موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


- قال الله تعالى: وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ [الأنبياء: 78 - 81] .
- عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه في قولِه: وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ قال: (كَرْمٌ قد أنبَتَت عناقيدُه، فأفسَدَته الغَنَمُ. قال: فقضى داودُ بالغَنَمِ لصاحِبِ الكَرْمِ، فقال سليمانُ: غيرَ هذا يا نبيَّ اللهِ! قال: وما ذاك؟ قال: تدفَعُ الكَرْمَ إلى صاحِبِ الغَنَمِ، فيقومُ عليه حتَّى يعوَد كما كان، وتدفَعُ الغَنَمَ إلى صاحِبِ الكَرمِ، فيُصيبُ منها، حتَّى إذا عاد الكَرْمُ كما كان دَفَعْتَ الكَرْمَ إلى صاحِبِه، ودفَعْتَ الغَنَمَ إلى صاحِبِها، فذلك قولُه: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ [7479] رواه الحاكم (4138) واللفظ له، والبيهقي (20862)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (22/234). .
- قرأ الحسَنُ: وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا (فحَمِد سُلَيمانَ، ولم يَلُمْ داودَ، ولولا ما ذَكَر اللهُ من أمرِ هذين، لرأيتُ أنَّ القُضاةَ هَلَكوا؛ فإنَّه أثنى على هذا بعِلمِه، وعَذَر هذا باجتهادِه) [7480] رواه البخاري معلَّقًا قبل حديث (7163) واللفظ له، ورواه موصولًا ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (10/26). .
- وقال ابنُ الجوزيِّ: (كان لسُليمانَ من الفِطنةِ ما بان بها الصَّوابُ في حُكمِه دونَ حُكمِ أبيه في قِصَّةِ الحَرثِ وغيرِه؛ قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ) [7481] ((التبصرة)) لابن الجوزي (1/296). .
-وقال تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 83] .
قال الخازِنُ: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ: أي: يَستخرِجون تدبيرَه بذكائِهم وفِطنتِهم وتجارِبِهم، ومعرفتِهم بأمورِ الحَربِ وما ينبغي لها ومكايدِها، وهم العُلَماءُ الذين عَلِموا ما ينبغي أن يُكتَمَ من الأمورِ وما ينبغي أن يُذاعَ منها، والنَّبطُ: الماءُ الذي يخرجُ من البِئرِ أوَّلَ ما تُحفَرُ، واستنباطُه: استخراجُه، فاستُعيرَ لِما يُخرِجُه الرَّجُلُ بفضلِ ذكائِه وصفاءِ ذِهنِه وفِطنتِه من المعاني والتَّدبيرِ فيما يَعضُلُ ويُهِمُّ) [7482] ((لباب التأويل)) (1/564). .
-وقال تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: 25] .
قال ابنُ عُثَيمين: (في قَولِها: إِنَّ أَبِي يَدْعُوَك: يستفادُ منه كمالُ أدَبٍ؛ حيثُ نَسَبت الدَّعوةَ إلى الأبِ دونَ نَفسِها، وهو أيضًا من كمالِ الذَّكاءِ؛ لأنَّ نسبةَ الدَّعوةِ إلى الأبِ أقرَبُ إلى إجابةِ موسى؛ حيثُ يكونُ الدَّاعي له رجُلًا، وقد وصفَتْه من قَبلُ بأنَّه شيخٌ كبيرٌ، فتكونُ دعوتُه لموسى وتوجيهُ الدَّعوةِ منه إلى موسى أقرَبَ للإجابةِ) [7483] ((تفسير القرآن الكريم - سورة القصص)) (ص: 101-102). .
وقال أيضًا: (من فوائِدِ الآيةِ الكريمةِ: فيها دليلٌ على ذكاءِ الفتاةِ؛ فهي لم تَقُلْ: إنَّ أبي يدعوك من أجلِ أن يوجِّهَ إليه التُّهمةَ مَثَلًا، أو من أجْلِ أن يَغدِرَ به، أو يَطلُبَه، أو ما أشبَهَ ذلك، لكِنَّها قالت: لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا، وليكونَ ذلك أدعى إلى إجابةِ الدَّعوةِ) [7484] ((تفسير القرآن الكريم - سورة القصص)) (ص: 102). .
-وقال تعالى في ذمِّ أهلِ الكُفرِ لانحطاطِ رتبتِهم وعَدَمِ فطنتِهم وتضييعِهم لنِعمةِ العَقلِ والإفادةِ منه: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ [الأنفال: 21-22] .
أي (لا تكونوا في عَدَمِ الإطاعةِ والانقيادِ كالذين قالوا كُفرًا ونِفاقًا: سَمِعْنا ما تلوتَ علينا، وهم من غايةِ بُغضِهم ونفاقِهم لا يَسمَعون سَمْعَ إطاعةٍ وتسليمٍ، فكأنَّهم لم يَسمَعوا أصلًا، بل لا يتأتَّى منهم السَّماعُ؛ لانحطاطِهم عن رُتبةِ العُقلاءِ، بل لحِقوا بالبهائِمِ في عَدَمِ الفِطنةِ، بل أسوأُ حالًا منها) [7485] ((الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية)) لعلوان (1/ 284). .   

انظر أيضا: