موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتَفرِّقةٌ     


1- يُروى أن أفرَس النَّاسِ ثَلاثةٌ، وأنَّ أجودَهم فِراسةً العَزيزُ في فِراسَتِه في يوسُفَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وابنةُ الرَّجُلِ الصَّالحِ في فِراسَتِها في موسى حينَ قالت: يَا أَبْتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَويُّ الْأَمْيِنُ [القصص: 26] ، وأبو بَكرٍ في تَوليتِه عُمَرَ الخِلافةَ بَعدَه [7284] ((معاني القرآن)) للزجاج (3/ 98، 99). .
2- هَل يجوزُ للقاضي أن يحكمَ بالفِراسةِ؟
قال ابنُ القَيِّمِ: (وسَألتَ عنِ الحاكِمِ أوِ الوالي يحكُمُ بالفِراسةِ والقَرائِنِ التي يظهَرُ له فيها الحَقُّ، والاستِدلالُ بالأماراتِ، ولا يقِفُ مَعَ مُجَرَّدِ ظَواهِرِ البَيِّناتِ والإقرارِ، حتَّى إنَّه رُبَّما يتَهَدَّدُ أحَدَ الخَصمَينِ إذا ظَهَرَ منه أنَّه مُبطِلٌ، ورُبَّما ضَرَبَه، ورُبَّما سَأله عن أشياءَ تَدُلُّه على صورةِ الحالِ.
فهَل ذلك صَوابٌ أم خَطَأٌ؟ فهذه مَسألةٌ كبيرةٌ عَظيمةُ النَّفعِ، جَليلةُ القَدْرِ، إن أهمَلها الحاكِمُ أوِ الوالي أضاعَ حَقًّا كثيرًا، وأقامَ باطِلًا كثيرًا، وإن تَوسَّعَ فيها وجَعل مُعَوَّلَه عليها دونَ الأوضاعِ الشَّرعيَّةِ وقَعَ في أنواعٍ مِنَ الظُّلمِ والفسادِ...
فالحاكِمُ إذا لم يكُنْ فقيهَ النَّفسِ في الأماراتِ ودَلائِلِ الحالِ، ومَعرِفة شَواهدِه، وفي القَرائِنِ الحاليَّةِ والمَقاليَّةِ كفِقهِه في جُزئيَّاتِ وكُلِّيَّاتِ الأحكامِ؛ أضاعَ حُقوقًا كثيرةً على أصحابِها، وحَكم بما يَعلَمُ النَّاسُ بُطلانَه لا يشكُّونَ فيه، اعتِمادًا منه على نَوعٍ ظاهرٍ لم يلتَفِتْ إلى باطِنِه وقَرائِنِ أحوالِه. فهاهنا نَوعانِ مِنَ الفِقهِ لا بُدَّ للحاكِمِ منهما: فِقهٌ في أحكامِ الحَوادِثِ الكُلِّيَّةِ، وفِقهٌ في نَفسِ الواقِعِ وأحوالِ النَّاسِ، يُمَيِّزُ به بَينَ الصَّادِقِ والكاذِبِ، والمُحِقِّ والمُبطِلِ. ثُمَّ يُطابقُ بَينَ هذا وهذا فيُعطي الواقِعَ حُكمَه مِنَ الواجِبِ، ولا يجعلُ الواجِبَ مُخالفًا للواقِعِ) [7285] ((الطرق الحكمية)) لابن القيم (ص: 3 - 7)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (3/1035، 1036). .
(ولم يزَلْ حُذَّاقُ الحُكَّامِ والوُلاةِ يَستَخرِجونَ الحُقوقَ بالفِراسةِ والأماراتِ، فإذا ظَهَرَت لم يُقدِّموا عليها شَهادةً تَخالِفُها ولا إقرارًا.
وقد صَرَّحَ الفُقَهاءُ كُلُّهم بأنَّ الحاكِمَ إذا ارتابَ بالشُّهودِ فرَّقهم وسَألهم: كيف تَحَمَّلوا الشَّهادةَ؟ وأينَ تَحَمَّلوها؟ وذلك واجِبٌ عليه، مَتى عَدَل عنه أثِمَ، وجارَ في الحُكمِ. وكذلك إذا ارتابَ بالدَّعوى سَأل المُدَّعيَ عن سَبَبِ الحَقِّ، وأينَ كان، ونَظَرَ في الحالِ: هَل يقتَضي صِحَّةَ ذلك؟ وكذلك إذا ارتابَ بمَن القَولُ قَولُه، كالأمينِ والمُدَّعى عليه، وجَبَ عليه أن يستَكشِفَ الحالَ، ويسألَ عنِ القَرائِنِ التي تَدُلُّ على صورةِ الحال، وقَلَّ حاكِمٌ أو والٍ اعتَنى بذلك وصارَ له فيه مَلَكةٌ إلَّا وعَرَف المُحِقَّ مِنَ المُبطِلِ، وأوصَل الحُقوقَ إلى أهلِها) [7286] ((الطرق الحكمية)) لابن القيم (ص65، 66). .
3- مِنَ الفِراسةِ: عِلمُ الرُّؤيا.
والزَّكانةُ، وهي: مَعرِفةُ فِعلٍ باطِنٍ بفِعلٍ ظاهرٍ بضَربٍ مِنَ التَّوهُّمِ، يُقالُ: قد زَكنتُ وأزكَنتُ.
والقِيافةُ، وهي ضَربٌ مِنَ الزَّكانةِ لكِنَّه أدَقُّ، وهو ضَربانِ:
أحَدُهما: بتَتَبُّعِ أثَرِ الأقدامِ والاستِدلالِ به على السَّالكينَ.
والثَّاني: الاستِدلالُ بهَيئةِ الإنسانِ وشَكلِه على نِسبَتِه [7287] ينظر: ((الذريعة)) للراغب الأصفهاني (ص 146، 147). .
عن جَعفَرِ بنِ عَمرِو بنِ أُمَيَّةَ الضَّمريِّ قال: (خَرَجتُ مَعَ عُبَيدِ اللهِ بنِ عَديِّ بنِ الخيارِ، فلمَّا قدِمْنا حِمصَ، قال لي عُبَيدُ اللهِ بنُ عَديٍّ: هَل لك في وحشيٍّ، نَسألُه عن قَتلِ حَمزةَ؟ قُلتُ: نَعَم، وكان وحشيٌّ يسكُنُ حِمصَ، فسَأَلْنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظِلِّ قَصرِه، كأنَّه حَميتٌ، قال: فجِئنا حتَّى وقَفنا عليه بيسيرٍ، فسَلَّمنا فرَدَّ السَّلامَ، قال: وعُبَيدُ اللهِ مُعتَجِرٌ بعِمامَتِه، ما يرى وحشيٌّ إلَّا عَينَيه ورِجلَيه، فقال عُبَيدُ اللهِ: يا وَحشيُّ أتَعرِفُني؟ قال: فنَظَرَ إليه، ثُمَّ قال: لا واللهِ، إلَّا أنِّي أعلمُ أنَّ عَديَّ بنَ الخيارِ تَزَوَّجَ امرَأةً يُقالُ لها أمُّ قتالٍ بنتُ أبي العيصِ، فولدَت له غُلامًا بمَكَّةَ، فكُنتُ أستَرضِعُ له، فحَمَلتُ ذلك الغُلامَ مَعَ أُمِّه فناوَلْتُها إيَّاه، فلكأنِّي نَظَرتُ إلى قدَمَيك! قال: فكشَف عُبَيدُ اللهِ عن وَجهِه...) [7288] رواه البخاري (4072). .
وعن عائِشةَ قالت: دَخَل عليَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يومٍ وهو مَسرورٌ، فقال: ((يا عائِشةُ، ألم تَرَي أنَّ مُجَزِّزًا المُدْلجيَّ دَخَل عليَّ فرَأى أُسامةَ بنَ زَيدٍ وزَيدًا وعليهما قَطيفةٌ قد غَطَّيا رُؤوسَهما وبَدَت أقدامُهما، فقال: إنَّ هذه الأقدامَ بَعضُها مِن بَعضٍ!)) [7289] رواه البخاري (6771). .
4- (ومِن أنواعِ الفِراسةِ: ما أرشَدَت إليه السُّنَّةُ النَّبَويَّةُ مِنَ التَّخَلُّصِ مِنَ المَكروهِ بأمرٍ سَهلٍ جِدًّا، مِن تَعريضٍ بقَولٍ أو فِعلٍ) [7290]  ((الطرق الحكمية)) لابن القيم (ص: 33). .
5- قال أبو حَفصٍ النَّيسابوريُّ: (ليسَ لأحَدٍ أن يدَّعيَ الفِراسةَ. ولكِنْ يتَّقي الفِراسةَ مِنَ الغَيرِ... وكيف يصِحُّ دَعوى الفِراسةِ لِمَن هو في مَحَلِّ اتِّقاءِ الفِراسةِ ؟!) [7291] ((الرسالة القشيرية)) للقشيري (2/390). .

انظر أيضا: