موسوعة الأخلاق والسلوك

رابعًا: فوائِدُ الشَّجاعةِ وآثارُها


الشَّجاعةُ لها فوائدُ تعودُ على الفَردِ والمجتَمَعِ؛ منها:
1- أنَّها سببٌ لانشراحِ الصَّدرِ وحُصولِ السَّعادةِ:
قال مِسكَوَيهِ: (ولذلك لما قسَّموا السَّعادةَ جعلوها كلَّها في قوى النَّفسِ التي ذكَرْناها في أوَّلِ الكتابِ، وهي (الِحكمةُ، والشَّجاعةُ، والعِفَّةُ، والعدالةُ)، وأجمعوا على أنَّ هذه الفضائلَ هي كافيةٌ في السَّعادةِ ولا يحتاجُ معها إلى غيرِها من فضائِلِ البَدَنِ، ولا ما هو خارجُ البَدَنِ؛ فإنَّ الإنسانَ إذا حصَّل تلك الفضائِلَ لم يَضُرَّه في سعادتِه أن يكونَ سقيمًا ناقِصَ الأعضاءِ مُبتلًى بجميعِ أمراضِ البَدَنِ) [4980] ((تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق)) (ص: 92). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (فإنَّ الشُّجاعَ مُنشَرِحُ الصَّدرِ، واسِعُ البطانِ، مُتَّسِعُ القَلبِ، والجبانُ أضيَقُ النَّاسِ صَدرًا، وأحصَرُهم قلبًا، لا فَرحةَ له ولا سرورَ، ولا لذَّةَ له ولا نعيمَ إلَّا من جنسِ ما للحيوانِ البهيميِّ، وأمَّا سُرورُ الرُّوحِ ولذَّتُها، ونعيمُها، وابتهاجُها، فمُحَرَّمٌ على كُلِّ جبانٍ، كما هو محرَّمٌ على كُلِّ بخيلٍ، وعلى كُلِّ مُعرضٍ عن اللهِ سُبحانَه، غافِلٍ عن ذِكرِه، جاهلٍ به وبأسمائِه تعالى وصفاتِه ودينِه، متعَلِّقُ القَلبِ بغيرِه) [4981] ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/22). .
2- الشَّجاعةُ أصلُ الفضائِلِ وتحمِلُ صاحِبَها على عِزَّةِ النَّفسِ وإيثارِ معالي الأخلاقِ والشِّيَمِ:
فمن يتَّصِفُ بالشَّجاعةِ يتحلَّى أيضًا بالنَّجدةِ، وعِظَمِ الهِمَّةِ، والثَّباتِ والصَّبرِ، والحِلمِ وعَدَمِ الطَّيشِ، والشَّهامةِ واحتِمالِ الكَدِّ [4982] يُنظَر: ((تهذيب الأخلاق)) لمسكويه (ص: 30)، ((ميزان العمل)) لأبي حامد الغزالي (ص: 276). واحتِمالُ الكَدِّ: هو قوَّةٌ للنَّفسِ بها تستعمِلُ آلاتِ البَدَنِ في الأمورِ الحِسِّيَّةِ بالتمرينِ وحُسنِ العادةِ. ((تهذيب الأخلاق)) لمسكويه (ص: 30). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (والشَّجاعةُ تحمِلُه على عِزَّةِ النَّفسِ، وإيثارِ معالي الأخلاقِ والشِّيَمِ، وعلى البَذلِ والنَّدى، الذي هو شجاعةُ النَّفسِ وقوَّتُها على إخراجِ المحبوبِ ومفارقتِه، وتحمِلُه على كَظمِ الغَيظِ والحِلمِ؛ فإنَّه بقوَّةِ نفسِه وشجاعتِها يُمسِكُ عِنانَها، ويَكبَحُها بلجامِها عن النَّزغِ والبَطشِ، كما قال: ((ليس الشَّديدُ بالصُّرَعةِ، إنَّما الشَّديدُ الذي يملِكُ نفسَه عِندَ الغَضَبِ)) [4983] أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وهو حقيقةُ الشَّجاعةِ، وهي مَلَكةٌ يقتَدِرُ بها العبدُ على قَهرِ خَصمِه) [4984] ((الفروسية)) لابن القيم (ص: 491). .
3- الرَّجُلُ الشُّجاعُ يُحسِنُ الظَّنَّ باللهِ:
قال ابنُ القَيِّمِ: (والجُبنُ خُلُقٌ مذمومٌ عِندَ جميعِ الخَلقِ، وأهلُ الجُبنِ هم أهلُ سُوءِ الظَّنِّ باللهِ، وأهلُ الشَّجاعةِ والجودِ هم أهلُ حُسنِ الظَّنِّ باللهِ، كما قال بعضُ الحُكَماءِ في وصيَّتِه: عليكم بأهلِ السَّخاءِ والشَّجاعةِ؛ فإنَّهم أهلُ حُسنِ الظَّنِّ باللهِ) [4985] ((الفروسية)) لابن القيم (ص: 491). ويُنظَر: ((اللطائف والظرائف)) للثعالبي (ص: 128). .
4- لا تَتِمُّ مَصلحةُ الإمارةِ والسِّياسةِ إلَّا بالشَّجاعةِ:
قال ابنُ تَيميَّةَ: (لا تَتِمُّ رعايةُ الخَلقِ وسياستُهم إلَّا بالجودِ الذي هو العطاءُ، والنَّجدةُ التي هي الشَّجاعةُ، بل لا يصلُحُ الدِّينُ والدُّنيا إلَّا بذلك؛ ولهذا كان من لا يقومُ بهما سَلَبه الأمرَ ونَقَله إلى غيرِه، كما قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التوبة: 38-39] ، وقال تعالى: هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد: 38] ، وقد قال اللهُ تعالى: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10] ، فعلَّق الأمرَ بالإنفاقِ الذي هو السَّخاءُ، والقتالِ الذي هو الشَّجاعةُ، وكذلك قال اللهُ تعالى في غيرِ موضِعٍ: وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة: 41] ) [4986] ((السياسة الشرعية)) (ص: 74). .
وقال في موضعٍ آخَرَ: (كما أنَّ عليهم -أي ولاةِ الأمورِ- من الشَّجاعةِ والسَّماحةِ ما ليس على غيرِهم؛ لأنَّ مصلحةَ الإمارةِ لا تَتِمُّ إلَّا بذلك) [4987] ((مجموع الفتاوى)) لابن تَيميَّةَ (28/180). .
5- بالشَّجاعةِ تُنالُ المَكرُماتُ وتُدفَعُ المكارِهُ. قال الطرطوشيُّ: (كُلُّ كريهةٍ تُدفَعُ أو مَكرُمةٍ تُكتَسَبُ، لا تتحقَّقُ إلَّا بالشَّجاعةِ) [4988] ((سراج الملوك)) (ص: 171). .
6- بالشَّجاعةِ يكونُ النَّصرُ على الأعداءِ وحِفظُ الأوطانِ.

انظر أيضا: