موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن قَبيصةَ بنِ مُخارِقٍ الهِلاليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((تَحَمَّلْتُ حَمالةً، فأَتَيْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَسأَلُه فيها، فقالَ: أقِمْ حتَّى تَأتيَنا الصَّدَقةُ فنَأمُرَ لك بِها، قال: ثُمَّ قال: يا قَبِيصةَ، إنَّ المَسألةَ لا تَحِلُّ إلَّا لأحَدِ ثَلاثةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمالةً [7486] الحَمالةُ: ما يتحمَّلُه الإنسانُ عن غيرِه من دِيَةٍ أو غرامةٍ؛ مِثلُ أن يقَعَ حَربٌ بَيْنَ فريقينِ تُسفَكُ فيها الدِّماءُ، فيدخُلُ بَيْنَهم رجُلٌ يتحَمَّلُ دِياتِ القتلى ليُصلِحَ ذاتَ البينِ، والتحَمُّلُ: أن يحمِلَها عنهم على نفسِه. يُنظَر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/442). ، فحَلَّتْ له المَسْألةُ حتَّى يُصيبَها، ثُمَّ يُمسِكُ، ورَجُلٌ أصابَتْه جائِحةٌ [7487] الجائحةُ: هي الآفةُ التي تهلِكُ الثِّمارَ والأموالَ وتستأصِلُها، وكُلُّ مصيبةٍ عظيمةٍ وفتنةٍ مبيرةٍ: جائحةٌ. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/ 311). اجْتاحَتْ مالَه فحَلَّتْ له المَسألةُ حتَّى يُصيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ -أو قالَ: سِدادًا [7488] القِوَامُ والسِّدَادُ: هما بمعنًى واحدٍ، وهو ما يُغني من الشَّيءِ وما تُسَدُّ به الحاجةُ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/133). مِن عَيْشٍ- ورَجُلٌ أصابته فاقةٌ حتَّى يَقومَ ثَلاثةٌ مِن ذَوي الحِجَى مِن قَومِه: لقد أصابَتْ فُلانًا فاقةٌ، فحَلَّتْ له المَسألةُ حتَّى يُصيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ-أو قال: سِدادًا مِن عَيْشٍ- فما سِواهُنَّ يا قَبِيصةُ مِن المَسألةِ سُحْتًا [7489] سحتًا، أي: حرامًا لا يحِلُّ فِعلُه؛ لأنَّه يَسحَتُ البركةَ أي: يذهِبُها ويُهلِكُها. يُنظَر: ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) لابن علان (4/ 519). وسُحتًا فيه إضمارٌ، أي: أعتَقِدُه سُحتًا أو يُؤكَلُ سُحتًا. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/ 134). يأكُلُها صاحِبُها سُحتًا)) [7490] أخرجه مسلم (1044). .
قال ابنُ عُثَيمين: (قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ثلاثةٌ من ذوي الحِجا"؛ لأنَّ هذا الذي ادَّعى الفقرَ يدَّعي استِحقاقًا يستلزِمُ حِرمانًا، كيف ذلك؟ هذا الذي أخذ هذا المالَ من الزَّكاةِ أخْذُه إيَّاه يستلزِمُ استحقاقًا، ويستلزِمُ حِرمانًا لغيرِه من الفُقَراءِ الآخرينَ، فكان من الحِكمةِ أن يكونَ الشُّهودُ ثلاثةً، واشترط النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شرطينِ مع هذا العَدَدِ، مِن ذَوي الحِجا -وهو العَقلُ- يعني: أنَّهم أصحابُ فِطنةٍ وانتباهٍ، ليسوا أصحابَ غفلةٍ وغِرَّةٍ تفوتُهم الأشياءُ ويُغَرَّرُ بهم، أو ليسوا أيضًا من ذوي العاطفةِ الذين تغلِبُهم العاطفةُ حتَّى يَشهَدوا لإنسانٍ بمقتضى هذه العاطفةِ لا بمقتضى العقلِ) [7491] ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)) (3/146). .
- وعن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((لَمَّا كان يومُ فتحِ مكَّةَ اختبأ عبدُ اللهِ بنُ سعدِ بنِ أبي سَرحٍ عِندَ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ، فجاء به حتى أوقَفَه على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، بَايِعْ عبدَ اللهِ، فرفع رأسَه، فنظر إليه، ثلاثًا، كلُّ ذلك يأبى، فبايَعَه بعد ثلاثٍ، ثمَّ أقبل على أصحابِه فقال: أمَا كان فيكم رَجُلٌ رَشِيدٌ يقومُ إلى هذا حيثُ رآني كَفَفَتُ يَدِي عن بَيعَتِه، فيَقْتُلَه؟! فقالوا: ما ندري يا رسولَ اللهِ ما في نَفسِك، ألا أومَأْتَ إلينا بعَينِك؟ قال: إنَّه لا يَنبَغي لنبيٍّ أن تكونَ له خائنةُ الأعيُنِ [7492] معنى خائنةِ الأعيُنِ: أن يُضمِرَ بقلبِه غيرَ ما يظهِرُه للنَّاسِ فإذا كَفَّ بلسانِه وأومأ بعينِه إلى خلافِ ذلك، فقد خان. وكان ظهورُ تلك الخيانةِ من قِبَلِ عينيه فسُمِّيَت خائنةَ الأعيُنِ. يُنظَر: ((معالم السنن)) للخطابي (2/ 287). ) [7493] أخرجه أبو داود (4359) واللفظ له، والنسائي (4067) مطوَّلًا. صحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (4360) وقال: (على شرط مسلم)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (7/450)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4359)، وصحَّح إسناده ابن تَيميَّةَ في ((الصارم المسلول)) (2/219)، وحسنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4359). .
قال الخَطَّابيُّ: (معنى الرُّشدِ هاهنا الفِطنةُ لصوابِ الحُكمِ في قَتلِه) [7494] ((معالم السنن)) (2/ 287). .
- وعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ بالمدينةِ، قال: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللهَ تعالى يُعَرِّضُ بالخَمرِ، ولعَلَّ اللهَ سيُنزِلُ فيها أمرًا، فمَن كان عنده منها شيءٌ فليَبِعْه ولينتَفِعْ به)) [7495] أخرجه مسلم (1578). .
قال ابنُ الجوزيِّ: (في هذا الحديثِ بيانُ فضيلةِ الفِطنةِ؛ لأنَّه عليه السَّلامُ لَمَّا رأى التَّعريضَ بذَمِّها استدَلَّ على قُربِ التَّصريحِ) [7496] ((كشف المشكل)) (3/177). .

انظر أيضا: