موسوعة الأخلاق والسلوك

ثالثَ عشر: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


- يُروى أنَّ لقمانَ رَضِيَ اللهُ عنه قال لابنِه: (ثلاثةٌ لا يُعرَفون إلَّا في ثلاثةِ مواطِنَ: لا يُعرَفُ الحليمُ إلَّا عِندَ الغَضَبِ، ولا الشُّجاعُ إلَّا في الحربِ، ولا تَعرِفُ أخاك إلَّا عِندَ الحاجةِ إليه) [5109] ((البيان والتبيين)) للجاحظ (2/ 50). .
- وقال الجاحِظُ: (إنَّ الحياءَ اسمٌ لمقدارٍ من المقاديرِ، ما زاد على ذلك المقدارِ فسَمِّه ما أحبَبتَ. وكذلك الجودُ اسمٌ لمقدارٍ من المقاديرِ؛ فالسَّرَفُ اسمٌ لِما فضَل عن ذلك المقدارِ. وللحَزمِ مِقدارٌ؛ فالجُبنُ اسمٌ لِما فضَل عن ذلك المقدارِ. وللاقتصادِ مقدارٌ؛ فالبُخلُ اسمٌ لِما خرج عن ذلك المقدارِ. وللشَّجاعةِ مِقدارٌ؛ فالتَّهوُّرُ والخَدَبُ [5110] الخَدَبُ: الهَوَجُ، والأخدَبُ: الأهوجُ والذي لا يتمالَكُ من الحُمقِ، والذي يركَبُ رأسَه جراءةً. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 346)، ((تاج العروس)) للزبيدي (2/ 337). اسمٌ لِما جاوز ذلك المقدارَ) [5111] ((البيان والتبيين)) (1/ 177). .
- وقال ابنُ القَيِّمِ: (كُلُّ خُلُقٍ محمودٍ مُكتَنَفٌ بخُلُقَينِ ذميمَينِ، وهو وَسَطٌ بَينَهما. وطَرَفاه خُلُقانِ ذَميمانِ...
فإنَّ النَّفسَ متى انحرَفَت عن التَّوسُّطِ انحرَفَت إلى أحَدِ الخُلُقَينِ الذَّميمَينِ ولا بُدَّ؛ فإذا انحرَفَت عن خُلُقِ... الشَّجاعةِ انحَرَفت إمَّا إلى تهَوُّرٍ وإقدامٍ غيرِ محمودٍ، وإمَّا إلى جُبنٍ وتأخُّرٍ مذمومٍ....
وصاحِبُ الخُلُقِ الوَسَطِ مَهِيبٌ محبوبٌ، عزيزٌ جانِبُه، حبيبٌ لِقاؤه) [5112] ((مدارج السالكين)) (2/ 295 - 297). .
- وقال أحمد شوقي: (ربَّما تقتضيك الشَّجاعةُ أن تجبُنَ ساعةً) [5113] ((أسواق الذهب)) (ص: 123). .
- (ويُروى أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ خالدِ بنِ الوليدِ قال لمعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه: إني لأراك تُقدِمُ أحيانًا حتى أقولَ: أشجَعُ النَّاسِ، وأراك تُحجِمُ أحيانًا حتَّى أقولَ: أجبَنُ النَّاسِ! فقال: إني أُقدِمُ ما كان الإقدامُ غُنمًا، وأُحجِمُ ما كان الإحجامُ حَزمًا، فأنا كما قال القائلُ:
شجاعٌ إذا ما أمكنَتْني فرصةٌ
وإن لم تكُنْ لي فُرصةٌ فجَبانُ
وكان المُهَلَّبُ يقولُ: الإقدامُ على الهَلَكةِ تضييعٌ، كما أنَّ الإحجامَ عن الفُرصةِ جُبنٌ.
ويُروى أنَّ جرَّةً هوَت على رأسِ يزيدَ فلم يتوَقَّها، فقال له المهَلَّبُ: حَفِظتَ الشَّجاعةَ من حيثُ ضيَّعْتَ الحَزمَ!
ويُروى عن أحدِ الحُكَماءِ قال: يجِبُ على الرَّجُلِ أن يكونَ سَخيًّا ولا يبلُغَ التَّبذيرَ، وأن يكونَ حافظًا ولا يبلُغَ البُخلَ، وأن يكونَ شُجاعًا ولا يبلُغَ التَّضييعَ، وأن يكونَ محتَرِسًا ولا يبلُغَ الجُبنَ، وأن يكونَ ماضيًا ولا يبلُغَ القِحةَ [5114] أي: قِلَّةَ الحياءِ. يُنظَر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 343). ، وأن يكونَ قوَّالًا ولا يبلُغَ الهَذرَ [5115] الهَذرَ: الهَذَيانَ. يُنظَر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 325). ، وأن يكونَ صَموتًا ولا يُبلَغَ العِيَّ [5116] العِيُّ: خِلافُ البيانِ. يُنظَر: ((الصحاح)) للجوهري (6/ 2442). ، وأن يكونَ حليمًا ولا يبلُغَ الذُّلَّ، وأن يكونَ منتَصِرًا ولا يبلُغَ الظُّلمَ، وأن يكونَ أَنِفًا [5117] يقال: أَنِف منه: أي: استنكف. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (23/ 44). ولا يبلُغَ الزَّهوَ [5118] الزَّهوُ: الكِبرُ والعَظَمةُ. يُنظَر: ((العين)) للفراهيدي (4/ 73). ، وأن يكونَ حَيِيًّا ولا يبلُغَ العَجزَ) [5119] ((الفاضل)) للمبرد (ص: 52). .
- وممَّا قيل في الشَّجاعةِ: أنَّها (العزمُ على التَّقدُّمِ، والتَّثبُّتُ قبلَ التَّندُّمِ) [5120] يُنظَر: ((الأمثال والحكم)) للماوردي (ص: 107). .
- ويروى أنَّ معاويةَ قال لعمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما: مَن أبلَغُ النَّاسِ؟ قال: من تَرَك الفضولَ واقتَصَر على الإيجازِ. قال: فمَن أصبرُ النَّاسِ؟ قال: من كان رأيُه رادًّا لهواه. قال: فمَن أسخى النَّاسِ؟ قال: من بَذَل دُنياه في صلاحِ دينِه. قال: فمَن أشجعُ النَّاسِ؟ قال: من ردَّ جَهلَه بحِلمِه [5121] يُنظَر: ((أنساب الأشراف)) للبلاذري (5/ 16)، ((المجتنى)) لابن دريد (ص: 49)، ((لباب الآداب)) لأسامة بن منقذ (ص: 336، 348). .
- (وقال يعقوبُ بنُ السِّكِّيتِ في كتابِ "الألفاظ": العَرَبُ تجعَلُ الشَّجاعةَ في أربعِ طبقاتٍ؛ تقولُ: رجلٌ شُجاعٌ، فإذا كان فوقَ ذلك قالوا: بَطَلٌ، فإذا كان فوقَ ذلك قالوا: بُهمةٌ [5122] بُهمةٌ: شُجاعٌ، وقيل: هو الفارسُ الذي لا يُدرى من أين يؤتى له من شِدَّةِ بأسِه، والجَمعُ بُهمٌ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (12/56). ، فإذا كان فوقَ ذلك قالوا: أَلْيَسُ [5123] الأَلْيَسُ: من لا يبالي الحربَ ولا تَروعُه. واللِّيسُ واللُّوسُ: الأشِدَّاءُ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (16/493). [5124] ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/208). .
- حين يَفقِدُ الشُّجاعُ عُنصُرَ الصَّبرِ يفقِدُ شجاعتَه عِندَ نزولِ الآلامِ التي لا يصبِرُ على تحمُّلِها، فيكونُ شُجاعًا في الأوائلِ جبانًا في الأواخِرِ؛ فالصَّبرُ على تحمُّلِ المكارهِ التي يجرُّها الإقدامُ عن عقلٍ وحكمةٍ هو الذي يحافِظُ على استمرارِ خُلُقِ الشَّجاعةِ في النَّفسِ، وقد تكونُ الحاجةُ إلى الصَّبرِ مقتَرِنةً بأوَّلِ مراحِلِ الشَّجاعةِ [5125] ((الأخلاق الإسلامية وأسسها)) للميداني (2/587). .

انظر أيضا: