موسوعة الأخلاق والسلوك

د- نماذِجُ من شجاعةِ الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم


(قد كان الموروثُ صلَواتُ اللهِ وسلامُه عليه أشجَعَ النَّاسِ، فكذلك وارثُه وخليفتُه من بعدِه أشجعُ الأمَّةِ بالقياسِ، ويكفي أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ سهمٌ من كنانتِه، وخالدُ بنُ الوليدِ سِلاحٌ من أسلحتِه، والمهاجِرون والأنصارُ أهلُ بيعتِه وشوكتُه، وما منهم إلَّا من اعترف أنَّه يستَمِدُّ من ثباتِه وشجاعتِه) [5035] ((الفروسية)) لابن القيم (ص: 502). .
شجاعةُ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه:
قال ابنُ القَيِّمِ رحمه اللهُ: (وكان الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنه أشجَعَ الأمَّةِ بعدَ رَسولِ اللهِ... ولو لم يكُنْ له إلَّا ثباتُ قَلبِه يومَ الغارِ وليلتَه، وثباتُ قلبِه يومَ بدرٍ، وهو يقولُ للنَّبيِّ: يا رسولَ اللهِ، كفاك بعضُ مناشَدتِك ربَّك، فإنَّه منجِزٌ لك ما وعدك، وثباتُ قلبِه يومَ أحُدٍ، وقد صرخ الشَّيطانُ في النَّاسِ بأنَّ محمَّدًا قد قُتِل، ولم يبقَ أحدٌ مع رسولِ اللهِ إلَّا دونَ عِشرين في أُحُدٍ، وهو مع ذلك ثابتُ القلبِ ساكِنُ الجأشِ، وثباتُ قلبِه يومَ الخندقِ وقد زاغت الأبصارُ وبلغت القلوبُ الحناجِرَ، وثباتُ قلبِه يومَ الحُدَيبيَةِ، وقد قَلِق فارسُ الإسلامِ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ، حتى إنَّ الصِّدِّيقَ ليُثَبِّتُه ويُسَكِّنُه ويُطَمئنُه، وثباتُ قلبِه يومَ حُنَينٍ حيثُ فَرَّ النَّاسُ، وهو لم يَفِرَّ، وثباتُ قلبِه حينَ النَّازلةِ التي اهتزَّت لها الدُّنيا أجمعَ، وكادت تزولُ لها الجبالُ، وعَقَرت لها أقدامُ الأبطالِ، وماجت لها قلوبُ أهلِ الإسلامِ كمَوجِ البحرِ عِندَ هُبوبِ قواصِفِ الرِّياحِ، وصاح لها الشَّيطانُ في أقطارِ الأرضِ أبلَغَ الصِّياحِ، وخرج النَّاسُ بها من دينِ اللهِ أفواجًا، وأثار عدوُّ اللهِ بها أقطارَ الأرضِ عَجاجًا، وانقطع لها الوحيُ من السَّماءِ، وكاد لولا دفاعُ اللهِ لطُمِس نجومُ الاهتداءِ، وأنكرت الصَّحابةُ بها قلوبَهم، وكيف لا وقد فقدوا رسولَهم من بَيْنِ أظهُرِهم، وحبيبَهم، وطاشت الأحلامُ، وغَشِي الآفاقَ ما غَشِيها من الظَّلامِ، واشرأبَّ النِّفاقُ، ومدَّ أهلُه الأعناقَ، ورفع الباطِلُ رأسًا كان تحت قَدَمِ الرَّسولِ موضوعًا، وسمع المُسلِمون من أعداءِ اللهِ ما لم يكنْ في حياتِه بَيْنَهم مسموعًا، وطَمِع عدوُّ اللهِ أن يعيدَ النَّاسَ إلى عبادةِ الأصنامِ، وأن يَصرِفَ وجوهَهم عن البيتِ الحرامِ، وأن يصُدَّ قلوبَهم عن الإيمانِ والقرآنِ، ويدعوهم إلى ما كانوا عليه من التَّهوُّدِ والتَّمجُّسِ والشِّركِ، وعبادةِ الصُّلبانِ، فشَمَّر الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنه من جِدِّه عن ساقٍ غيرِ خَوَّارٍ، وانتضى سيفَ عزمِه الذي هو ثاني ذي الفَقارِ، وامتطى من ظهورِ عزائمِه جوادًا لم يكُنْ يكبو يومَ السِّباقِ، وتقدَّم جنودَ الإسلامِ فكان أفرَسُهم إنما همُّه اللَّحاقُ، وقال: واللهِ لأجاهِدَنَّ أعداءَ الإسلامِ جُهدي، ولأصْدُقَنَّهم الحربَ حتى تنفَرِدَ سالفتي، أو أُفرَدَ وحدي، ولأدخِلَنَّهم في البابِ الذي خرجوا منه، ولأرُدَّنَّهم إلى الحقِّ الذي رغِبوا عنه، فثبَّت اللهُ بذلك القلبِ -الذي لو وُزِن بقلوبِ الأمَّةِ لرَجَحَها- جيوشَ الإسلامِ، وأذَلَّ بها المُنافِقين والمرتدِّين، وأهلَ الكتابِ وعَبَدةَ الأصنامِ، حتَّى استقامت قناةُ الدِّينِ من بعدِ اعوجاجِها، وجرت المِلَّةُ الحنيفيَّةُ على سَنَنِها ومنهاجِها، وتولَّى حزبُ الشَّيطانِ وهم الخاسرون، وأذَّن مؤذِّنُ الإيمانِ على رؤوسِ الخلائقِ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة: 56] .
 هذا وما ضَعُفَت جيوشُ عَزَماتِه، ولا استكانت ولا وَهَنَت، بل لم تَزَلِ الجيوشُ بها مؤيَّدةً ومنصورةً، وما فَرِحت عزائمُ أعدائِه بالظَّفَرِ في موطنٍ من المواطِنِ، بل لم تَزَلْ مغلوبةً مكسورةً، تلك لعَمْرُ اللهِ الشَّجاعةُ التي تضاءلت لها فُرسانُ الأممِ، والهمَّةُ التي تصاغرت عندها عَلِيَّاتُ الهِمَمِ، ويحقُّ لصِدِّيقِ الأمَّةِ أن يَضرِبَ من هذا المغنَمِ بأوفَرِ نصيبٍ، وكيف لا وقد فاز من ميراثِ النُّبُوَّةِ بكمالِ التَّعصيبِ؟!) [5036] ((الفروسية)) (ص: 502). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستُخلِف أبو بكرٍ، وكَفَر من كَفَر من العَرَبِ، قال عُمَرُ: يا أبا بكرٍ، كيف تقاتِلُ النَّاسَ، وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أُمِرْتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فمَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فقد عَصَم منِّي مالَه ونَفْسَه إلَّا بحَقِّه، وحِسابُه على اللهِ)) قال أبو بكرٍ: واللهِ لأقاتِلَنَّ من فَرَّق بين الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ، واللهِ لو منَعوني عِقالًا [5037] العِقالُ: الحَبلُ الذي يُعقَلُ به البعيرُ الذي كان يؤخَذُ في الصَّدَقةِ؛ لأنَّ على صاحبِها التَّسليمَ. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/ 280). كانوا يؤدُّونَه إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقاتَلْتُهم على مَنْعِها، قال عُمَرُ: فواللهِ ما هو إلَّا أن رأيتُ أنْ قد شرَحَ اللهُ صَدْرَ أبي بكرٍ للقِتالِ، فعَرَفْتُ أنَّه الحَقُّ) [5038] أخرجه البخاري (1399)، ومسلم (20) واللفظ له. .
- وعن عُروةَ بنِ الزُّبَيْرِ قال: (قُلتُ لِعَبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ: أخبِرْني بأشَدِّ ما صَنَعَ المُشركونَ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: بَينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي بفِناءِ الكَعبةِ إذ أقبَلَ عُقْبةُ بنُ أبي مُعَيْطٍ، فأخذَ بمَنكِبِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولَوى ثَوبَه في عُنُقِه فخَنقَهُ خَنقًا شَديدًا، فأقبَلَ أبو بَكرٍ، فأخذَ بمَنكِبِه ودَفَعَ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: أتَقتُلونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ [غافر: 28] ) [5039] أخرجه البخاري (3856). .
شجاعةُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: 
- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (ما زِلْنا أعزَّةً منذُ أسلَم عُمَرُ) [5040] أخرجه البخاري (3684). .
- وعن ابنِ عمر رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (لمَّا أسلم عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه لم تعلَمْ قُرَيشٌ بإسلامِه، فقال: أيُّ أهلِ مكَّةَ أنشأُ للحديثِ؟ فقالوا: جميلُ بنُ مَعمَرٍ الجُمَحيُّ، فخرج إليه وأنا معه أتبَعُ أثَرَه، أعقِلُ ما أرى وأسمعُ، فأتاه فقال: يا جميلُ، إني قد أسلَمتُ، قال: فواللهِ ما ردَّ عليه كَلِمةً حتى قام عامدًا إلى المسجدِ، فنادى أنديةَ قُرَيشٍ، فقال: يا مَعشَرَ قُرَيشٍ، إنَّ ابنَ الخطَّابِ قد صبَأَ [5041] أي: خرج من دينِه إلى دينٍ آخَرَ. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (2/ 591). ! فقال عُمَرُ: كَذَب، ولكني أسلمتُ وآمنتُ باللهِ، وصدَّقتُ رسولَه، فثاوَروه [5042] يقال: ثاوَر فلانٌ فلانًا: إذا واثبه. يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/ 424). ، فقاتَلَهم حتَّى ركَدَت الشَّمسُ [5043] يقال: ركَدَت الشَّمسُ رُكودًا: إذا قام قائمُ الظَّهيرةِ، فكأنَّ الشَّمسَ لا تسيرُ، وكُلٌّ ثابتٌ في مكانِه فهو راكدٌ. يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (2/ 637). على رؤوسِهم، حتَّى فتر عُمَرُ وجلس، فقاموا على رأسِه، فقال عُمَرُ: افعلوا ما بدا لكم، فواللهِ لو كنَّا ثلاثَمائةِ رجُلٍ لقد تركتُموها لنا أو تركْناها لكم...) [5044] أخرجه البزار (156) مختصرًا، وابن حبان (6879) واللفظ له، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (226) باختلاف يسير. صحَّحه ابنُ حبان، وحسَّن إسنادَه الشوكاني في ((در السحابة)) (99) وذكر أنَّه روي من حديثِ عُمَرَ نفسِه بإسنادٍ رجالُه ثقاتٌ، وجوَّده وقوَّاه ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (3/79)، وقوَّاه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (6879). .
- وعن محمَّدِ بنِ إسحاقَ قال: (فلمَّا قَدِم عبدُ اللهِ بنُ أبي ربيعةَ وعمرُو بنُ العاصِ على قريشٍ ولم يُدرِكوا ما طلبوا من أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وردَّهم النَّجاشيُّ بما يكرهون، أسلم عُمَرُ بنُ الخطَّابِ، وكان رجلًا ذا شكيمةٍ [5045] الشَّكيمةُ: الأنَفةُ والانتصارُ من الظُّلمِ، وفلانٌ ذو شكيمةٍ: إذا كان لا ينقادُ. يُنظَر: ((الصحاح)) للجوهري (5/ 1961)، ((تاج العروس)) للزبيدي (32/ 469). لا يُرامُ ما وراء ظهرِه، امتنع به أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبحمزةَ بنِ عبدِ المطَّلِبِ، حتَّى غزا قريشًا، فكان عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ يقولُ: ما كنَّا نقدِرُ على أن نُصَلِّيَ عِندَ الكعبةِ حتَّى أسلم عُمَرُ بنُ الخطَّابِ، فلمَّا أسلَم قاتَل قريشًا حتَّى صلَّى عِندَ الكعبةِ وصلَّينا معه، وكان إسلامُ عُمَرَ بعدَ خروجِ من خرج من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أرضِ الحبَشةِ) [5046] أخرجه ابن هشام في ((السيرة)) (1/342)، وعبد الله بن أحمد في ((زوائد فضائل الصحابة)) (370). .
شجاعةُ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه:
- عن سَلَمةَ بنِ الأكوعِ رَضِيَ اللهُ عنه -في سياقِ ذِكرِه ليومِ خَيبَرَ- أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لأعطينَّ الرَّايةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ ورَسولَهُ، أو يُحِبُّهُ اللهُ ورَسولُهُ، قال: فأتيتُ عَلِيًّا، فجِئْتُ به أقودُهُ وهوَ أرمَدُ [5047] الرَّمَدُ: هَيَجانُ العينِ وانتفاخُها. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (8/ 116). ، حَتَّى أتيتُ به رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبَسَق [5048] فبَسَق: أي: بَزَق. يقال: بَزَق وبَسَق وبَصَق. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (3/ 44). في عَينَيه فبَرَأ، وأعطاهُ الرَّايةَ، وخَرجَ مَرْحَبٌ، فقال:
 قَد عَلِمَتْ خَيبَرُ أنِّي مَرْحَبُ ... شاكي السِّلاحِ [5049] أي: تامُّ السِّلاحِ من الشَّوكةِ، وهي القُوَّةُ، والشَّوكةُ أيضًا السِّلاحُ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (12/ 184). بَطَلٌ مُجَرَّبُ. إذا الحُروبُ أقبَلَت تَلَهَّبُ. فقال عَليٌّ: أنا الَّذي سَمَّتْني أمِّي حَيدَرَهْ ... كلَيْثِ غاباتٍ كَرِيهِ المَنْظَرَهْ. أُوفِيهِم بالصَّاعِ كَيْلَ السَّندَرَهْ [5050] أي: أقتُلُ الأعداءَ قتلًا واسعًا ذريعًا، والسَّندرةُ: مكيالٌ واسِعٌ، وقيل: هي العَجَلةُ، أي: أقتُلُهم عاجِلًا، وقيل: مأخوذٌ من السَّندرةِ، وهي شجرةُ الصَّنوبَرِ يُعمَلُ منها النَّبلُ والقِسيُّ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (12/ 186). . قال: فضَربَ رَأسَ مَرْحَبٍ فقَتلَه، ثُمَّ كانَ الفَتحُ عَلى يَدَيه))
[5051] أخرجه مسلم (1807) مطوَّلًا. .
وعن الشَّعبيِّ قال: (كان عليٌّ أشجَعَ النَّاسِ، تُقِرُّ له العَرَبُ بذلك...) [5052] ((أنساب الأشراف)) للبلاذري (2/ 121).
شجاعةُ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنه: 
- عن عَمرِو بنِ دينارٍ قال: كان يقالُ: (أشجَعُ النَّاسِ الزُّبَيرُ، وأبسَلُهم عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنهما، والباسِلُ فوقَ الشُّجاعِ) [5053] أخرجه ابن أبي الدنيا في ((مكارم الأخلاق)) (159). .
- وعن هشامِ بنِ عُروةَ، عن أبيه (أنَّ أصحابَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالوا للزُّبيرِ: ألَا تَشُدُّ فنَشُدَّ معك؟ قال: إنِّي إن شدَدْتُ كَذَبْتُم. فقالوا: لا نفعَلُ. فحمَلَ عليهم حتى شقَّ صفوفَهم، فجاوَزَهم وما معه أحَدٌ، ثمَّ رَجَع مقبلًا، فأخذوا بلِجامِه، فضَرَبوه ضربَتَيِن: ضربةً على عاتِقِه بينهما ضربةٌ ضُرِبَها يومَ بَدرٍ. قال عُروةُ: فكُنتُ أدخِلُ أصابعي في تلك الضَّرَباتِ ألعَبُ وأنا صغيرٌ!) [5054] أخرجه البخاري (3975). .
- وعن عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((كُنتُ يَومَ الأحزابِ جُعِلتُ أنا وعُمرُ بن أبي سَلِمةَ في النِّساءِ، فنَظَرتُ فإذا أنا بالزُّبَيرِ على فرسِه يَختَلِفُ [5055] أي: يذهَبُ ويجيءُ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (7/ 81). إلى بني قَرَيظةَ مَرَّتينِ أو ثَلاثًا، فلمَّا رَجَعْتُ قُلتُ: يا أبتِ رأيتك تختَلِفُ! قال: وهل رَأيتَني يا بُنَيَّ؟ قُلتُ: نَعَم، قال: كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: من يأتِ بني قَريظةَ فيأتيني بخَبرِهم؟ فانطَلَقتُ فلمَّا رَجَعتُ جَمعَ لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبوَيه، فقال: فداكَ أبي وأمِّي)) [5056] أخرجه البخاري (3720) واللفظ له، ومسلم (2416). .
شجاعةُ خالِدِ بنِ الوليدِ رَضِيَ اللهُ عنه:
قال خالِدُ بنُ الوليدِ رَضِيَ اللهُ عنه: (لقد دُقَّ في يدي يومَ مُؤتةَ تِسعةُ أسيافٍ، وصبَرَتْ في يدي صفيحةٌ لي يمانيَةٌ) [5057] أخرجه البخاري (4266). .
ولمَّا احتُضِر قال: (لقد طلبتُ القَتلَ مظانَّه، فلم يُقدَّرْ لي إلَّا أن أموتَ على فِراشي، وما من عَمَلِ شيءٍ أرجى عندي بعدَ لا إلهَ إلَّا اللهُ من ليلةٍ بِتُّها وأنا متتَرِّسٌ بفَرَسي، والسَّماءُ تُهِلُّني، منتَظِرٌ الصُّبحَ حتَّى نغيرَ على الكُفَّارِ، ثمَّ قال: إذا أنا مِتُّ فانظُروا سلاحي وفَرَسي فاجعلوه عُدَّةً في سبيلِ اللهِ، فلمَّا توفِّيَ خرج عُمَرُ على جنازتِه، فذَكَر قَولَه: ما على نساءِ أبي الوليدِ أن يَسفحْنَ [5058] يقال: سَفَح الدَّمعُ: أرسله. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (6/ 475). على خالدٍ من دُموعِهنَّ ما لم يكُنْ نقعًا أو لَقْلقةً [5059] النَّقعُ: التُّرابُ على الرَّأسِ، واللَّقْلقةُ: الصَّوتُ. يُنظَر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (3/ 276). [5060] أخرجه البخاري معلَّقًا قبل حديث (1291) مختصَرًا على قولِ عُمرَ، وأخرجه موصولًا ابن المبارك في ((الجهاد)) (53) واللفظ له، والطبراني (4/106) (3812) مختصَرًا. صحَّحه ابنُ حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (4/105)، وصحَّح إسنادَه النووي في ((خلاصة الأحكام)) (2/1058)، وحسَّنه الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/353)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سير أعلام النبلاء)) (1/381). .
شجاعةُ سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه: 
عن عامِرِ بنِ سَعدٍ عن أبيه رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَمعَ له أبَوَيه يَومَ أُحُدٍ، قال: كانَ رَجُلٌ مِنَ المُشرِكين قد أحرَقَ المُسلِمينَ، قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ارْمِ فِداك أبي وأمِّي، قال: فنَزَعْتُ لهُ بسَهمٍ ليسَ فيه نَصْلٌ [5061] أي: لا حديدةَ فيه. يُنظَر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (7/ 423). ، فأصبْتُ جَنبَه فسَقَط، فانكَشَفَت عَورَتُه، فضَحِكَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى نَظَرتُ إلى نَواجِذِه! [5062] أي: أنيابِه، وقيل: أضراسِه. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (15/ 186). ) [5063] أخرجه مسلم (2412). .
وعن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ قال: (كان سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ أشَدَّ المُسلِمين بأسًا يومَ أُحُدٍ) [5064] ((مصنف ابن أبي شيبة)) (4/ 214) (19415). .
شجاعةُ سَلَمةَ بنِ الأكوَعِ:
عن سَلمةَ بنِ الأكوَعِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((بعَث رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بظَهرِه [5065] الظَّهرُ: الإبِلُ التي يحمَلُ عليها وتُركَبُ. يقال: عند فلانٍ ظَهرٌ: أي: إبِلٌ. يُنظَر: ((النهاية في غريب الأثر)) لابن الأثير (3/364). مع رباحٍ غلامِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنا معه، وخرجتُ معه بفَرَسِ طلحةَ أُنَدِّيه [5066] أُنَدِّيه: معناه أن يورِدَ الماشيةَ الماءَ فتُسقى قليلًا، ثمَّ تُرسَلَ في المرعى، ثم تَرِدَ الماءَ فتَرِدَ قليلًا، ثمَّ تُرَدَّ إلى المرعى. يُنظَر: ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (12/178). مع الظَّهرِ، فلمَّا أصبَحْنا إذا عبدُ الرَّحمنِ الفَزاريُّ قد أغار على ظَهرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاستاقه [5067] استاقه: من السَّوقِ، وهو السَّيرُ العنيفُ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/339). أجمعَ، وقَتَل راعيَه، قال: فقُلتُ: يا رباحُ، خُذْ هذا الفَرَسَ فأبلِغْه طلحةَ بنَ عُبَيدِ اللهِ، وأخبِرْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ المشركين قد أغاروا على سَرْحِه [5068] السَّرحُ: أي: الإبِلُ التي ترعى. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/131). ، قال: ثمَّ قُمتُ على أَكَمةٍ [5069] أَكَمة: دونَ الجَبلِ وأعلى من الرَّابيةِ، وقيل: دونَ الرَّابيةِ. يُنظَر: ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (6/193). ، فاستقبَلْتُ المدينةَ، فناديتُ ثلاثًا: يا صباحاه، ثمَّ خرجتُ في آثارِ القومِ أرميهم بالنَّبلِ وأرتجِزُ، أقولُ: أنا ابنُ الأكوَعِ، واليَومُ يَومُ الرُّضَّعِ [5070] الرُّضَّعُ: جمعُ رَضيعٍ، أي: لئيمٍ، والمعنى: يومُ هلاكِ اللِّئامِ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/123). ، فألحَقُ رجُلًا منهم فأصُكُّ [5071] الصَّكُّ: الضَّربُ الشديدُ بالشَّيءِ العريضِ، وقيل: هو الضَّربُ عامَّةً بأيِّ شيءٍ كان. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (10/456). سَهمًا في رَحْلِه، حتى خَلَص نَصلُ السَّهمِ [5072] أي: حديدتُه. يُنظَر: ((المحكم والمحيط الأعظم)) لابن سيده (8/ 325(. إلى كَتِفِه، قال: قلتُ: خُذْها وأنا ابنُ الأكوَعِ واليومُ يومُ الرُّضَّعِ، قال: فواللهِ ما زلتُ أرميهم وأعقِرُ [5073] عَقَره، أي: جرَحَه. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (4/592). بهم، فإذا رجعَ إليَّ فارسٌ أتيت شجَرةً، فجلَسْتُ في أصلهِا، ثمَّ رميتُه فعَقَرتُ به، حتى إذا تضايقَ الجَبَلُ، فدخلوا في تضايُقِه، علوتُ الجَبَل فجعَلْتُ أُرَدِّيهم بالحِجارةِ، قال: فما زِلتُ كذلك أَتبَعُهم حتَّى ما خلق اللهُ من بعيرٍ من ظهرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا خلَّفْتُه وراء ظَهري، وخَلَّوا بيني وبينَه، ثمَّ اتبَعْتُهم أرميهم حتى ألقَوا أكثَرَ من ثلاثين بُردةً، وثلاثين رمحًا، يستخِفُّون، ولا يَطرَحون شيئًا إلَّا جعَلْتُ عليه آرامًا [5074] آرامٌ جمعُ إرمٍ، حجارةٌ تُنصَبُ عَلَمًا في المفازةِ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (12/14). من الحجارةِ يعرِفُها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه، حتى أتوا متضايِقًا من ثَنيَّةٍ [5075] الثَّنِيَّةُ من الجبَلِ: ما يحتاجُ في قَطعِه وسُلوكِه إلى صعودٍ وحُدورٍ، فكأنَّه يُثني السَّيرَ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (37/295). ، فإذا هم قد أتاهم فلانُ بنُ بدرٍ الفَزاريُّ، فجلسوا يتَضَحَّون -يعني يتغَدَّون- وجلَسْتُ على رأسِ قَرنٍ [5076] رأسُ قَرنٍ: هو كلُّ جبَلٍ صغيرٍ منقَطِعٍ عن الجبلِ الكبيرِ. يُنظَر: ((شرح مسلم)) للنووي (12/179). ، قال الفَزاريُّ: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لَقِينا من هذا البَرْحَ [5077] البَرْحَ: الشِّدَّةَ والشَّرَّ، والأذى والعذابَ الشَّديدَ والمشقَّةَ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (6/304). ، واللهِ ما فارَقَنا منذُ غَلَسٍ [5078] الغَلَس: ظلامُ آخِرِ اللَّيلِ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (6/156). يرمينا حتى انتَزَع كُلَّ شيءٍ في أيدينا! قال: فلْيَقُمْ إليه نَفَرٌ منكم أربعةٌ، قال: فصَعِد إليَّ منهم أربعةٌ في الجبَلِ، قال: فلمَّا أمكنوني من الكلامِ، قال: قُلتُ: هل تعرفوني؟ قالوا: لا، ومن أنت؟ قال: قلتُ: أنا سلمةُ بنُ الأكوَعِ، والذي كرَّم وَجهَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لا أطلُبُ رجُلًا منكم إلَّا أدركْتُه، ولا يَطلُبُني رجُلٌ منكم فيُدرِكَني، قال أحدُهم: أنا أظُنُّ، قال: فرَجَعوا، فما بَرِحتُ مكاني حتى رأيتُ فوارِسَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتخَلَّلون الشَّجَرَ، قال: فإذا أوَّلُهم الأخرَمُ الأسَديُّ، على إثرِه أبو قتادةَ الأنصاريُّ، وعلى إثرِه المِقدادُ بنُ الأسوَدِ الكِنْديُّ، قال: فأخذتُ بعِنانِ [5079] العِنانُ، بكسرِ العينِ: لجامُ الفَرَسِ. يُنظَر: ((عمدة القاري)) لبدر الدين العيني (14/172). الأخرَمِ، قال: فوَلَّوا مُدبِرين، قلتُ: يا أخرَمُ، احذَرْهم لا يقتَطِعوك حتى يلحَقَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه، قال: يا سَلَمةُ، إن كنتَ تُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، وتعلَمُ أنَّ الجنَّةَ حَقٌّ، والنَّارَ حَقٌّ، فلا تَحُلْ بيني وبين الشَّهادةِ، قال: فخلَّيْتُه، فالتقى هو وعبدُ الرَّحمنِ، قال: فعُقِر بعبدِ الرَّحمنِ فَرَسُه، وطعَنه عبدُ الرَّحمنِ فقَتَله، وتحوَّل على فرَسِه ولحِقَ أبو قتادةَ فارِسُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعبدِ الرَّحمنِ، فطَعَنه فقَتَله، فوالذي كرَّم وَجهَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لَتَبِعْتُهم أعدو على رِجْلي حتى ما أرى ورائي من أصحابِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا غُبارِهم شيئًا حتى يَعدِلوا قَبلَ غُروبِ الشَّمسِ إلى شِعبٍ فيه ماءٌ، يقالُ له: ذو قَرَدٍ؛ ليَشرَبوا منه وهم عِطاشٌ، قال: فنَظَروا إليَّ أعدو وراءَهم، فخَلَّيْتُهم عنه -يعني أجلَيْتُهم عنه- فما ذاقوا منه قَطرةً، قال: ويخرُجون فيشتَدُّون في ثنيَّةٍ، قال: فأعدو فألحَقُ رجُلًا منهم، فأصُكُّه بسَهمٍ في نُغضِ [5080] النُّغْضُ: العَظمُ الدقيقُ الذي على طَرَفِ الكَتِفِ أو على أعلى الكَتِفِ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (3/276). كَتِفِه، قال: قُلتُ: خُذْها وأنا ابنُ الأكوَعِ واليَومُ يومُ الرُّضَّعِ. قال: يا ثَكِلَتْه أمُّه! أكْوَعُه بُكْرةَ [5081] البُكْرةُ: الغَدْوةُ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (10/236). ؟! قال: قُلتُ: نعم يا عَدُوَّ نَفسِه، أكوَعُكَ بُكْرةَ! قال: وأردوا [5082] أردَوا فرَسَين: أهلكوهما وأتعَبوهما حتى أسقَطوهما وترَكوهما. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (12/181). فرسَينِ على ثَنيَّةٍ، قال: فجِئتُ بهما أسوقُهما إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ولحِقَني عامرٌ بسطيحةٍ [5083] السَّطيحةُ: من أواني المياهِ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (6/472). فيها مَذقةٌ [5084] المَذْقةُ: الطَّائفةُ من اللَّبنِ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (26/382). من لَبَنٍ، وسطيحةٍ فيها ماءٌ، فتوضَّأتُ وشَرِبتُ، ثمَّ أتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو على الماءِ الذي حلَأْتُهم [5085] حلَأْتُهم، أي: طرَدْتُهم. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (12/181). عنه، فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أخذ تلك الإبِلَ، وكُلَّ شيءٍ استنقَذْتُه من المُشرِكين، وكُلَّ رُمحٍ وبُردةٍ، وإذا بلالٌ نَحَر ناقةً من الإبِلِ الذي استَنقَذْتُ من القومِ، وإذا هو يشوي لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من كَبِدِها وسِنامِها، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، خَلِّني فأنتَخِبُ من القومِ مائةَ رجلٍ فأتَّبِعُ القَومَ، فلا يبقى منهم مُخبِرٌ إلَّا قتَلْتُه، قال: فضَحِك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى بدت نواجِذُه في ضوءِ النَّارِ! فقال: يا سَلَمةُ، أتُراكُ كنتَ فاعِلًا؟ قلتُ: نعم، والذي أكرَمَك، فقال: إنَّهم الآنَ ليُقْرَونَ في أرضِ غَطَفانَ، قال: فجاء رجلٌ من غَطَفانَ، فقال: نحرَ لهم فلانٌ جَزورًا فلمَّا كَشَفوا جِلْدَها رأوا غبارًا، فقالوا: أتاكم القومُ، فخرجوا هاربين، فلمَّا أصبَحْنا قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كان خَيْرَ فُرسانِنا اليومَ أبو قتادةَ، وخَيرَ رَجَّالَتِنا [5086] رَجَّالةٌ جمعُ راجِلٍ، وهو الماشي على قَدَمِه. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (29/37). سَلمةُ، قال: ثمَّ أعطاني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَهمَينِ: سَهمَ الفارِسِ، وسَهمَ الرَّاجِلِ، فجمَعَهما لي جميعًا، ثمَّ أردفني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وراءَه على العَضباءِ [5087] العَضباءُ: اسمُ ناقةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، اسمٌ لها عَلَمٌ، وليس من العَضْبِ الذي هو الشَّقُّ في الأذُنِ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/609). راجعينَ إلى المدينةِ)) [5088] رواه البخاري (4194)، ومسلم (1807) واللفظ له. .
نماذِجُ أُخرى من شجاعةِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم:
- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((غاب عمِّي أنسُ بنُ النَّضرِ عن قِتالِ بَدرٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، غِبتُ عن أوَّلِ قِتالٍ قاتَلْتَ المشركين! لئنِ اللهُ أشهَدَني قتالَ المُشرِكين ليرَينَّ اللهُ ما أصنعُ، فلمَّا كان يومُ أحُدٍ وانكشف المسلمون، قال: اللَّهُمَّ إني أعتَذِرُ إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني أصحابَه- وأبرأُ إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني المُشرِكين-، ثمَّ تقدَّم فاستقبله سعدُ بنُ معاذٍ، فقال: يا سعدُ بنَ مُعاذٍ، الجنَّةَ ورَبِّ النَّضرِ، إني أجِدُ ريحَها من دونِ أحُدٍ! قال سعدٌ: فما استطعتُ يا رسولَ اللهِ ما صنع، قال أنسٌ: فوجَدْنا به بضعًا وثمانين ضربةً بالسَّيفِ، أو طعنةً برُمحٍ، أو رميةً بسَهمٍ، ووجَدْناه قد قُتِل وقد مَثَّل به المُشرِكون، فمَّا عرفه أحدٌ إلَّا أختُه ببَنانِه [5089] ببنانِه، أي: بإصبَعِه أو بطَرَفِ إصبَعِه. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (5/ 45). ! قال أنسٌ: كنَّا نُرى، أو نظُنُّ أنَّ هذه الآيةَ نزلت فيه وفي أشباهِه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23] إلى آخرِ الآيةِ)) [5090] أخرجه البخاري (2805) واللفظ له، ومسلم (1903). .
- وعنه رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخذ سيفًا يومَ أحُدٍ فقال: مَن يأخُذُ مني هذا؟ فبسطوا أيديَهم كُلُّ إنسانٍ منهم يقولُ: أنا أنا. قال: فمَن يأخُذُه بحَقِّه؟ قال: فأحجَمَ القومُ، فقال سِماكُ بنُ خَرَشةَ أبو دُجانةَ: أنا آخُذُه بحَقِّه. قال: فأخذه ففَلَق به هامَ المُشرِكين)) [5091] أخرجه مسلم (2470). .
- و(عن ابنِ إسحاقَ قال: زحف إليهم المُسلِمون حتى ألجؤوهم إلى الحديقةِ، وفيها عدُوُّ اللهِ مُسيلِمةُ، فقال البراءُ: يا مَعشَرَ المُسلِمين، ألقوني عليهم، فاحتُمِل حتى إذا أشرف على الجدارِ اقتحم فقاتَلَهم على الحديقةِ حتَّى فتحها للمُسلِمين، فقَتَل اللهُ مُسيلِمةَ.
وعن الأنصاريِّ عن أبيه عن ثمامةَ عنِ أنَسِ بنِ مالكٍ قال: رمى البراءُ بنفسِه عليهم فقاتلهم حتى فتح البابَ، وفيه بضعٌ وثمانون جراحةً من بَيْنِ رميةٍ بسَهمٍ وضَربةٍ، فحُمِل إلى رَحلِه يُداوى، فأقام عليه خالِدٌ شَهرًا) [5092] ((تاريخ خليفة بن خياط)) (ص: 109). .

انظر أيضا: