موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- مِن أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ


- كتب عُمَرُ إلى أبي موسى: (أمَّا بَعدُ، فإنَّ القوَّةَ في العَمَلِ ألَّا تُؤَخِّرَ عَمَلَ اليومِ لغَدٍ؛ فإنَّكم إذا فعَلتُم ذلك تَدارَكت عليكمُ الأعمالُ فلم تَدروا بأيِّها تَأخُذونَ فأضَعتُم) [7808] ((الخطب والمواعظ)) لأبي عبيد (ص: 204). .
- وقال الشَّافِعيُّ: (ما ناظَرتُ أحَدًا على الغَلَبةِ إلَّا على الحَقِّ عِندي) [7809] يُنظَر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (8/ 245). .
- وقال الذَّهَبيُّ: (الصَّدعُ بالحَقِّ عَظيمٌ، يحتاجُ إلى قوَّةٍ وإخلاصٍ، فالمُخلِصُ بلا قوَّةٍ يعجِزُ عنِ القيامِ به، والقَويُّ بلا إخلاصٍ يُخذَلُ، فمَن قامَ بهما كامِلًا فهو صِدِّيقٌ، ومِن ضَعُفَ فلا أقَلَّ مِنَ التَّألُّمِ والإنكارِ بالقَلبِ، ليس وراءَ ذلك إيمانٌ، فلا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ) [7810] ((سير أعلام النبلاء)) (11/ 234). .
- وقال فخرُ الدِّينِ الرَّازيُّ: (لا بُدَّ في الإمامةِ والنُّبوَّةِ مِن قوَّةِ العَزمِ، والصَّبرِ على ضُروبِ المِحنةِ؛ حتَّى يُؤَدِّيَ عنِ اللَّهِ أمرَه ونَهيَه، ولا تَأخُذَه في الدِّينِ لَومةُ لائِمٍ، وسَطوةُ جَبَّارٍ) [7811] ((مفاتيح الغيب)) للرازي (4/49). .
- قال أبو بَكرِ ابنُ العَرَبيِّ: (إذا كان الغَضَبُ للَّهِ فهو مِنَ الدِّينِ وقوَّةِ النَّفسِ في الحَقِّ، فبالغَضَبِ قوبلَ الكُفَّارُ، وأُقيمَتِ الحُدودُ، وذَهَبَتِ الرَّحمةُ على أهلِ ذلك في القُلوبِ، وهذا يوجِبُ أن يكونَ القَلبُ عاقِلًا والبَدَنُ عامِلًا بمُقتَضى الشَّرعِ، يُستَرسَلانِ إذا أرسَلَهما) [7812] ((عارضة الأحوذي)) (8/ 177). .
- وقال ابنُ تيميَّةَ: (إنَّ الإيمانَ كما قال فيه قَيصَرُ لَمَّا سَألَ أبا سُفيانَ عَمَّن أسلم مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "هَل يرجِعُ أحَدٌ مِنهم عن دينِه سَخطةً له بَعدَ أن يدخُلَ فيه؟ قال: لا. قال: وكذلك الإيمان إذا خالَطَ بشاشَتُه القُلوبَ لا يَسخَطُه أحَدٌ". ولهذا قال بَعضُ السَّلَفِ -عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ أو غَيرُه-: "مَن جَعَلَ دِينَه غَرَضًا للخُصوماتِ أكثَرَ التَّنَقُّلَ". وأمَّا أهلُ السُّنَّةِ والحَديثِ فما يُعلَمُ أحَدٌ مِن عُلَمائِهم ولا صالِحُ عامَّتِهم رَجَعَ قَطُّ عن قَولِه واعتِقادِه، بل هم أعظَمُ النَّاسِ صَبرًا على ذلك وإنِ امتُحِنوا بأنواعِ المِحَنِ وفُتِنوا بأنواعِ الفِتَنِ، وهذه حالُ الأنبياءِ وأتباعِهم مِنَ المُتَقدِّمينَ كأهلِ الأُخدودِ ونَحوِهم، وكسَلَفِ هذه الأُمَّةِ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعَينِ وغَيرِهم مِنَ الأئِمَّةِ، حتَّى كان مالِكٌ رَحِمَه اللَّهُ يقولُ: "لا تَغبِطوا أحَدًا لم يُصِبْه في هذا الأمرِ بَلاءٌ!". يقولُ: إنَّ اللَّهَ لا بُدَّ أن يبتَليَ المُؤمِنَ؛ فإن صَبَر رَفَع دَرَجَتَه، كما قال تعالى: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلقد فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت: 1 - 3] ، وقال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة: 24] ، وقال تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 1 - 3] ) [7813] ((مجموع الفتاوى)) (4/ 50). .
- وقال ابنُ القَيِّمِ: (للإنسانِ قوَّتانِ: قوَّةٌ عِلميَّةٌ نَظَريَّةٌ، وقوَّةٌ عَمَليَّةٌ إراديَّةٌ، وسَعادتُه التَّامَّةُ مَوقوفةٌ على استِكمالِ قوَّتَيه العِلميَّةِ والإراديَّةِ، واستِكمالُ القوَّةِ العِلميَّةِ إنَّما يكونُ بمَعرِفةِ فاطِره وبارِئه، ومَعرِفةِ أسمائِه وصِفاتِه، ومَعرِفةِ الطَّريقِ التي تُوصِلُ إليه، ومَعرِفةِ آفاتِها ومَعرِفةِ نَفسِه ومَعرِفةِ عُيوبِها، فبهذه المَعارِفِ الخَمسةِ يحصُلُ كمالُ قوَّتِه العِلميَّةِ، وأعلَمُ النَّاسِ أعرَفُهم بها وأفقهُهم فيها، واستِكمالُ القوَّةِ العِلميَّةِ والإراديَّةِ لا يَحصُلُ إلَّا بمُراعاةِ حُقوقِه سُبحانَه على العَبدِ والقيامِ بها إخلاصًا وصِدقًا ونُصحًا وإحسانًا ومُتابعةً وشُهودًا لمَنَّتِه عليه، وتَقصيرِه هو في أداءِ حَقِّه، فهو مُستَحٍ مِن مواجَهَتِه بتلك الخِدمةِ؛ لعِلمِه أنَّها دونَ ما يستَحِقُّه عليه ودونَ دونِ ذلك، وأنَّه لا سَبيلَ له إلى استِكمالِ هاتَينِ القوَّتَينِ إلَّا بمَعونَتِه، فهو مُضطَرٌّ إلى أن يهديَه الصِّراطَ المُستَقيمَ الذي هَدى إليه أولياءَه وخاصَّتَه وأن يُجَنِّبَه الخُروجَ عن ذلك الصِّراطِ إمَّا بفسادٍ في قوَّتِه العِلميَّةِ فيقَعُ في الضَّلالِ وإمَّا في قوَّتِه العَمَليَّةِ فيوجِبُ له الغَضَبَ، فكمالُ الإنسانِ وسَعادَتُه لا تَتِمُّ إلَّا بمَجموعِ هذه الأُمورِ) [7814] ((الفوائد)) (ص: 18). .

انظر أيضا: