موسوعة الأخلاق والسلوك

هـ- نماذِجُ من المُزاحِ عِندَ العُلَماءِ المُعاصِرينَ


- يقولُ محمَّدُ ابنُ الشَّيخِ عبدِ الرَّحمنِ السَّعديِّ: (كان الشَّيخ كثيرًا ما يوافِقُ على الدَّعَواتِ التي توجَّهُ إليه؛ كي يتناوَلَ القَهوةَ، وفي أواخِرِ شَهرِ ذي الحِجَّةِ من إحدى السَّنَواتِ دعاه أحدُ أصدقائِه، ولكِنَّ الشَّيخَ اعتَذَر مازحًا، وقال لمَن دعاه: أنا عندي مواعيدُ كثيرةٌ، فألحَّ عليه صاحِبُه، وبدا منه الغَضَبُ لرَدِّ الشَّيخِ، فقال له الشَّيخُ: إذًا يكونُ موعِدُك أوَّلَ السَّنةِ القادِمةِ! فغَضِب صاحبُه، وقال: أنت لا تريدُ دُخولَ منزلي.
فقال له الشَّيخُ: يا أخي، يومُ الثُّلاثاءِ القادِمِ هو بدايةُ السَّنةِ الجديدةِ -أي بعدَ يومَينِ- أمَا عَلِمتَ أنَّنا في آخِرِ هذه السَّنةِ؟! فطابت حينَئذٍ نفسُ صاحبِه، وأدرك أنَّ الشَّيخَ يمازِحُه) [8649] ((ارتسامات في بناء الذات)) لمحمد الحمد (ص: 49). .
- ويقول ابنُه محمَّدٌ أيضًا: (كان لوالِدي رحمه اللهُ قريبٌ اسمُه محمَّد منصور بنُ إبراهيمَ السَّعديِّ، وهو صديقٌ للوالِدِ، وقد وُلِدا في ليلةٍ واحدةٍ؛ حيثُ وُلِد محمَّدٌ أوَّلَ اللَّيلِ تقريبًا، والشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ وُلِد عِندَ الفَجرِ؛ فصار محمَّدٌ يَكبَرُ الشَّيخَ بثماني ساعاتٍ.
ولمَّا كَبِرا صارت لحيةُ الشَّيخِ عبدِ الرَّحمنِ بيضاءَ جِدًّا، أمَّا لحيةُ محمَّد المنصورِ فكانت سوداءَ قليلةَ البياضِ، فإذا اجتَمَع الوالِدُ مع محمَّدٍ في مناسَبةٍ عِندَ أحَدِ الأصحابِ، قال الوالِدُ: محمَّد المنصور أكبَرُ منِّي بثمانٍ، ويَسكُتُ رحمه اللهُ دونَ أن يُبَيِّنَ ما هذه الثَّماني! فيَظُنُّ الظَّانُّ أن محمدًا أكبَرُ من الشَّيخِ بثماني سنَواتٍ، خُصوصًا وأنَّ محمَّدًا لا يتكَلَّمُ؛ احترامًا للشَّيخِ، وهو يَعلَمَ أنَّ الوالِدَ يمزَحُ.
وحينَ يبلُغُ بالحاضِرين العَجَبُ يخبِرُهم الشَّيخُ بأنَّ محمَّدًا أكبَرُ منه بثماني ساعاتٍ!) [8650] ((ارتسامات في بناء الذات)) لمحمد الحمد (ص: 51، 52). .
- ويقولُ عبدُ اللهِ بنُ مَنيعٍ متحَدِّثًا عن الشَّيخِ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ: (كان رحمه اللهُ يحِبُّ النُّكتةَ ويَسْترويها؛ فقد صار مِن بعضِ الزُّملاءِ أن اجتَمَع لديه اثنانِ من فرَّاشي الإفتاءِ، فذَكَّرهما أنَّ الصَّومَ يصيرُ في الصَّيفِ والشِّتاءِ، وكذلك الحَجُّ هكذا؛ فإنَّ السَّنةَ تستديرُ، فإذا اجتمع الصَّومُ مع الحَجِّ في إحدى السِّنينَ، فمَن منكما سيصومُ ويَترُكُ الحَجَّ، ومن سيحُجُّ ويقضي الصَّومَ؟! فقال أحَدُهما: سأحُجُّ وأترُكُ الصَّومَ لأيَّامٍ أُخَرَ، وقال الآخَرُ: سأصومُ وأترُكُ الحَجَّ! فذَكَر لسماحتِه فاسْتَدعاهما وأعيدَ السُّؤالُ عليهما، فاحتَجَّ الأوَّلُ على تركِه الصَّومَ بقَولِه: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184] ، واحتَجَّ الثَّاني بقَولِه تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185] ، فضَحِك رحمه اللهُ، وقال: لقد بُنِيَت هذه الدَّارُ على عِلمٍ، يعني دارَ الإفتاءِ [8651] ((ارتسامات في بناء الذات)) لمحمد الحمد (ص: 55). !
- ويقولُ عبدُ اللهِ بنُ مَنيعٍ الذي لازم سماحةَ الشَّيخِ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ في العَمَلِ معه مدَّةً طويلةً: (أذكُرُ أنَّني أنا وأحمدُ بنُ قاسِمٍ مع سماحتِه بعدَ العَصرِ في الطَّائِفِ في منطقةِ الهَدَا؛ لعَرْضِ ما لدَيَّ من معامَلاتٍ على سماحتِه كالمعتادِ، وفي رجوعِنا وجَّه الكلامَ لأحمدَ بنِ قاسِمٍ قائلًا: يا أحمدُ، أمُّك جاءت بوَلَدٍ ليس أخاك ولا أختَك، فمن هو؟ فبُهِت أحمدُ مِن هذا، وقال: خَلِّها في قَبْرِها عفا اللهُ عنك! وبعد أن أتاح له فُرصةَ التَّأمُّلِ قال: هو أنت يا أحمَدُ! جاءت بك أمُّك! فتنَفَّسَ الصُّعَداءَ، وقال: الحَمدُ للهِ، فرَّجْتَ عنِّي، جزاك اللهُ خيرًا!) [8652] ((ارتسامات في بناء الذات)) لمحمد الحمد (ص: 54). .
- وقرأ عبدُ العزيزِ بنُ شَلهوبٍ، وهو حَسَنُ الصَّوتِ، قليلُ اللَّحنِ، ولكِنَّه أخطأ في هذه القراءةِ بكَلِمةٍ، وهي: (وهذه لُغةُ حِمْيَرٍ) قرأها: (وهذه لُغةُ حَمِيرٍ!)، فقال الشَّيخُ محمَّدُ بنُ إبراهيمَ: سُبحانَ اللهِ، وهل للحَميرِ لُغةٌ [8653] ((ارتسامات في بناء الذات)) لمحمد الحمد (ص: 56). ؟!
- كان الشَّيخُ ابنُ بازٍ حريصًا على ملاطفةِ جُلَّاسِه، وإدخالِ السُّرورِ عليهم، وكان يداعِبُهم، ويمازِحُهم مُزاحًا لا إسرافَ فيه ولا إسفافَ، فمِن ذلك: جاءه ذاتَ مَرَّةٍ مُطلِقٌ، فقال له: ما اسمُك؟ قال: ذِيبٌ، قال: ما اسمُ زوجتِك؟ قال: ذِيبةُ، فقال مُداعِبًا: أسألُ اللهَ العافيةَ! أنت ذيبٌ، وهي ذِيبةٌ، كيف يعيشُ بينَكما الأولادُ [8654] ((جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز)) لمحمد الموسى (ص: 172). ؟!
- وكان إذا أراد الوُضوءَ من المغسَلةِ ناول من بجانِبِه غُترتَه أو مِشلَحَه، ثمَّ قال مُمازحًا مُداعبًا: هذه يا فُلانُ على سبيلِ الأمانةِ، لا تطمَعْ بها [8655] ((ارتسامات في بناء الذات)) لمحمد الحمد (ص: 51). .
- ومن ذلك أنَّه إذا قام من المكتبةِ مُتعَبًا من القراءةِ والمعامَلاتِ، ثمَّ تناوَل العَشاءَ، قال: سنعودُ إلى المكتبةِ مرَّةً أُخرى؛ لأنَّنا ملَأْنا البنزينَ، وتزوَّدْنا بالوَقودِ، أو يقولُ بعبارتِه: (عَبَّيْنا) بنزينَ، ويعني بذلك أنَّه نَشِط بعدَ تناوُلِ الطَّعامِ [8656] ((ارتسامات في بناء الذات)) لمحمد الحمد (ص: 51). .
- وممَّا دار في ذلك المجلِسِ أنَّ الشَّيخَ عبدَ العزيزِ السَّدحانَ ذَكَر أنَّه ورَد في ترجمةِ أحمدَ بنِ نَصرٍ الخُزاعيِّ رحمه اللهُ أنَّه رَقى رجلًا فيه مَسٌّ من الجِنِّ، فتكَلَّمَتْ على لسانِه جِنِّيَّةٌ، فقالت لأحمدَ بنِ نَصرٍ: يا شيخُ، لن أخرُجَ من هذا الرَّجُلِ حتَّى يَدَعَ القولَ بخَلقِ القُرآنِ!
فتبسَّم سماحتُه وقال: ما شاء اللهُ! هذه جِنِّيَّةٌ سُنِّيَّةٌ، هذه من أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ [8657] ((ارتسامات في بناء الذات)) لمحمد الحمد (ص: 59). !
- ومن المواقِفِ التي حدَثَت لابنِ عُثَيمين ما ذُكِر عنه أنَّه (صلَّى في الحَرَمِ المكِّيِّ، وعندَ خُروجِه استقَلَّ سيَّارة تاكسي، وأراد التَّوجُّهَ إلى مِنًى، وأثناءَ الطَّريقِ أراد السَّائِقُ أن يتعَرَّفَ على الرَّاكِبِ، فقال من الشَّيخُ؟ فأجابه الشَّيخُ: محمَّدُ بنُ عُثَيمين. فأجابه السَّائِقُ: أنت الشَّيخُ ابنُ عُثَيمين؟! ظنًّا منه أنَّه يمزَحُ معه، فقال: نعم. فقال السَّائقُ وهو يَهُزُّ رأسَه متعَجِّبًا من جرأتِه في تقَمُّصِ شخصيَّةِ الشَّيخِ ابنِ عُثَيمين، فقال الشَّيخُ للسَّائِقِ: ومن الأخُ؟ فأجاب السَّائقُ: أنا الشَّيخُ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ! وكان ذلك في حياةِ ابنِ بازٍ مُفتي عام المملَكةِ، فأجابه الشَّيخُ: لكِنَّ ابنَ بازٍ ضريرٌ، ولا يمكِنُ أن يسوقَ سيَّارةً! ولمَّا تبيَّن للسَّائقِ أنَّه الشَّيخُ ابنُ عُثَيمين اعتذر منه، وكان في غايةِ الحَرَجِ. وهذا يدُلُّنا على تواضُعِ الشَّيخِ، ومداعبتِه لعامَّةِ النَّاسِ) [8658] ((الجامع لحياة العلامة محمد بن صالح العثيمين)) لوليد بن أحمد الحسين (ص: 41، 42). .
- وممَّا دار في ذلك الحديثِ أنَّ فضيلةَ الشَّيخِ محمَّدِ بنِ عُثَيمين قال للشَّيخِ عبدِ اللهِ القَشعَميِّ إمامِ جامِعِ الثُّوَيرِ: ما هذا الاسمُ؟ الثُّوَيرُ! أفلا سُمِّيَ بالثَّورِ؟!
فقال الشَّيخُ عبدُ اللهِ: أحسَنُ اللهُ إليك يا شَيخُ محمَّدٌ، نحن في هذا المكانِ الصَّغيرِ الذي يليقُ بنا، ويناسِبُنا أن يُسَمَّى بهذا الاسمِ، ثمَّ إنَّ الثَّورَ كبيرٌ، وإذا صُغِّرَ ففيه شيءٌ مِن الكِبَر، لكِنْ أنتم في بَلَدِ العُلَماءِ والفُضَلاءِ والوُجَهاءِ، وهو بلَدٌ كبيرٌ ويُسَمَّى عُنَيزةَ! وعَنزٌ صغيرةٌ، فكيف إذا صُغِّرَت؟
فضَحِك الشَّيخُ محمَّدٌ كثيرًا، وأُعجِبَ بسُرعةِ بديهةِ هذا الرَّجُلِ الكبيرِ، وقال: (لو سَكَتُّ لسَلِمْتُ!) [8659] ((ارتسامات في بناء الذات)) لمحمد الحمد (ص: 60). .
- ورَكِب أحدُ طَلَبةِ العِلمِ مع الألبانيِّ في سَيَّارتِه، وكان الشَّيخُ يُسرِعُ في السَّيرِ. فقال له الطَّالبُ: خَفِّفْ يا شيخُ! فإنَّ ابنَ بازٍ يرى أنَّ تجاوُزَ السُّرعةِ إلقاءٌ بالنَّفسِ إلى التَّهلُكةِ. فقال الألبانيُّ: هذه فتوى مَن لم يجَرِّبْ فَنَّ القيادةِ! فقال الطَّالِبُ: هل أخبِرُ الشَّيخَ ابنَ بازٍ؟ قال الألبانيُّ: أخبِرْه. فلمَّا حدَّث الطَّالبُ الشَّيخَ ابنَ بازٍ بما قال الشَّيخُ الألبانيُّ، ضَحِك، وقال: قُلْ له: هذه فتوى من لم يُجَرِّبْ دَفعَ الدِّياتِ [8660] ((الإمام الألباني دروس ومواقف وعبر)) لعبد العزيز السدحان (ص: 108). !

انظر أيضا: