موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


الخطَأُ في العَفْوِ:
- (قال سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ: لأن يخطِئَ الإمامُ في العَفْوِ، خَيرٌ من أن يخطِئَ في العقوبةِ.
قال جَعفَرُ بنُ محمَّدٍ: لأن أندَمَ على العَفْوِ خيرٌ من أن أندَمَ على العقوبةِ) [7077] ((بهجة المجالس)) لابن عبد البر (1/ 370). .
تمامُ العَفْوِ:
- عاتب محمَّدُ بنُ زبيدةَ أبا نُواسٍ في شيءٍ، فقال: (يا أميرَ المُؤمِنين، تمامُ العَفْوِ ألَّا تَذكُرَ الذَّنبَ) [7078] يُنظَر: ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (2/ 98). .
- وقال الزَّمخشَريُّ: (العَفْوُ الذي يقومُ مَقامَ العِتقِ ما سَلِم من تَعدادِ السَّقَطاتِ، وتخَلَّص من ذِكرِ الفَرَطاتِ) [7079] يُنظَر: ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (2/ 112). .
وقال البُحتُريُّ:
تناسَ ذُنوبَ قَومِك إنَّ حِفظَ الذُّ
نوبِ إذا قَدُمْنَ من الذُّنوبِ [7080] ((ديوان البحتري)) (1/103).
- وقال الرَّاغِبُ الأصفَهانيُّ: (رَضِيَ بعضُ الملوكِ عن رَجُلٍ، ثمَّ أخَذ يُوَبِّخُه، فقال: إن رأيتَ ألَّا تخدِشَ وَجَه رِضاك بالتَّثريبِ فافعَلْ!
وقيل: ما عفا عن الذَّنبِ مَن قَرَّع به.
وقيل: العَفْوُ مع العَذْلِ [7081] أي: اللَّومِ. يُنظَر: ((العين)) للخليل (2/ 99). أشَدُّ من الضَّربِ على ذي العَقلِ؛ فرُبَّ قَولٍ أنفَذُ من صَولٍ، وعَفوٍ أشَدُّ من انتقامٍ. قال ابنُ نوقةَ:
إنْ كُنتَ تعفو فاعفُ عفوَ مُهنِّئٍ
إحْسانهُ إنَّ الكريمَ وَهوبُ
قُلْ قَولَ يوسُفَ حينَ قال لإخوةٍ
جاؤوه مُعتَذِرين: لا تَثريبُ
أو لا فعاقِبْني فليس بمُنكَرٍ
مِن مِثْلِك التَّقويمُ والتَّأديبُ
وفيمَن يُعاقِبُ ثمَّ يُعاتِبُ، قال شاعِرٌ:
إذا عُوقِبَ الجاني على قَدْرِ جُرمِهِ
فتعنيفُه بعدَ العِقابِ مِن الرِّبا) [7082] ((محاضرات الأدباء)) (1/ 294). .
معنى الصَّفحِ الجميلِ:
قال السَّعديُّ في بيانِ معنى قَولِه تعالى: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر: 85] (وهو الصَّفحُ الذي لا أذيَّةَ فيه، بل يُقابِلُ إساءةَ المُسيءِ بالإحسانِ، وذَنبَه بالغُفرانِ؛ لتنالَ مِن رَبِّك جزيلَ الأجرِ والثَّوابِ؛ فإنَّ كُلَّ ما هو آتٍ فهو قريبٌ، وقد ظَهَر لي معنًى أحسَنُ ممَّا ذكَرْتُ هنا، وهو: أنَّ المأمورَ به هو الصَّفحُ الجميلُ، أي: الحسَنُ الذي قد سَلِم من الحقدِ والأذيَّةِ القوليَّةِ والفِعليَّةِ، دونَ الصَّفحِ الذي ليس بجَميلٍ، وهو الصَّفحُ في غيرِ محَلِّه، فلا يَصفَحُ حيثُ اقتضى المقامُ العقوبةَ، كعقوبةِ المعتَدِين الظَّالِمين الذين لا ينفَعُ فيهم إلَّا العقوبةُ، وهذا هو المعنى) [7083] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 434). .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (واللَّهُ تعالى ذَكَر في القرآنِ الهَجْرَ الجميلَ والصَّفحَ الجَميلَ والصَّبرَ الجميلَ. وقد قيل: إنَّ الهَجرَ الجميلَ هو هَجرٌ بلا أذًى. والصَّفحَ الجميلَ صَفحٌ بلا مُعاتَبةٍ. والصَّبرَ الجميلَ صَبرٌ بغيرِ شَكوى إلى المخلوقِ) [7084] ((مجموع الفتاوى)) (10/ 183). .
مراتِبُ العُقوباتِ:
قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى: 40-43] .
قال السَّعديُّ: (ذَكَر اللَّهُ في هذه الآيةِ مراتِبَ العُقوباتِ وأنَّها على ثلاثِ مَراتِبَ: عَدلٌ، وفَضلٌ، وظُلمٌ.
فمَرتبةُ العَدلِ: جزاءُ السَّيِّئةِ بسَيِّئةٍ مِثلِها لا زيادةَ ولا نَقْصَ، فالنَّفسُ بالنَّفسِ، وكُلُّ جارحةٍ بالجارِحةِ المماثِلةِ لها، والمالُ يُضمَنُ بمِثلِه.
ومَرتبةُ الفَضلِ: العَفْوُ والإصلاحُ عن المُسيءِ؛ ولهذا قال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ يجزيه أجرًا عظيمًا، وثوابًا كثيرًا...
وأمَّا مَرتبةُ الظُّلمِ فقد ذكَرَها بقَولِه: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ الذين يجنون على غيرِهم ابتداءً، أو يقابِلون الجانيَ بأكثَرَ من جنايتِه؛ فالزِّيادةُ ظُلمٌ) [7085] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 760). .
كَمالُ العَفْوِ:
من أسماءِ اللَّهِ تعالى العَفُوُّ، وهو المتجاوِزُ عن سَيِّئاتِ عبادِه، وهو سُبحانَه وتعالى عفوٌّ قديرٌ، يعني: يعفو مع المقدِرةِ، ليس كبني آدَمَ إذا عجَزَ عن الشَّيءِ سامَح، إنَّما يعفو مع القُدرةِ جَلَّ وعلا، وهذا هو كَمالُ العَفْوِ [7086] ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (5/ 223). ؛ لذا جمَع اللَّهُ تعالى بَيْنَ العَفُوِّ والقديرِ في قَولِه: أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [النساء: 149] يعني: فيعفو عنكم مع قدرتِه على الانتقامِ منكم؛ لأنَّ كمالَ العَفْوِ أن يكونَ عن قُدرةٍ [7087] ((شرح العقيدة الواسطية)) لابن عثيمين (1/ 341). .
لا منافاةَ بَيْنَ الانتصارِ والعَفْوِ:
قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 39-40] .
قال ابنُ رجَبٍ: (أمَّا قَولُه: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ فليس منافيًا للعَفوِ؛ فإنَّ الانتصارَ يكونُ بإظهارِ القُدرةِ على الانتقامِ، ثمَّ يقَعُ العَفْوُ بعدَ ذلك، فيكونُ أتَمَّ وأكمَلَ؛ قال النَّخَعيُّ في هذه الآيةِ: «كانوا يكرَهون أن يُستَذَلُّوا، فإذا قَدَروا عَفَوا».
وقال مجاهِدٌ: «كانوا يَكرَهون للمُؤمِنِ أن يُذِلَّ نفسَه، فيَجترئَ عليه الفُسَّاقُ، فالمُؤمِنُ إذا بُغِيَ عليه يُظهِرُ القُدرةَ على الانتقامِ، ثمَّ يعفو بعدَ ذلك»، وقد جرى مِثلُ هذا لكثيرٍ من السَّلَفِ) [7088] ((جامع العلوم والحكم)) (1/ 450). .
حَمِيَّةُ الأوغادِ:
- وقال الأحنَفُ: (إيَّاك وحَمِيَّةَ الأوغادِ [7089] الوَغدُ: الخفيفُ الأحمَقُ الضَّعيفُ العَقلِ الرَّذلُ الدَّنيءُ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (3/464). . قيل: وما هي؟ قال: يَرَونَ العَفْوَ مَغرَمًا، والتَّحَمُّلَ مَغنَمًا) [7090] ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (6/58). .

انظر أيضا: