موسوعة الأخلاق والسلوك

و- نماذِجُ من الرَّحمةِ عِندَ العُلَماءِ المُعاصِرينَ


رحمةُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ ناصِرٍ السَّعديِّ:
يقولُ عبدُ الرَّحمنِ السُّلَيمانُ العبد الرَّحمن البسَّام: (كنتُ ذاهِبًا إلى صلاةِ الظُّهرِ وأنا صغيرُ السِّنِّ في يومٍ مطيرٍ «ديم» وبردٍ قارسٍ من أيَّامِ مدينةِ عُنَيزةَ، ولَمَّا قَرُبت من الجامِعِ شاهَدتُ أمامي الشَّيخَ عبدَ الرَّحمنِ السَّعديَّ رحمه اللهُ، وقد توقَّف المطَرُ وطلَعَت الشَّمسُ، وجماعةُ المسجِدِ قد صَعِدوا إلى الطَّايةِ «السَّطح» وهي في مؤخِّرةِ المسجِدِ من أجلِ تلمُّسِ دِفءِ الشَّمسِ والاستمتاعِ بها، ولمَّا كنتُ صغيرَ السِّنِّ لم يلحَظْني الشَّيخُ ولم ينتَبِهْ لي. فصَعِد الشَّيخُ للسَّطحِ من أجلِ إمامةِ النَّاسِ بالصَّلاةِ الحاضرةِ، وأثناءَ ظُهورِه رحمه اللهُ إلى السَّطحِ شاهَد أحدَ فُقَراءِ البلَدِ مُقصَعرًّا «جامِعٌ بدَنَه بيديه ويرتجِفُ من شِدَّةِ البردِ»، وكانت ثيابُه التي عليه مُبَلَّلةً من أثَرِ المطَرِ، فتأثَّر الشَّيخُ من هذا المنظَرِ وحَزِن لذلك، فنزل رحمه اللهُ دَرَجاتٍ بعيدًا عن أعيُنِ الجماعةِ، وخَلَع بُشْتَه «العباءة» وكان من عادتِه -رحمه اللهُ- أنَّه يلبَسُ ثوبينِ أيَّامَ الشِّتاءِ فخلع ثوبَه العُلويَّ بسرعةٍ وقام بلَفِّه وجمْعِه، ثم لَبِس البُشتَ «العباءة» مرَّةً أخرى وهو يلتفُّ لعَلَّ أحدًا لم يَرَه، فصَعِد الدَّرَجَ مرَّةً أُخرى، وقابل الفقيرَ وأعطاه الثَّوبَ الذي بيَدِه، ففَرِح به ذلك الرَّجُلُ أشدَّ الفَرَحِ، وصلَّى بالجماعةِ ولم يلحَظْه أحدٌ منهم إلَّا أنا، فتعجَّبتُ منه ومن أخلاقِه العاليةِ، كما تأثَّرتُ بهذا الموقِفِ ولا زِلتُ أرى هذا الحَدَثَ وفي هذه الأيَّامِ وكأنَّه بالأمسِ القريبِ، كما أتعجَّبُ من رحمتِه بهذا الرَّجُلِ وبَذلِه لِما في يَدَيه وعَدَمِ تأخُّرِه عن تقديمِ المعروفِ، وقد مرَّ بهذا الرَّجُلِ عَدَدٌ من المصَلِّين ولم يلتَفِتوا لحالِه وبؤسِه؛ فرحمه اللهُ رحمةً واسعةً) [4157] ((مواقف اجتماعية من حياة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي)) لولده وحفيده (ص 141-142). .
رحمة ابن باز:
قال محمَّدُ بنُ موسى الموسى: (في يومٍ من الأيَّامٍ طلَب مني أحدُ السَّائقين لدى سماحةِ الشَّيخِ أن يتَّصِلَ عَبرَ الهاتِفِ بأهلِه خارِجَ البلادِ، أي: يريدُ الاتِّصالَ من الهاتِفِ الذي في منزِلِ سماحةِ الشَّيخِ، فقُلتُ له: لا بدَّ من الاستئذانِ من سماحتِه. فأتيتُ إلى سماحةِ الشَّيخِ، وقُلتُ له: فلانٌ طَلَب مني الإذنَ له بالاتِّصالِ بأهلِه، فقال سماحتُه: لعلَّك منَعْتَه؟ فقُلتُ: لا بُدَّ من إذنِ سماحتِكم. فقال: اترُكْه يتَّصِلْ، لا تمنَعوهم، ارحَموهم، أمَا لكم أولادٌ؟! أعوذُ باللهِ، الرَّسولُ يقولُ: من لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ! [4158] رواه البخاري (5997)، ومسلم (2318) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. [4159] ((جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز)) (ص: 228). .
رحمةُ ابنِ عُثَيمينَ:
قال عبدُ اللهِ بنُ عبدِ العزيزِ الغفيص: (كان يساعِدُ المحتاجين ويأمُرُ بالمعروفِ وينهى عن المُنكَرِ وهو يمشي في الطَّريقِ، وأذكُرُ أنَّ امرأةً من المُعتَمِراتِ كانت تبكي وتشتكي أنَّها فقَدَت حقيبتَها، وفيها نقودُها وحاجاتُها، وكنَّا نمشي، وإذا بالشَّيخِ يَقِفُ ويُخرِجُ من جيبِه ورقةً 500 ريال، ويُعطيها ويمضي) [4160] ((الدر الثمين في ترجمة فقيه الأمة العلامة ابن عثيمين)) لعصام عبد المنعم المري (ص: 253). .

انظر أيضا: