موسوعة الأخلاق والسلوك

هـ- نماذِجُ من المُروءةِ عِندَ العُلَماءِ المتقَدِّمينَ وغَيرِهم


مُروءةُ محمَّدِ بنِ جَريرٍ الطَّبَريِّ:
عن أبي عليٍّ هارونَ بنِ عبدِ العزيزِ (أنَّ أبا جعفَرٍ لَمَّا دخل بغدادَ، وكانت معه بضاعةٌ يتقَوَّتُ منها، فسُرِقَت فأفضى به الحالُ إلى بيعِ ثيابِه وكُمَّي قَميصِه! فقال له بعضُ أصدقائِه: تنشَطُ لتأديبِ بعضِ وَلَدِ الوزيرِ أبي الحسَنِ عُبَيدِ اللهِ بنِ يحيى بنِ خاقانَ؟ قال: نعم. فمضى الرَّجُلُ، فأحكَمَ له أمرَه، وعاد فأوصَله إلى الوزيرِ بعد أن أعارَه ما يَلبَسُه، فقرَّبه الوزيرُ ورفع مجلِسَه، وأجرى عليه عَشرةَ دنانيرَ في الشَّهرِ، فاشتَرَط عليه أوقاتَ طَلَبِه للعِلمِ والصَّلواتِ والرَّاحةِ، وسأل إسلافَه رِزقَ شَهرٍ، ففَعَل، وأُدخِل في حجرةِ التَّأديبِ، وخرج إليه الصَّبيُّ -وهو أبو يحيى- فلمَّا كتَبَه أخذ الخادِمُ اللَّوحَ، ودخَلوا مُستبشِرين، فلم تَبْقَ جاريةٌ إلَّا أهدَت إليه صينيَّةً فيها دراهِمُ ودنانيرُ، فردَّ الجميعَ وقال: قد شُورِطتُ على شيءٍ، فلا آخُذُ سِواه!) [8491] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (14/271-272). .
و(كان رُبَّما أهدى إليه بعضُ أصدقائِه الشَّيءَ، فيَقبَلُه ويكافِئُه أضعافًا؛ لعِظَمِ مُروءتِه!) [8492] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (14/272). .
مُروءةُ صلاحِ الدِّينِ الأيُّوبيِّ:
قال ابنُ شدَّاد، يذكُرُ طَرَفًا من مُروءةِ صلاحِ الدِّينِ: (ولقد كان السُّلطانُ كثيرَ المُروءةِ نَدِيَّ اليَدِ كثيرَ الحياءِ، مبسوطَ الوَجهِ لمن يَرِدُ عليه من الضُّيوفِ حتى يَطعَمَ، لا يرى أن يفارِقَه الضَّيفُ حتى يَطعَمَ عِندَه، ولا يخاطِبُه بشيءٍ إلَّا وينجِزُه، وكان يُكرِمُ الوافِدَ عليه وإن كان كافِرًا. ولقد وفَد عليه البِرنسُ صاحِبُ أنطاكيةَ فما أحسَّ به إلَّا وهو واقِفٌ على بابِ خيمتِه بعدَ وقوعِ الصُّلحِ في شَهرِ شوَّالٍ سنةَ ثمانٍ وثمانين وخمسِمائةٍ عِندَ مُنصَرَفِه من القُدسِ إلى دِمَشقَ، عَرَض له في الطَّريقِ وطَلَب منه شيئًا، فأعطاه العمقَ -وهي بلادٌ كان أخَذَها منه عامَ فَتحِ السَّاحِلِ وهو سنةَ أربعٍ وثمانين- ولقد رأيتُه وقد دخَل عليه صاحِبُ صَيدا بالنَّاصِرةِ فاحترَمه وأكرَمَه وأكَل معه الطَّعامَ، ومع ذلك عَرَض عليه الإسلامَ فذكَر له طرَفًا من محاسِنِه وحثَّه عليه، وكان يُكرِمُ من يَرِدُ عليه من المشايخِ وأربابِ العِلمِ والفضلِ وذوي الأقدارِ، وكان يوصينا بأن لا نَغفُلَ عمَّن يجتازُ بالخيمِ من المشايخِ المعروفين حتى يُحضِرَهم عندَه وينالَهم من إحسانِه) [8493] ((النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية)) (1/66). .
مُروءةُ عُمَرَ بنِ محمَّدٍ السُّهْرَوَرْديِّ.
قال ابنُ النَّجَّارِ: (كان تامَّ المُروءةِ، كبيرَ النَّفسِ، ليس للمالِ عندَه قَدْرٌ، لقد حصل له ألوفٌ كثيرةٌ فلم يدَّخِرْ شيئًا، ومات ولم يخَلِّفْ كَفَنًا!) [8494] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (14/272). .
وقال ابنُ نقطة: (كان شيخَ العراقِ في وقتِه، صاحِبَ مجاهدةٍ وإيثارٍ وطريقٍ حميدةٍ ومُروءةٍ تامَّةٍ) [8495] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (14/272). .
مُروءةُ ابنِ تَيميَّةَ:
قال أبو حفصٍ البزَّارُ في ذِكرِ بعضِ شواهِدِ مُروءةِ ابنِ تَيميَّةَ: (ما شَدَّ على دينارٍ ولا درهَمٍ قطُّ، بل كان مهما قَدَر على شيءٍ من ذلك يجودُ به كُلِّه، وكان لا يَرُدُّ من يسألُه شيئًا يقدِرُ عليه من دراهِمَ ولا دنانيرَ ولا ثيابٍ ولا كُتُبٍ ولا غيرِ ذلك، بل ربَّما كان يسألُه بعضُ الفقراءِ شَيئًا من النَّفَقةِ، فإن كان حينَئذٍ متعذِّرًا لا يدَعُه يذهَبُ بلا شيءٍ، بل كان يعمِدُ إلى شيءٍ من لباسِه فيدفَعُه إليه، وكان ذلك المشهورَ عِندَ النَّاسِ من حالِه) [8496] ((الأعلام العلية)) (ص: 63). .

انظر أيضا: