه وبَينَ الوالدَينِ والأقارِبِ ببرِّهم وصِلَتِهم، وعَدَمِ قَطيعَتِهم، والتي بَينَه وبَينَ أصحابِه مِن القيامِ بحُقوقِ الصُّحبةِ في الغِنى والفقرِ، واليُسرِ والعُسرِ، والتي بَينَه وبَينَ الخَلقِ مِن عُقودِ المُعامَلاتِ، كالبَيعِ والإجارةِ، ونَحوِهما، وعُقودِ التَّبَرُّعاتِ كالهبةِ ونَحوِها، بَل والقيامِ بحُقوقِ المُسلمينَ التي عَقدَها اللهُ بَينَهم في قَولِه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] بالتَّناصُرِ على الحَقِّ، والتَّعاوُنِ عليه والتَّآلُفِ بَينَ المُسلمينَ وعَدَمِ التَّقاطُعِ. فهذا الأمرُ شامِلٌ لأُصولِ الدِّينِ وفُروعِه؛ فكُلُّها داخِلةٌ في العُقودِ التي أمَرَ اللهُ بالقيامِ بها) [9589] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 218). .

انظر أيضا: