موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- نماذِجُ من مُزاحِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جميلَ المَعْشَرِ، دائِمَ البِشرِ، يؤانِسُ أصحابَه ويمازِحُهم ويداعِبُهم ويتلطَّفُ معهم، ويحسِنُ عِشرتَهم، وكان مُزاحُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نحوًا من أخلاقِه؛ فهو مُزاحٌ بالحَقِّ لإيناسِ النُّفوسِ، وجَبرِ الخواطِرِ، وتلطيفِ الأجواءِ.
قال القاضي عِياضٌ: (كان يمازِحُ أصحابَه ويخالِطُهم، ويحادِثُهم ويُداعِبُ صِبيانَهم، ويُجلِسُهم في حِجرِه) [8603] ((الشفا)) (1/247، 248). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (وكان من أخلاقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه جميلُ العِشرةِ، دائِمُ البِشرِ، يداعِبُ أهلَه، ويتلطَّفُ بهم، ويوسِعُهم نَفَقتَه، ويُضاحِكُ نِساءَه) [8604] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 242). .
- عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((استأذَن أبو بكرٍ رَحمةُ اللهِ عليه على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسمِع صوتَ عائِشةَ عاليًا، فلمَّا دخل تناوَلها ليَلطِمَها، وقال: ألا أراكِ ترفَعينَ صوتَكِ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! فجعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يحجُزُه، وخرَج أبو بكرٍ مُغضَبًا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ خرَج أبو بكرٍ: كيف رأيتِني أنقذْتُكِ مِن الرَّجلِ؟! قال: فمكَث أبو بكرٍ أيَّامًا، ثُمَّ استأذَن على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فوجَدهما قد اصطَلحا، فقال لهما: أدخِلاني في سِلمِكما كما أدخلْتُماني في حَربِكما! فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قد فعَلْنا، قد فعَلْنا!)) [8605] أخرجه أبو داود (4999) واللفظ له، وأحمد (18394). صحَّحه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4999)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1154)، وصحَّحه لغيره الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/944). .
- وعن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَجُلًا استَحمَلَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ((إنِّي حامِلُك على وَلَدِ النَّاقةِ. فقال: يا رسولَ اللهِ، ما أصنَعُ بوَلَدِ النَّاقةِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وهل تَلِدُ الإبِلَ إلَّا النُّوقُ؟)) [8606] أخرجه أبو داود (4998)، والترمذي (1991) واللفظ له، وأحمد (13817). صحَّحه الترمذي، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4998)، وصحَّح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (13817). .
- وعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا ذا الأُذُنَينِ!)) [8607] أخرجه أبو داود (5002)، والترمذي (1992)، وأحمد (12164). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5002)، وقال الترمذي: صحيحٌ غريبٌ. وحسَّنه ابنُ القطَّان في ((الوهم والإيهام)) (5/822)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (5002). .
قال الطِّيبيُّ: (قيل: إنَّ هذا القَولَ مِن جُملةِ مُداعباتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولطيفِ أخلاقِه) [8608] ((الكاشف عن حقائق السنن)) (10/ 3141). .
- وعن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما الخيطُ الأبيَضُ من الخيطِ الأسوَدِ، أهما الخَيطانِ؟ قال: إنَّك لعَريضُ القَفَا إنْ أبصَرْتَ الخَيطَينِ! ثمَّ قال: لا، بل هو سَوادُ اللَّيلِ، وبَياضُ النَّهارِ)) [8609] أخرجه البخاري (4510) واللفظ له، ومسلم (1090). .
وعنى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -واللهُ أعلَمُ- (إنَّ وسادَك إن كان يُغَطِّي الخيطينِ اللَّذَينِ أراد اللهُ فهو إذًا عريضٌ واسِعٌ! ولهذه قال في إثْرِ ذلك: إنَّما هو سوادُ اللَّيلِ وبياضُ النَّهارِ، فكأنَّه قال: فكيف يدخُلانِ تحتَ وِسادتِك؟! وقولُه: ((إنَّك لعَريضُ القَفَا))، أي: إنَّ الوِسادَ الذي يُغَطِّي اللَّيلَ والنَّهارَ لا يَرقُدُ عليه إلَّا قفًا عريضٌ للمُناسبةِ) [8610] ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) (10/ 294). .
- عن محمودِ بنِ الرَّبيعِ قال: عَقَلتُ من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَجَّةً مَجَّها في وَجهي، وأنا ابنُ خمسِ سِنينَ مِن دَلوٍ [8611] أخرجه البخاري (77) ومسلم (33). .
وفي هذا مُلاطفةُ الصِّبيانِ وتأنيسُهم وإكرامُ آبائِهم بذلك، وجوازُ المُزاحِ [8612] ((شرح النووي على مسلم)) (5/ 162). .
- وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((أتيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بخَزيرةٍ [8613] الخَزيرةُ: لحمٌ يُقَطَّعُ صِغارًا ويُصَبُّ عليه ماءٌ كثيرٌ، فإذا نَضِج ذُرَّ عليه الدَّقيقُ، فإنْ لم يكُنْ فيها لحمٌ فهي عصيدةٌ. وقيل: هي حَسًا من دقيقٍ ودَسَمٍ. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث)) لابن الأثير (2/ 28). طبَخْتُها له، فقُلتُ لسَودةَ -والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَينَي وبَينَها-: كُلِي، فأَبَتْ، فقُلتُ: لتأكُلِنَّ أو لألطَخَنَّ وَجْهَكِ! فأبَتْ، فوَضَعْتُ يدي في الخزيرةِ فطَلَيتُ بها وَجْهَها، فضَحِك النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! وقال لسَودةَ: الطَخِي وَجْهَها، فلَطَخَت وَجْهي، فضَحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيضًا! فمَرَّ عُمَرُ، فنادى يا عبدَ اللهِ يا عبدَ اللهِ، فظَنَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه سيدخُلُ، فقال لهما: قُومَا فاغسِلا وُجوهَكما. قالت عائِشةُ: فما زِلتُ أهابُ عُمَرَ لهيبةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إيَّاه)) [8614] أخرجه من طرُقٍ: النسائي في ((السنن الكبرى)) (8917)، وأبو يعلى (4476)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (44/90) واللفظ له. حسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1562)، وحسَّن إسنادَه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (7/363)، وجوَّده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/160). .

انظر أيضا: