موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


حثَّ القرآنُ الكريمُ على حِفظِ اللِّسانِ، وحَذَّر المُؤمِنين من إطلاقِه؛ فإنَّهم مسئولون، ومن ذلك:
1- 36[.]
2- قَولُه تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: 36]، وفيه أمرُ اللَّهِ سُبحانَه بإصلاحِ اللِّسانِ والقَلبِ [3408] ((فتح القدير)) للشوكاني (3/ 269). .
قال الرَّازيُّ بعدَ أنْ ذَكَر أنَّ من معاني الآيةِ التي ذُكِرَت أنَّ المرادَ: شهادةُ الزُّورِ. أو: المرادُ: النَّهيُ عن القَذفِ ورَميِ المحصَنين والمُحصَناتِ بالأكاذيبِ. أو المرادُ: النَّهيُ عن الكَذِبِ. أو المرادُ البَهتُ، وهو في معنى الغِيبةِ، وهو ذِكرُ الرَّجُلِ في غَيبتِه بما يَسوءُه. قال: (واعلَمْ أنَّ اللَّفظَ عامٌّ يتناوَلُ الكُلَّ، فلا معنى للتَّقييدِ، واللَّهُ أعلمُ) [3409] ((تفسير الرازي)) (20/339). .
2- قولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70 - 71] .
قَوْلًا سَدِيدًا: قاصِدًا إلى الحَقِّ، والسَّدادُ: القَصدُ إلى الحَقِّ، والقولُ بالعَدلِ. والمرادُ: البعثُ على أن يَسِدَّ قَولُهم في كُلِّ بابٍ؛ لأنَّ حِفظَ اللِّسانِ وسَدادَ القولِ رأسُ الخَيرِ كُلِّه. والمعنى: راقِبوا اللَّهَ في حفظِ ألسِنَتِكم، وتسديدِ قولِكم؛ فإنَّكم إن فعَلْتُم ذلك أعطاكم اللَّهُ ما هو غايةُ الطَّلِبةِ من تقبُّلِ حسَناتِكم والإثابةِ عليها، ومِن مغفرةِ سَيِّئاتِكم وتكفيرِها [3410] يُنظَر: ((الكشاف)) للزمخشري (3/ 563). .
-وقال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا [الإسراء: 53] .
قال ابنُ كثيرٍ: (يأمُرُ تعالى رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يأمُرَ عبادَ اللَّهِ المُؤمِنين أن يقولوا في مخاطباتِهم ومحاوراتِهم الكلامَ الأحسَنَ والكَلِمةَ الطَّيِّبةَ؛ فإنَّهم إذا لم يفعلوا ذلك نزغ الشَّيطانُ بَيْنَهم، وأخرَج الكلامَ إلى الفَعالِ، ووقع الشَّرُّ والمخاصمةُ والمقاتلةُ؛ فإنَّ الشَّيطانَ عَدُوٌّ لآدمَ وذُرِّيَّتِه من حينِ امتَنَع من السُّجودِ لآدَمَ، فعداوتُه ظاهرةٌ بَيِّنةٌ؛ ولهذا نهى أن يشيرَ الرَّجُلُ إلى أخيه المُسلِمِ بحديدةٍ؛ فإنَّ الشَّيطانَ يَنزَغُ في يدِه، أي: فرُبَّما أصابه بها) [3411] ((تفسير القرآن العظيم)) (5/87). .
(وفي هذا الأمرِ أدبٌ من أرقى الآدابِ الإسلاميَّةِ وأصعَبِها إلَّا على مَن عَصَمه اللَّهُ وحَفِظَه، وهو أن يقولَ المُسلِمُ لأخيه المُسلِمِ الكَلِمةَ الطَّيِّبةَ في كُلِّ حالٍ: في غَضَبِه وسُرورِه، ومُزاحِه وجِدِّه؛ الكَلِمةَ التي لا تجرحُ قلبًا ولا تقطَعُ أواصِرَ) [3412] ((الأساس في التفسير)) لسعيد حوى (6/3096، 3097). .
-وقال تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: 83] .
(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا قولوا لهم الطَّيِّبَ من القولِ، وجازوهم بأحسَنِ ما تحبُّون أن تجازوا به، وهذا كُلُّه حَضٌّ على مكارِمِ الأخلاقِ؛ فينبغي للإنسانِ أن يكونَ قَولُه للنَّاسِ لَيِّنًا ووَجهُه مُنبَسِطًا طَلْقًا مع البَرِّ والفاجِرِ، والسُّنِّيِّ والمبتَدِعِ، من غيرِ مُداهَنةٍ، ومن غيرِ أن يتكَلَّمَ معه بكلامٍ يَظُنُّ أنَّه يُرضي مَذهَبَه) [3413] ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (2/16). .
فمعنى قَولِه: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا أي: قولًا حَسَنًا، وهو حثٌّ بليغٌ على طِيبِ الأخلاقِ وحُسنِ المعاملةِ. والقَولُ الحسَنُ: يجمَعُ سائِرَ الفضائلِ، وبه تنبَعِثُ المحبَّةُ من القلوبِ، وله تطمَئِنُّ النُّفوسُ، وبه تختفي الإحَنُ، وتذهَبُ حزازاتُ الصُّدورِ) [3414] ((أوضح التفاسير)) لمحمد بن الخطيب (1/15). .
-وقال تعالى مُثنيًا على عبادِه المُؤمِنين بإعراضِهم عن اللَّغوِ: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المُؤمِنون: 3] .
قال السَّعديُّ: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ وهو الكلامُ الذي لا خيرَ فيه ولا فائدةَ، مُعْرِضُونَ رغبةً عنه، وتنزيهًا لأنفُسِهم، وترفُّعًا عنه، وإذا مرُّوا باللَّغوِ مَرُّوا كِرامًا، وإذا كانوا مُعرِضين عن اللَّغوِ فإعراضُهم عن المحَرَّمِ مِن بابِ أَولى وأحرى، وإذا مَلَك العبدُ لِسانَه وخَزَنه إلَّا في الخيرِ، كان مالِكًا لأمرهِ) [3415] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 547). .

انظر أيضا: