موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ من شجاعةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


1- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (لقد رأيتُنا يومَ بدرٍ ونحن نلوذُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو أقرَبُنا إلى العَدُوِّ، وكان من أشَدِّ النَّاسِ يومَئذٍ بأسًا) [5010] أخرجه أحمد (654)، وابن أبي شيبة (33281)، وابن أبي عاصم في ((الجهاد)) (251). صحَّح إسناده ابن تَيميَّةَ في ((الجواب الصحيح)) (5/458)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (2/64)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (654)، وجوده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/467). .
2- قال رجلٌ للبراءِ رَضِيَ اللهُ عنه: ((يا أبا عُمارةَ، أفرَرْتُم يومَ حُنَينٍ؟! قال: لا واللهِ، ما ولَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولكِنَّه خرج شُبَّانُ أصحابِه وأخفَّاؤهم [5011] الأخفَّاءُ: المسارِعون المستعجِلون. يُنظَر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (6/ 130). حُسَّرًا [5012] أي: بغيرِ دُروعٍ، وقد فسَّره بقولِه: (ليس عليهم سلاحٍ). يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (12/ 118). ليس عليهم سلاحٌ أو كثيرُ سلاحٍ، فلَقُوا قومًا رُماةً لا يكادُ يَسقُطُ لهم سَهمٌ؛ جَمعَ هوازِنَ وبني نَصرٍ، فرشقوهم رشقًا ما يكادون يُخطِئون، فأقبَلوا هناك إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على بغلتِه البيضاءِ، وأبو سفيانَ بنُ الحارِثِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ يقودُ به، فنزل فاستنصر، وقال: أنا النَّبيُّ لا كَذِب، أنا ابنُ عبدِ المطَّلِب، ثمَّ صَفَّهم)) [5013] أخرجه البخاري (2930)، ومسلم (1776) واللفظ له. .
وعن أبي إسحاقَ قال: جاء رجلٌ إلى البراءِ، فقال: ((أكنتُم ولَّيتم يومَ حُنَينٍ يا أبا عُمارةَ؟! فقال: أشهَدُ على نبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما ولَّى، ولكِنَّه انطلق أخِفَّاءُ من النَّاسِ، وحُسَّرٌ إلى هذا الحيِّ من هوازِنَ، وهم قومٌ رماةٌ، فرمَوهم برَشقٍ من نَبلٍ كأنَّها رِجْلٌ [5014] رِجلٌ: أي: جماعةٌ. يُنظَر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (5/373). من جرادٍ، فانكشفوا، فأقبل القومُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأبو سفيانَ بنُ الحارِثِ يقودُ به بغلتَه، فنزل ودعا واستنصر، وهو يقولُ: أنا النَّبيُّ لا كَذِب، أنا ابنُ عبدِ المطَّلِب، اللَّهُمَّ نَزِّل نَصْرَك، قال البراءُ: كنَّا واللهِ إذا احمرَّ البأسُ [5015] احمَرَّ البأسُ: كنايةٌ عن اشتدادِ الحربِ واحمرارِها، إمَّا لحمرةِ الدَّمِ وجرَيانِه من الجراحِ والقَتلِ، أو لاستعارِ الحَربِ واشتعالِها كاحمرارِ الجَمرِ. يُنظَر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (6/ 133). نتَّقي به، وإنَّ الشُّجاعَ منَّا للَّذي يحاذي به، يعني النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [5016] أخرجه مسلم (1776). .
3- وعن العبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((شَهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ حُنَينٍ، فلَزِمتُ أنا وأبو سفيانَ بنُ الحارِثِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلم نفارِقْه، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على بغلةٍ له بيضاءَ أهداها له فروةُ بنُ نُفاثةَ الجُذاميُّ، فلمَّا التقى المسلمون والكُفَّارُ ولَّى المسلمون مُدبِرين، فطَفِق رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يركُضُ بغلتَه قِبَلَ الكُفَّارِ، قال عبَّاسٌ: وأنا آخِذٌ بلِجامِ بغلةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكُفُّها؛ إرادةَ أن لا تُسرِعَ، وأبو سفيانَ آخِذٌ بركابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيْ عبَّاسِ، نادِ أصحابَ السَّمُرةِ [5017] السَّمُرةُ: شَجَرةُ الطَّلحِ. يُنظَر: ((الإفصاح)) لابن هبيرة (4/162)، ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 399). . فقال عبَّاسٌ -وكان رجلًا صَيِّتًا [5018] صيِّتًا: أي: جهيرَ الصَّوتِ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 146). -: فقُلتُ بأعلى صوتي: أين أصحابُ السَّمُرةِ؟ قال: فواللهِ لكأنَّ عَطْفَتَهم حين سمعوا صوتي عَطفةُ البَقَرِ على أولادِها! فقالوا: يا لبَّيك يا لبَّيك! قال: فاقتتلوا والكُفَّارُ، والدَّعوةُ في الأنصارِ يقولون: يا معشَرَ الأنصارِ، يا معشَرَ الأنصارِ، قال: ثمَّ قَصُرت الدَّعوةُ على بني الحارِثِ بنِ الخزرجِ، فقالوا: يا بني الحارِثِ بنِ الخزرجِ، يا بني الحارثِ بنِ الخزرجِ، فنظر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو على بغلتِه كالمتطاوِلِ عليها إلى قتالِهم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا حينَ حَمِي الوطيسُ [5019] حَمِي الوطيسُ: أي: اشتدَّت الحَربُ وتناهى القتالُ. والوطيسُ في الأصلِ: التَّنُّورُ، فشَبَّه الحربَ باشتعالِ النَّارِ ولهبِها. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (4/ 10). ) [5020] أخرجه مسلم (1775) مطوَّلًا. .
4- وعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسَنَ النَّاسِ، وأجوَدَ النَّاسِ، وأشجَعَ النَّاسِ، ولقد فَزِع أهلُ المدينةِ ذاتَ ليلةٍ، فانطلق النَّاسُ قِبَلَ الصَّوتِ، فاستقبَلَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد سَبَق النَّاسَ إلى الصَّوتِ! وهو يقولُ: ((لن تُراعُوا، لن تُراعُوا [5021] وفي روايةٍ: ((لم تُراعوا)) بالميمِ فيهما، قيل: أي لا تراعوا، جَحدٌ بمعنى النَّهيِ، أي: لا تَفزَعوا. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (9/ 32). ! وهو على فَرَسٍ لأبي طَلحةَ عُرْيٍ ما عليه سَرْجٌ! في عُنُقِه سَيفٌ، فقال: لقد وجَدْتُه بحرًا [5022] بحرًا: أي: واسعَ الجَريِ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (15/68). ، أو إنَّه لبَحرٌ)) [5023] أخرجه البخاري (6033) واللفظ له، ومسلم (2307). .
5- عن ابنِ عباسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((لمَّا نزَلتْ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214] ، صَعِد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم على الصَّفا، فجعَلَ يُنادي: يا بَني فِهرٍ، يا بَني عَدِيٍّ -لِبُطونِ قُريشٍ- حتَّى اجتَمعوا، فجعَل الرَّجلُ إذا لم يَستطِعْ أنْ يَخرُجَ أرسَل رَسولًا ليَنظُرَ ما هو، فجاءَ أبو لَهَبٍ وقُريشٌ، فقال: أرأيتَكُم لو أخبرْتُكم أنَّ خَيلًا بالوادي تُريدُ أنْ تُغِيرَ عليكم، أكنْتُم مُصَدِّقيَّ؟! قالوا: نعَمْ، ما جرَّبْنا عليك إلَّا صِدْقًا، قال: فإنِّي نَذيرٌ لكم بينَ يَديْ عَذابٍ شَديدٍ. فقال أبو لَهَبٍ: تبًّا لك سائِرَ اليومِ، ألهذا جمَعْتَنا؟! فنزَلتْ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ [المسد: 1 – 2])) [5024] أخرجه البخاري (4770) واللفظ له، ومسلم (208). .
- وعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كتب إلى كِسرى، وإلى قيصَرَ، وإلى النَّجاشيِّ، وإلى كُلِّ جَبَّارٍ، يدعوهم إلى اللهِ تعالى))، وليس بالنَّجاشيِّ الذي صلَّى عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [5025] أخرجه مسلم (1774). .
ومن ذلك كتابةُ النَّبيِ لهِرَقلَ، وفيها: ((بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، مِن مُحمَّدٍ عبْدِ اللهِ ورَسولِه، إلى هِرَقْلَ عَظيمِ الرُّومِ، سَلامٌ على مَن اتَّبَعَ الهُدى، أمَّا بعْدُ؛ فإنِّي أدْعوك بدِعايةِ الإسْلامِ، أسْلِمْ تَسْلَمْ، وأسْلِمْ يُؤْتِك اللهُ أجْرَك مَرَّتَينِ، فإن تَوَلَّيْتَ فعليك إثْمُ الأريسيِّينَ، و: يَا أهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ألَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 64])) [5026] أخرجه البخاري (7) ومسلم (1773). .
6- وفي قِصَّةِ صُلحِ الحُدَيبيَةِ ((جاء بُدَيلُ بنُ وَرقاءَ الخُزاعيُّ في نَفَرٍ من قومِه من خُزاعةَ، وكانوا عَيبَة نُصحِ [5027] أي: موضِعُ سِرِّه وأمانتِه، فشُبِّه الصَّدرُ الذي هو مستودَعُ السِّرِّ بالعَيبةِ التي هي مستودَعُ خيرِ الثِّيابِ. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (4/ 444). رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أهلِ تِهامةَ، فقال: إني تركتُ كَعبَ بنَ لُؤَيٍّ، وعامِرَ بنَ لُؤَيٍّ نزلوا أعدادَ مياهِ الحُدَيبيةِ، ومعهم العُوذُ المطافيلُ، وهم مقاتِلوك وصادُّوك عن البيتِ، فقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّا لم نجئْ لقتالِ أحدٍ، ولكِنَّا جِئْنا معتَمِرين، وإنَّ قريشًا قد نهكَتْهم [5028] أي: أضرَّت بهم وأثَّرت فيهم. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (4/ 53). الحربُ، وأضرَّت بهم، فإن شاءوا مادَدْتُهم مُدَّةً [5029] أي: جعَلْتُ بيني وبَيْنَهم (مُدَّةً) مُعَيَّنةً أترُكُ قتالَهم فيها. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (4/445). ويُخَلُّوا بيني وبين النَّاسِ، فإن أظهَرْ فإن شاؤوا أن يدخُلوا فيما دخل فيه النَّاسُ فَعَلوا، وإلَّا فقد جمُّوا [5030] أي: استراحوا. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (4/ 53). ، وإن هم أبَوا فوالذي نفسي بيدِه لأقاتِلَنَّهم على أمري هذا حتى تنفَرِدَ سالفتي [5031] أي: حتى تنفَصِلَ رقبتي، أي: حتى أموتَ أو حتى أموتَ وأبقى منفردًا في قبري. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (4/445). ، وليُنفِذَنَّ اللهُ أمرَه، فقال بُدَيلٌ: سأُبلغُهم ما تقولُ...)) [5032] أخرجه البخاري (2731 و2732). .
7- عن جابرٍ قال: ((أقبَلْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى إذا كنَّا بذاتِ الرِّقاعِ قال: كنَّا إذا أتينا على شَجَرةٍ ظليلةٍ تركناها لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: فجاء رجلٌ من المُشرِكين وسيفُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُعَلَّقٌ بشَجَرةٍ، فأخذ سيفَ نبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاخترطه، فقال لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أتخافُني؟ قال: لا، قال: فمن يمنعُك مني؟ قال: اللهُ يمنعُني منك، قال: فتهدَّده أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأغمد السَّيفَ، وعَلَّقَه)) [5033] أخرجه البخاري (4136) ومسلم (843) واللفظ له. .
8- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ولولا أن أشُقَّ على أمَّتي ما قعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، ولوَدِدْتُ أنِّي أُقتَلُ في سبيلِ اللَّهِ ثمَّ أَحْيا، ثمَّ أُقتَلُ ثمَّ أَحْيا، ثمَّ أُقتَلُ)) [5034] أخرجه البخاري (36). .

انظر أيضا: