موسوعة الأخلاق والسلوك

هـ- نماذِجُ من حِكمةِ السَّلَفِ والعُلَماءِ


أبو حازمٍ سَلَمةُ بنُ دينارٍ الأعرَجُ:
عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ زيدِ بنِ أسلَمَ قال: (ما رأيتُ أحدًا الحِكمةُ إلى فيه أقرَبُ من أبي حازمٍ) [3620] ((صفة الصفوة)) لابن الجوزي (1/386). .
عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ:
حجَّ سُلَيمانُ بنُ عبدِ المَلِكِ ومعه عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ فأصابهم برقٌ ورَعدٌ، حتَّى كادت تنخَلِعُ قلوبُهم، فنظر سليمانُ إلى عُمَرَ وهو يضحَكُ، فقال سُليمانُ: يا أبا حفصٍ، هل رأيتَ مِثلَ هذه اللَّيلةِ قَطُّ أو سمعتَ بها؟ فقال: يا أميرَ المُؤمِنين، هذا صوتُ رحمةِ اللهِ، فكيف لو سمِعتَ صوتَ عذابِ اللهِ؟! فقال: هذه المائةُ ألفِ دِرهَمٍ، فتصدَّقْ بها. فقال عُمَرُ: أو خيرٌ من ذلك يا أميرَ المُؤمِنين؟ قال: وما هو؟ قال: قومٌ صَحِبوك في مظالِمَ لهم، لم يَصِلوا إليك، فجلَس سليمانُ فرَدَّ المظالمَ.
وحَدَث من سليمانَ بنِ عبدِ الملِكِ أنَّه قال له: يا أبا حفصٍ، إنَّا وَلِينا ما قد ترى، ولم يكُنْ لنا بتدبيرِه علمٌ، فما رأيتَ من مصلحةِ العامَّةِ فمُرْ به، فكان من ذلك أنَّ عُمَرَ أمر بعَزلِ عُمَّالِ الحَجَّاجِ، وأقيمت الصَّلاةُ في أوقاتِها بعد ما كانت أُميتَت عن وَقتِها، مع أمورٍ جليلةٍ كان يسمَعُ من عُمَرَ فيها، فقد قيل: إنَّ سليمانَ حَجَّ فرأى الخلائقَ بالموقِفِ، فقال لعُمَرَ: أما ترى هذا الخَلقَ الذي لا يُحصي عَدَدَهم إلَّا اللهُ؟ قال: هؤلاء اليومَ رعيَّتُك، وهم غدًا خُصماؤك! فبكى سليمانُ بكاءً شديدًا [3621] ((مناقب عمر)) لابن الجوزي (52، 53)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (5/121). .
رجاءُ بنُ حَيوةَ:
أُتِيَ عبدُ المَلِكِ بنُ مروانَ بأُسارى ابنِ الأشعَثِ، فقال لرَجاءِ بنِ حَيوةَ: (ماذا ترى؟ قال: إنَّ اللهَ تعالى قد أعطاك ما تحِبُّ من الظَّفَرِ فأعْطِ اللهَ ما يحِبُّ من العَفوِ! فعفا عنهم) [3622] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (260). .
الشَّافعيُّ:
جاء رجلٌ من أهلِ الكلامِ إلى الشَّافعيِّ وهو في مصرَ، فسأله عن مسألةٍ من الكلامِ، فقال له الشَّافعيُّ: (أتدري أين أنت؟ قال الرَّجُلُ: نعم. قال: هذا الموضِعُ الذي أغرق اللهُ فيه فرعونَ، أبلغك أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمر بالسُّؤالِ عن ذلك؟ قال: لا. قال: هل تكلَّم فيه الصَّحابةُ؟ قال: لا. قال: هل تدري كم نجمًا في السَّماءِ؟ قال: لا. قال: فكوكبٌ منها، تَعرِفُ جنسَه، طلوعَه، أُفولَه، ممَّ خُلِق؟ قال: لا. قال: فشيءٌ تراه بعينِك من الخَلقِ لستَ تَعرِفُه، تتكَلَّمُ في عِلمِ خالِقِه؟! ثمَّ سأله الشَّافعيُّ عن مسألةٍ من الوضوءِ فأخطأ فيها، ففرَّعها على أربعةِ أوجُهٍ، فلم يُصِبْ في شيءٍ من ذلك، فقال له: شيءٌ تحتاجُ إليه في اليومِ خمسَ مرَّاتٍ تدَعُ عِلمَه، وتتكَلَّفُ عِلمَ الخالِقِ؟ إذا هجَس في ضميرِك ذلك فارجِعْ إلى اللهِ، وإلى قولِه تعالى: وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة: 163] ) [3623] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (10/32). .
مُنذِرُ بنُ سَعيدٍ البَلوطيُّ (355ه):
دخل القاضي مُنذِرُ بنُ سعيدٍ البلوطيُّ على عبدِ الرَّحمنِ النَّاصِرِ، صاحِبِ الأندَلُسِ، بعد أن فَرَغ من بناءِ الزَّهراءِ وقُصورِها، وقد قعد في قُبَّةٍ مُزخرَفةٍ بالذَّهَبِ، والبناءِ البديعِ الذي لم يُسبَقْ إليه، ومعه جماعةٌ من الأعيانِ، فقال عبدُ الرَّحمنِ النَّاصِرُ: هل بلغَكم أنَّ أحدًا بنى مثلَ هذا البناءِ؟ فقال له الجماعةُ: لم نَرَ ولم نسمَعْ بمِثلِه، وأثنَوا وبالغوا! والقاضي مُطرِقٌ، فاستنطقه عبدُ الرَّحمنِ، فبكى القاضي، وانحدرت دموعُه على لحيتِه، وقال: واللهِ ما كنتُ أظُنُّ أنَّ الشَّيطانَ -أخزاه اللهُ تعالى- يبلُغُ منك هذا المبلَغَ، ولا أن تُمَكِّنَه من قيادِك هذا التَّمكُّنَ، مع ما آتاك اللهُ وفضَّلك به، حتَّى أنزلك منازِلَ الكافِرين! فقال له عبدُ الرَّحمنِ: انظُرْ ما تقولُ! وكيف أنزَلني مَنزِلَ الكافِرين؟ فقال: قال اللهُ تعالى: وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا [الزخرف: 33] إلى قولِه: وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف: 35] .
فوَجَم عبدُ الرَّحمنِ وبكى، وقال: جزاك اللهُ خيرًا، وأكثَرَ في المسلِمين مِثلَك، الذي قُلتَ هو الحَقُّ، وأمَر بنَقضِ سَقفِ القُبَّةِ [3624] ((سير أعلام النبلاء)) (16/ 177). .
القاضي أبو بَكرٍ الباقِلَّانيُّ:
ذَكَر الخطيبُ البغداديُّ وغيرُه عنه أنَّ عَضُدَ الدَّولةِ بَعَثه في رسالةٍ إلى مَلِكِ الرُّومِ، فلمَّا انتهى إليه إذا هو يدخُلُ عليه من بابٍ قصيرٍ، ففَهِم أنَّ مرادَه بذلك أن ينحنيَ كهيئةِ الرَّاكِعِ للمَلِكِ، فدخَل البابَ بظَهرِه وجعل يمشي القَهقَرى إلى نحوِ الملِكِ، ثم انفَتَل فسَلَّم عليه، فعَرَف الملِكُ مكانَه من العِلمِ والفَهمِ؛ فعَظَّمَه [3625] ((البداية والنهاية)) (15/ 549). .
وقد سأله بعضُ الأساقِفةِ بحَضرةِ مَلِكِهم، فقال: ما فعلَت زَوجةُ نَبيِّكم؟ وما كان من أمْرِها فيما رُمِيَت به من الإفكِ؟ فقال مجيبًا له على البديهةِ: هما امرأتانِ ذُكِرَتا بسوءٍ: مريمُ وعائشةُ، فبَرَّأَهما اللهُ عزَّ وجَلَّ، وكانت عائشةُ ذاتَ زَوجٍ ولم تأتِ بوَلَدٍ، وأتت مريمُ بوَلَدٍ ولم يكُنْ لها زوجٌ! يعني أنَّ عائشةَ أَولى بالبراءةِ من مريمَ -عليهما السَّلامُ- فإن تطَرَّقَ في الذِّهنِ الفاسِدِ احتمالٌ إلى هذه فهو إلى تلك أسرَعُ! وهما بحَمدِ اللهِ مبرَّأتانِ من السَّماءِ بوَحيٍ من اللهِ عزَّ وجَلَّ، رَضِيَ اللهُ عنهما [3626] ((البداية والنهاية)) (15/ 549). والقاضي أبو بكر الباقلاني قال عنه ابنُ كثيرٍ: (رأسُ المتكَلِّمين على مذهَبِ الشَّيخِ أبي الحسَنِ عليِّ بنِ إسماعيلَ الأشعريِّ، ومن أكثَرِ النَّاسِ كلامًا وتصنيفًا في الكلامِ). ((البداية والنهاية)) (15/ 548). .
العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ:
لمَّا دهمت التَّتارُ بلادَ المسلِمين وضاقت بالسُّلطانِ وعساكِرِه الأرضُ استشاروا الشَّيخَ عِزَّ الدِّينِ رحمه اللهُ، فقال: اخرُجوا وأنا أضمَنُ لكم على اللهِ النَّصرَ، فقال السُّلطانُ له: إنَّ المالَ في خزانتي قليلٌ، وأنا أريدُ أن أقتَرِضَ من أموالِ التُّجَّارِ، فقال له الشَّيخُ عِزُّ الدِّينِ: إذا أحضَرْتَ ما عندك وعندَ حَريمِك وأحضَرَ الأمراءُ ما عندهم من الحُليِّ الحرامِ وضرَبْتَه سِكَّةً ونَقدًا وفرَّقْتَه في الجيشِ ولم يَقُمْ بكفايتِهم، ذلك الوَقتَ اطلُبِ القَرضَ، وأمَّا قبل ذلك فلا، فأحضَرَ السُّلطانُ والعسكَرُ كُلُّهم ما عندهم من ذلك بَيْنَ يَدَيِ الشَّيخِ، وكان الشَّيخُ له عَظَمةٌ عندَهم وهَيبةٌ، بحيث لا يستطيعون مخالفتَه، فامتثلوا أمرَه فانتَصَروا [3627] ((طبقات الشافعية الكبرى)) للسبكي (8/ 215). .
محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ:
اتَّخذ الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ خُطُواتٍ حكيمةً في إصلاحِ الأمَّةِ تمثَّلَت في الخطُواتِ الآتيةِ:
1- العنايةُ بالتَّوحيدِ وتطبيقُه.
2- البدايةُ بدَعوةِ عَشيرتِه.
3- البحثُ عن دَعمِ قوَّةِ الدَّعوةِ بالسُّلطانِ.
4- غَرسُ التَّوحيدِ في قلوبِ النَّاسِ وتصحيحُ عقيدتِهم.
5- رَجَع بالنَّاسِ إلى الكتابِ والسُّنَّةِ بخُطواتٍ حكيمةٍ.
6- كتابتُه الرَّسائِلَ بأساليبِ الحِكمةِ والبيانِ.
7- الجِهادُ بالسَّيفِ والسِّنانِ، وهو آخِرُ مواقِفِ الحِكمةِ [3628] ((الحكمة في الدعوة إلى اللهِ)) لسعيد بن وهف (509 -527). .

انظر أيضا: