موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: مسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


المواطِنُ التي تُطلَبُ عندَها السَّكينةُ:
(والمقصودُ أنَّ العبدَ محتاجٌ إلى السَّكينةِ عندَ الوَساوِسِ المعتَرِضةِ في أصلِ الإيمانِ؛ ليَثبُتَ قَلبُه ولا يزيغَ، وعندَ الوساوِسِ والخَطَراتِ القادحةِ في أعمالِ الإيمانِ؛ لئلَّا تقوى وتصيرَ هُمومًا وغمومًا، وإراداتٍ ينقُصُ بها إيمانُه، وعندَ أسبابِ المخاوفِ على اختلافِها؛ ليَثبُتَ قَلبُه ويَسكُنَ جأشُه، وعندَ أسبابِ الفَرَحِ؛ لئلَّا يطمَحَ به مَركَبُه، فيجاوِزَ الحَدَّ الذي لا يُعبَرُ، فينقَلِبَ تَرَحًا وحُزنًا، وكم ممَّن أنعم اللهُ عليه بما يُفرِحُه، فجَمَح به مركَبُ الفَرَحِ، وتجاوَز الحَدَّ؛ فانقلب تَرَحًا عاجِلًا!
ولو أُعينَ بسكينةٍ تَعدِلُ فَرَحَه، لأُريدَ به الخيرُ، وباللهِ التَّوفيقُ.
وعندَ هُجومِ الأسبابِ المؤلِمةِ على اختِلافِها: الظَّاهرةِ والباطنةِ، فما أحوَجَه إلى السَّكينةِ حينَئذٍ، وما أنفَعَها له وأجداها عليه، وأحسَنَ عاقِبَتَها!
 والسَّكينةُ في هذه المواطِنِ علامةٌ على الظَّفَرِ، وحصولِ المحبوبِ، واندفاعِ المكروهِ، وفَقْدُها علامةٌ على ضِدِّ ذلك، لا يخطِئُ هذا ولا هذا. واللهُ المُستعانُ) [4745] ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/203-204). .
وسطيَّةُ السَّكينةِ:
قال الماوَرْديُّ: (قالت الحُكماءُ: الفضائِلُ هيئاتٌ متوَسِّطةٌ بَينَ خَلَّتينِ ناقصِتَينِ، وأفعالُ الخيرِ تتوسَّطُ بَينَ رذيلتينِ؛ فالحِكمةُ واسِطةٌ بَينَ الشَّرِّ والجهالةِ. والشَّجاعةُ واسِطةٌ بَينَ التَّقحُّمِ والجُبنِ. والعِفَّةُ واسطةٌ بَينَ الشَّرَهِ وضعَفِ الشَّهوةِ. والسَّكينةُ واسِطةٌ بَينَ السَّخَطِ وضَعفِ الغَضَبِ) [4746] ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 141). .
آياتُ السَّكينةِ:
قال ابنُ القَيِّمِ: (كان شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ رَحمه اللهُ إذا اشتدَّت عليه الأمورُ، قرأ آياتِ السَّكينةِ [4747] وهي في سورة البقرة الآية (248)، وسورة التوبة الآية (26، 40)، وسورة الفتح الآية (4، 18، 26). ، وسمِعْتُه يقولُ في واقعةٍ عظيمةٍ جرت له في مرَضَهِ تعجِزُ العقولُ عن حَملِها من محاربةِ أرواحٍ شَيطانيَّةٍ ظهرت له إذ ذاك في حالِ ضَعفِ القُوَّةِ، قال: فلمَّا اشتدَّ عليَّ الأمرُ قُلتُ لأقاربي ومَن حولي: اقرَؤوا آياتِ السَّكينةِ. قال: ثمَّ أقلع عنيِّ ذلك الحالُ، وجلَسْتُ وما بي قَلَبةٌ [4748] أي: ليست بي عِلَّةٌ أقلبُ لأجلِها فأنظُرَ، وقيل: أي: عِلَّةٌ أنقَلِب بها . يُنظَر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (2/ 254)، ((فتح الباري)) لابن حجر (7/ 345). [4749] ((مدارج السالكين)) (2/ 471). .
وقال ابنُ القَيِّمِ أيضًا: (قد جرَّبْتُ أنا أيضًا قراءةَ هذه الآياتِ عندَ اضطرابِ القلبِ ممَّا يَرِدُ عليه؛ فرأيتُ لها تأثيرًا عظيمًا في سُكونِه وطُمَأنينتِه) [4750] ((مدارج السالكين)) (2/502). .

انظر أيضا: