موسوعة الأخلاق والسلوك

و- نَماذِجُ مِنَ الفِراسةِ عِندَ العُلماءِ المُعاصِرينَ


فِراسةُ الشَّيخِ عَبدِ العَزيزِ بنِ بازٍ:
- كان الشَّيخُ عَبدُ العَزيزِ صاحِبَ بَصيرةٍ نافِذةٍ، وفِراسةٍ حادَّةٍ، يعرِفُ ذلك جَيِّدًا مَن عاشَرَه وخالطَه، وأخَذَ العِلمَ على يدَيه. ومِمَّا يُؤَكِّدُ فِراسَتَه أنَّه يعرِفُ الرِّجالَ ويُنزِلُهم مَنازِلَهم، فيَعرِفُ الجادَّ منهم في هَدَفِه ومَقصَدِه مِنَ الدُّعاةِ وطَلبةِ العِلمِ، فيُكرِمُهم أشَدَّ الإكرامِ، ويُقدِّمُهم على مَن سِواهم، ويخُصُّهم بمَزيدٍ مِنَ التَّقديرِ، ويسألُ عنهم وعن أحوالِهم دائِمًا، وله فِراسةٌ في مَعرِفةِ رُؤَساءِ القَبائِلِ، والتَّفريقِ بَينَ صالحِهم وطالحِهم، وله فِراسةٌ أيضًا فيما يُعرَضُ عليه مِنَ المَسائِلِ العَويصةِ، والمُشكِلاتِ العِلميَّةِ؛ فتَجِدُه فيها مُتَأمِّلًا مُتَمَعِّنًا لها، تُقرَأُ عليه عِدَّةَ مَرَّاتٍ حتَّى يفُكَّ عُقدَتَها، ويحُلَّ مُشكِلَها، وله فِراسةٌ أيضًا فيما يتَعلَّقُ بالإجابةِ عن أسئِلةِ المُستَفتينَ، فهو دائِمًا يرى الإيجازَ ووُضوحَ العِبارةِ، ووُصولَ المَقصَدِ، إن كان المُستَفتي عامِّيًّا مِن أهلِ الباديةِ، وإن كان المُستَفتي طالبَ عِلمٍ حَريصًا على التَّرجيحِ في المَسألةِ أطال النَّفَسَ في جَوابِه مَعَ التَّعليلاتِ وذِكرِ أقوالِ أهلِ العِلمِ، وتَقديمِ الأرجَحِ منها، وبَيانِ الصَّوابِ، بعِباراتٍ جامِعةٍ مانِعةٍ [7282] ((الإنجاز في ترجمة الإمام عبد العزيز بن باز)) لعبد الرحمن الرحمة (ص44، 45). .
(مِنَ الفِراسةِ -وهي كثيرةٌ عِندَه رَحِمَه اللهُ- أنَّه صَبورٌ على النَّاسِ، ويتَحَمَّلُهم ويفتَحُ قَلبَه وذِهنَه لسَماعِ ما يقولونَ؛ ليَحكُمَ على مَطالِبِهم برِفقٍ وسَعةِ صَدرٍ رَغمَ مَشاغِلِه؛ فقد جاءَه شَخصٌ وحَرَصَ على مُقابَلةِ سَماحَتِه والتَّحَدُّثِ مَعَه في جَلسَتِه المُعتادةِ بَعدَ المَغرِبِ؛ حَيثُ يمتَلئُ مَجلِسُه الكبيرُ... فما كان مِن بَعضِ مُرافِقي سَماحَتِه المُنَظِّمينَ للنَّاسِ إلا أن حالوا دونَ ذلك، وطَلبوا مَعَه السَّبَبَ، وتَقديمَ مَطلبِه المَكتوبِ... فقال: أُريدَ الاجتِماعَ بالشَّيخِ وعلى انفِرادٍ؛ لأشرَح ما عِندي لسَماحَتِه، فأخبَرتُ سَماحَتَه -رَحِمَه اللهُ- بما قال هذا الزَّائِرُ، فقال: أحضِروه الآنَ، وليُحَدِّثْني بما يُريدُ، فدَعَوناه فلمَّا قَرُبَ مِنَ الشَّيخِ قال: إنَّني رَأيتُ رُؤيا، فأجابَه الشَّيخُ: وما هي؟ أجابَ الرَّجُلُ: إنَّني رَأيتُ الرَّسولَ! فقُلتُ له: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ عِندي مُشكِلةً، فقال لي: أرسِلْها للشَّيخِ ابنِ بازٍ ويحُلُّها لك! فقال له الشَّيخُ: اكتُبْ لنا وأخبِرْنا بهذه المُشكِلةِ أو أعلِمْنا بها، فقال الرَّجُلُ: إنَّ مُشكِلتي أنَّني ليسَ عِندي إقامةٌ، وأُريدُ إقامةً، وأُريدُ أن أبحَثَ عن عَمَلٍ! فما كان مِنَ الشَّيخِ إلَّا أن ضَحِك مِن هذا العَمَلِ، وقال: أخشى أنَّك لم تَرَ رَسولَ اللهِ في المَنامِ، ثُمَّ أضاف قائِلًا: ابحَثْ عَمَّن يُزَكِّيك مِنَ الثِّقاتِ المَعروفينَ لدَينا؛ فإنَّ رُؤياك هذه ليست حَقيقةً، فذَهَب الرَّجُلُ ولم يعُدْ؛ لأنَّه على ما يبدو لم يجِدْ مَن يُزَكِّيه) [7283] ((عبد العزيز بن باز عالم فقدته الأمة)) (ص119 - 122). .

انظر أيضا: