موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذجُ من حِكمةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


- عن عائشةَ زوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّها قالت لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا رسولَ اللهِ، هل أتى عليكَ يومٌ كان أشَدَّ من يومِ أُحُدٍ؟ فقال: ((لقَدْ لَقِيتُ مِن قَومِكِ، وكانَ أَشَدَّ ما لَقِيتُ منهم يَومَ العَقَبَةِ؛ إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي على ابنِ عبدِ يَالِيلَ بنِ عبدِ كُلَالٍ، فلم يُجِبْني إلى ما أرَدْتُ، فانطَلَقْتُ وأنا مَهمومٌ على وَجْهي، فلم أسْتَفِقْ إلَّا بقَرنِ الثَّعَالِبِ، فرَفَعْتُ رَأسي فإذا أنا بسَحابةٍ قد أظَلَّتنِي، فنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْريلُ، فناداني، فقال: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بَعَث إليك ملَكَ الجِبالِ لتَأمُرَه بما شِئتَ فيهم، قال: فناداني مَلَكُ الجِبالِ وسَلَّم عَلَيَّ، ثمَّ قال: يا محمَّدُ، إنَّ اللهَ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك، وأنا مَلَكُ الجِبالِ وقد بعثَني ربُّك إليكَ لتَأمُرَني بأمْرِك، فما شِئتَ، إنْ شِئتَ أن أُطبِقَ عليهم الأخشَبَينِ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ من أصلابِهم من يعبُدُ اللهَ وَحدَه لا يُشرِكُ به شيئًا)) [3608] أخرجه البخاري (3231)، ومسلم (1795) مطوَّلًا من حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. .
- وفي صُلحِ الحُدَيبيَةِ: دعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الكاتِبَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اكتُبْ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ. فقال سُهَيلٌ: أمَّا الرَّحمنُ فواللهِ ما أدري ما هو! ولكِنِ اكتُبْ: باسمِك اللَّهُمَّ. فقال المسلِمون: واللهِ لا نكتُبُها إلَّا بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اكتُبْ: باسمِك اللَّهُمَّ. ثمَّ قال: هذا ما قاضى عليه محمَّدٌ رسولُ اللهِ. فقال سُهَيلٌ: واللهِ لو كُنَّا نعلَمُ أنَّك رسولُ اللهِ ما صدَدْناك عن البيتِ ولا قاتَلْناك، ولكِنِ اكتُبْ: محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: واللهِ إنِّي لرَسولُ اللهِ، وإن كذَّبْتُموني، اكتُبْ: محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ...)) [3609] أخرجه البخاري (2731، 2732) مطوَّلًا من حديثِ المِسوَرِ بنِ مَخرَمةَ ومروانَ بنِ الحَكَمِ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ الله عنه قال: ((بينما نحن في المسجِدِ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ جاء أعرابيٌّ، فقام يبولُ في المسجدِ، فقال أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَهْ مَهْ! قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تُزْرِموه [3610] لا تُزْرِموه: أي: لا تَقطَعوا بولَه. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/127). دَعوه، فتركوه حتَّى بال، ثمَّ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دعاه، فقال له: إنَّ هذه المساجِدَ لا تصلُحُ لشيءٍ من هذا البولِ ولا القَذَرِ، إنَّما هي لذِكرِ اللهِ عزَّ وجَلَّ والصَّلاةِ وقراءةِ القُرآنِ، أو كما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: فأمَر رجلًا من القومِ فجاء بدَلوٍ من ماءٍ فشَنَّه [3611] الشَّنُّ: الصَّبُّ المنقَطِعُ. يُنظَر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/507). عليه [3612] أخرجه البخاري (6025) ومسلم (285). .
قال النَّوويُّ: (قال العُلَماءُ: كان قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "دعوه" لمصلحتينِ:
إحداهما: أنَّه لو قَطَع عليه بولَه تضَرَّر، وأصلُ التَّنجيسِ قد حصل، فكان احتمالُ زيادتِه أَولى من إيقاعِ الضَّرَرِ به.
والثَّانيةُ: أنَّ التَّنجيسَ قد حصل في جزءٍ يسيرٍ من المسجدِ، فلو أقاموه في أثناءِ بولِه لتنجَّسَت ثيابُه وبدَنُه ومواضِعُ كثيرةٌ من المسجِدِ، واللهُ أعلَمُ) [3613] ((شرح النووي على مسلم)) (3/ 191). .

انظر أيضا: