موسوعة الأخلاق والسلوك

هـ- نَماذِجُ مِنَ الفِراسةِ عِندَ العُلماءِ المُتَأخِّرينَ


1- قال أبو موسى بنُ عَبدِ الغَنيِّ بنِ عَبدِ الواحِدِ: (كُنتُ عِندَ والدي، وهو يذكُرُ فضائِلَ سُفيانَ الثَّوريِّ، فقُلتُ في نَفسي: إنَّ والِدي مِثلُه، فالتَفتَ إليَّ وقال: أينَ نَحنُ مِن أولئك؟!) [7275] ((ذيل طبقات الحنابلة)) لابن رجب الحنبلي (3/ 40). .
2- قال الموفَّقُ بنُ عَبدِ الكريمِ الهَرَويُّ: (كان شَيخُنا أبو الحَسَنِ بنُ اللَّبَّانِ عِندَه (حِليةُ الأولياءِ) سَماعَه مِن أبي نُعَيمٍ، فأتاه صوفيٌّ فسَأله أن يقرَأَه، فقال له الشَّيخُ: إنَّ في هذا الكِتابِ ذِكرَ المُمتَحَنينَ، فإن أرَدتَ أن تَقرَأَه فوطِّنْ نَفسَك على المِحنةِ، فقال الصُّوفيُّ: نَعَمْ، فابتَدَأ في قِراءَتِه وكان يقرَؤه أيَّامًا، فاتَّفقَ أنَّه انتَهى إلى مَوضِعٍ فيه ذِكرُ أبي حَنيفةَ وذَمُّه، وكان في المَجلسِ إنسانٌ حَنَفيٌّ، فسَمِعَ ذلك وسَعى بالشَّيخِ إلى القاضي، ورَفعَ الأمرَ إلى السُّلطانِ، فأمر الشَّيخَ أبا الحَسَنِ بلُزومِ بَيتِه وأُقفِل بابُ المَسجِدِ، ومُنِعَ مِنَ التَّحديثِ، قال: وكان ذلك في آخِرِ عُمرِه، فنالته في ذلك بَليَّةٌ شَديدةٌ، وأُخِذَ الصُّوفيُّ وضُرِبَ ضَربًا عنيفًا، ونُفِيَ مِنَ البَلدةِ، وصَحَّت فِراسةُ الشَّيخِ في ذِكرِ المِحنةِ) [7276] ((ذيل تاريخ بغداد)) لابن النجار (19/78، 79). .
3-كان الغَزاليُّ يُثني على أبي الحَسَنِ بنِ أبي الفَضلِ السُّلَميِّ ويصِفُه بالعِلمِ، وقال: (خَلَّفتُ بالشَّامِ شابًّا إن عاشَ كان له شَأنٌ!)، فكان كما تَفرَّسَ فيه، ودَرَّسَ في حَلقَتِه في الجامِعِ مُدَّةً، ثُمَّ وليَ المَدرَسةَ الأمينيَّةَ سَنةَ أربَعَ عَشرةَ وخَمسِمِئةٍ، وكان يُظهِرُ السُّنَّةَ، ويرُدُّ على مَن أنكرَ الحَقَّ [7277] ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (43/236). .
4- قال أبو بَكرِ بنُ أحمَدَ بنِ عُمَرَ البَغداديُّ: (جاءَ الشَّيخُ أبو عُمَرَ مَرَّةً إليَّ، وقال: تَمضي مَعي إلى كَفْرِ بَطْنَا، وكُنتُ مُشتَغِلًا بقِراءةِ القُرآنِ، فقُلتُ في نَفسي: أمشي مَعَه فأشتَغِلُ عنِ القِراءةِ بالحَديثِ في الطَّريقِ! قال: فلمَّا خَرَجْنا مِنَ البَلدةِ قال لي: تَعالَ أنا وأنت نَقرَأُ حتَّى لا نَشتَغِلَ عنِ القِراءةِ، فقَرَأتُ أنا وهو في الطَّريقِ) [7278] ((أحوال أبي عمر المقدسي)) للضياء المقدسي (ص: 228). .
5- كان أبو القاسِمِ بنُ عيسى بنِ ناجي التَّنوخيُّ إذا جَلسَ الخَصمانِ بَينَ يدَيه يقولُ في سِرِّه: (هذا جاءَ يتَكلَّمُ في كذا، فيكونُ كذلك، ورُبَّما نَظَرَ إلى رَجُلٍ لم يرَه قَطُّ قَبلَ ذلك فيقولُ: هذا فُلانٌ، فيتَبَيَّنُ كذلك!) [7279] ((معالم الإيمان)) للدباغ (5/ 16). .
6-قال ابنُ القَيِّمِ: (ولقد شاهَدتُ مِن فِراسةِ شَيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ رَحِمَه اللهُ أُمورًا عَجيبةً، وما لم أُشاهِدْه منها أعظَمُ وأعظَمُ، ووقائِعُ فِراسَتِه تَستَدعي سِفْرًا ضَخمًا، أخبَرَ أصحابَه بدُخولِ التَّتارِ الشَّامَ سَنةَ تِسعٍ وتِسعينَ وسِتّمِائةٍ، وأنَّ جُيوشَ المُسلمينَ تُكسَرُ، وأنَّ دِمَشقَ لا يكونُ بها قَتلٌ عامٌّ ولا سَبيٌ عامٌّ، وأنَّ كَلَبَ [7280] الكَلَبُ: الحِرصُ. يُنظَر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/ 195). الجَيشِ وحِدَّتَه في الأموالِ، وهذا قَبلَ أن يَهُمَّ التَّتارُ بالحَرَكةِ! ثُمَّ أخبَرَ النَّاسَ والأُمَراءَ سَنةَ اثنَتَينِ وسَبعمِائةٍ لمَّا تَحَرَّك التَّتارُ وقَصَدوا الشَّامَ: أنَّ الدَّائِرةَ والهَزيمةَ عليهم وأنَّ الظَّفرَ والنَّصرَ للمُسلمينَ، وأقسَمَ على ذلك أكثَرَ مِن سَبعينَ يمينًا، فيُقالُ له: قُلْ: إن شاءَ اللهُ، فيقولُ: إن شاءَ اللهُ تَحقيقًا لا تَعليقًا، وسَمِعتُه يقولُ ذلك، قال: فلمَّا أكثَروا عليَّ قُلتُ: لا تُكثِروا، كَتَبَ اللهُ تعالى في اللَّوحِ المَحفوظِ أنَّهم مَهزومونَ في هذه الكَرَّةِ وأنَّ النَّصرَ لجُيوشِ الإسلامِ! قال: وأطعَمتُ بَعضَ الأُمَراءِ والعَسكرِ حَلاوةَ النَّصرِ قَبلَ خُروجِهم إلى لقاءِ العَدوِّ، وكانت فِراسَتُه الجُزئيَّةُ في خِلالِ هاتَينِ الواقِعَتَينِ مِثلَ المَطَرِ!) [7281] ((مدارج السالكين)) (2/ 489). .

انظر أيضا: