موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ وغَيرِهم


رُوِيَ عن السَّلَفِ الصَّالحِ آثارٌ كثيرةٌ تُبَيِّنُ مدى معرفتِهم بخَطَرِ اللِّسانِ، وحِرصِهم على حِفظِ ألسِنَتِهم، والحَذَرِ أشَدَّ الحَذَرِ من إطلاقِ اللِّسانِ، ومن هذه الآثارِ على سبيلِ المثالِ:
- عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: (ما شيءٌ أحَقَّ بطُولِ سَجنٍ من اللِّسانِ) [3429] أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (384)، وابن وهب في ((الجامع)) (305)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5003) واللفظ له. .
- وعن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: (ما اتَّقى اللَّهَ أحدٌ حَقَّ تُقاتِه حتَّى يَخزُنَ من لسانِه) [3430] ((الأمثال)) لابن سلام (ص: 39). .
- وقال عَمرُو بنُ العاصِ رَضِيَ اللَّهُ عنه: (الكَلامُ كالدَّواءِ؛ إن أقلَلْتَ منه نَفَع، وإن أكثَرْتَ منه قَتَل) [3431] ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (2/136). .
- وقال مالِكُ بنُ دينارٍ: (كان الأبرارُ يتواصَون بثلاثٍ: بسَجنِ اللِّسانِ، وكَثرةِ الاستِغفارِ، والعُزلةِ) [3432] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (2/ 377). .
- و(اجتَمَع قُسُّ بنُ ساعِدةَ وأكثَمُ بنُ صَيفيٍّ، فقال أحَدُهما لصاحبِه: كم وجَدْتَ في ابنِ آدَمَ من العُيوبِ؟ فقال: هي أكثَرُ من أن تُحصى، والذي أحصَيتُه ثمانيةُ آلافِ عَيبٍ، ووجَدتُ خَصلةً إن استعمَلْتَها ستَرْتَ العُيوبَ كُلَّها، قال: ما هي: قال: حِفظُ اللِّسانِ) [3433] ((الأذكار)) للنووي (ص: 335). .
- وعن الحَسَنِ قال: (ما عَقَلَ دِينَه مَن لم يَحفَظْ لِسانَه) [3434] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 111). .
- وعن الصَّلْتِ بنِ بِسطامٍ التَّيميِّ قال: قال لي أبي: (الزَمْ عبدَ المَلِكِ بنَ أبجَرَ فتعَلَّمْ مِن توقِّيه في الكلامِ، فما أعلَمُ بالكوفةِ أشَدَّ تحفُّظًا للسانِه منه) [3435] ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (ص: 221). .
- وقال محمَّدُ بنُ واسِعٍ لمالِكِ بنِ دينارٍ: (يا أبا يحيى، حِفظُ اللِّسانِ أشَدُّ على النَّاسِ مِن حِفظِ الدِّينارِ والدِّرهَمِ) [3436] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 111). .
- وعن يونُسَ بنِ عُبَيدٍ قال: (ما مِن النَّاسِ أحَدٌ يكونُ لِسانُه منه على بالٍ إلَّا رأيتَ صلاحَ ذلك في سائرِ عمَلِه) [3437] ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (ص: 70). .
- وعن الحَسَنِ قال: (اللِّسانُ أميرُ البَدَنِ، فإذا جنى على الأعضاءِ بشيءٍ جَنَت، وإن عَفَّ عفَّت) [3438] ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (ص: 69). .
- قال سُلَيمانُ بنُ سالمٍ: قال لي أبو سِنانٍ: (إذا كان طالِبُ العِلمِ لا يتعَلَّمُ، أو قبلَ أن يتعَلَّمَ مسألةً في الدِّينِ يتعَلَّمُ الوقيعةَ في النَّاسِ، متى يُفلِحُ؟!)، وكان لا يتكَلَّمُ أحدٌ في مجلِسِه بغِيبةٍ في أحَدٍ، فإذا تكَلَّم بذلك نهاه وأسكَتَه [3439] ((ترتيب المدارك وتقريب المسالك)) للقاضي عياض (4/ 104). .
- قال ابنُ بطَّةَ العُكبَريُّ: (علامةُ من أراد اللَّهُ به خيرًا، وكان ممَّن سبَقَت له مِن مولاه الكريمِ عنايةٌ: أن يفتَحَ له بابَ الدُّعاءِ باللَّجَأِ والافتِقارِ إلى اللَّهِ عزَّ وجَلَّ بالسَّلامةِ والنَّجا، ويَهبَ له الصَّمتَ إلَّا بما للهِ فيه رضا، ولدينِه فيه صلاحٌ، وأن يكونَ حافِظًا للسانِه، عارفًا بأهلِ زمانِه، مقبِلًا على شأنِه، قد ترك الخوضَ والكلامَ فيما لا يعنيه، والمسألةَ والإخبارَ بما لعَلَّه أن يكونَ فيه هلاكُه، لا يحِبُّ إلَّا للهِ، ولا يبغِضُ إلَّا للهِ؛ فإنَّ هذه الفِتَنَ والأهواءَ قد فضَحَت خَلقًا كثيرًا، وكَشَفت أستارَهم عن أحوالٍ قبيحةٍ؛ فإنَّ أصونَ النَّاسِ لنفسِه أحفَظُهم للسانِه، وأشغَلُهم بدينِه، وأترَكُهم لِما لا يَعنيه) [3440] ((الإبانة الكبرى)) (2/ 596). .
- وعن حُمَيدِ بنِ هِلالٍ، قال: قال عبدُ اللَّهِ بنُ عَمرٍو: (دَعْ ما لستَ منه في شيءٍ، ولا تنطِقْ فيما لا يَعنيك، واخزُنْ لسانَك كما تَخزُنُ وَرَقَك) [3441] أخرجه ابن أبي شيبة (35858)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/288)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5007). .
- وقال عطاءُ بنُ أبي رَباحٍ: (يا بَني أخي، إنَّ مَن كان قَبْلَكم كانوا يَكرَهونَ فُضولَ الكلامِ، وكانوا يَعُدُّونَ فُضولَ الكلامِ ما عدا كِتابَ اللَّهِ أن تقرَأَه، أو تأمُرَ بمعروفٍ، أو تنهى عن مُنكَرٍ، أو تنطِقَ بحاجتِك في معيشتِك التي لا بُدَّ لك منها، أتُنكِرون إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ [الانفطار: 11]، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ [ق: 17] ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18] ؟ أمَا يستحي أحَدُكم أنْ لو نُشِرَت عليه صحيفتُه التي أملى صَدْرَ نهارِه كان أكثَرُ ما فيها ليس من أمرِ دينِه ولا دُنياه) [3442] ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (ص: 81). .
- عن عبدِ العزيزِ بنِ الماجِشُونِ، قال: قال أبو حازمٍ لبعضِ أولئك الأمراءِ: (واللَّهِ لولا تَبِعةُ لِساني لأشفَيتُ منكم اليومَ صدْري) [3443] ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (ص: 220). .
- وقال شُمَيطُ بنُ عَجلانَ: (يا ابنَ آدَمَ، إنَّك ما سَكَتَّ فأنت سالمٌ، فإذا تكَلَّمْتَ فخُذْ حِذْرَك، إمَّا لك وإمَّا عليك) [3444] ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/340). .
- وقال أبو اللَّيثِ السَّمَرْقَنديُّ: (اعلَمْ أنَّ الإنسانَ لا يغلِبُ الشَّيطانَ إلَّا بالسُّكوتِ؛ فينبغي للمُسلِمِ أن يكونَ حافِظًا للسانِه، حتَّى يكونَ في حِرزٍ من الشَّيطانِ، ويَستُرَ اللَّهُ عليه عورتَه) [3445] ((تنبيه الغافلين)) (ص: 212). .
- وعن الأوزاعيِّ قال: كَتَب إلينا عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ رحمه اللَّهُ برسالةٍ لم يحفَظْها غيري وغيرُ مكحولٍ: (أمَّا بعدُ، فإنَّه مَن أكثَرَ ذِكرَ الموتِ رَضِيَ من الدُّنيا باليسيرِ، ومَن عَدَّ كَلامَه مِن عَمَلِه قَلَّ كلامُه فيما لا ينفَعُه) [3446] ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (ص: 61). .
- وعن أبي بَكرِ بنِ عَيَّاشٍ، قال: (أربعةٌ من الملوكِ تكَلَّمَ كُلُّ واحدٍ منهم بكَلِمةٍ كأنَّها رَميةٌ رُمِيَت من قَوسٍ واحدةٍ؛ قال كِسْرى: لا أندَمُ على ما لم أقُلْ، وقد أندَمَ على ما قُلتُ، وقال مَلِكُ الصِّينِ: ما لم أتكَلَّمْ بكَلِمةٍ فأنا أملِكُها، فإن تكَلَّمْتُ بها ملَكَتْني. وقال قَيصَرُ مَلِكُ الرُّومِ: أنا على ردِّ ما لم أقُلْ أقدَرُ منِّي على ردِّ ما قُلتُ. وقال مَلِكُ الهندِ: العَجَبُ ممَّن يتكَلَّمُ بكَلِمةٍ إن هي رُفِعَتْ ضَرَّتْه، وإن لم تُرفَعْ لم تنفَعْه) [3447] ((تنبيه الغافلين)) للسمرقندي (ص: 214). ويُنظَر: ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (2/ 195)، ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (8/ 170). .
- وعن يزيدَ بنِ أبي حبيبٍ، قال: (مِن فتنةِ العالِمِ أن يكونَ الكلامُ أحَبَّ إليه من الاستماعِ، وإن وَجَد مَن يكفيه؛ فإنَّ في الاستماعِ سلامةً، وزيادةً في العِلمِ، والمستَمِعُ شريكُ المتكَلِّمِ في الكلامِ، إلَّا مَن عَصَم اللَّهُ) [3448] ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (ص: 88). .
- وعن إبراهيمَ التَّيميِّ، قال: (المُؤمِنُ إذا أراد أن يتكَلَّمَ نَظَر؛ فإن كان كلامُه له تكَلَّمَ، وإن كان عليه أمسَكَ عنه، والفاجِرُ إنَّما لسانُه رِسْلًا رِسْلًا) [3449] ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (ص: 85، 219). .
- وعن سعيدِ بنِ عَبدِ العزيزِ، قال: (رأى أبو الدَّرداءِ رَضِيَ اللَّهُ عنه امرأةً سليطةَ اللِّسانِ، فقال: لو كانت هذه خَرْساءَ كان خيرًا لها) [3450] أخرجه أحمد في ((الزهد)) (759)، وابن أبي الدنيا في ((الصمت)) (100) واللفظ له. .
- وعن يَعْلى بنِ عُبَيدٍ، قال: (سمِعتُ سُفيانَ الثَّوريَّ يقولُ: لو كان معكم من يرفَعُ الحديثَ إلى السُّلطانِ أكنتُم تتكَلَّمون بشيءٍ؟ قُلْنا: لا. قال: فإنَّ معكم مَن يَرفَعُ الحديثَ!) [3451] ((حلية الأولياء)) (7/ 69، 70). .
- وقال المُنذِرُ بنُ المُنذِرِ لَمَّا حارَب غَسَّانَ الشَّامِ، لابنِه النُّعمانِ يوصيه: (... واعلَمْ أنَّ السُّكوتَ عن الأمرِ الذي لا يعنيك خيرٌ من الكلامِ، فإذا اضطُرِرتَ إليه فتَحَرَّ الصِّدقَ والإيجازَ، تسْلَمْ إن شاء اللَّهُ تعالى) [3452] ((البيان والتبيين)) للجاحظ (3/ 293). .
-وقال أبو حامِدٍ الغَزاليُّ: (اعلَمْ أنَّ أحسَنَ أحوالِك أن تحفظَ ألفاظَك من جميعِ الآفاتِ التي ذكَرْناها من الغِيبةِ والنَّميمةِ والكَذِبِ والمِراءِ والجِدالِ وغيرِها، وتتكَلَّمَ فيما هو مباحٌ لا ضَرَرَ عليك فيه، ولا على مُسلِمٍ أصلًا، إلَّا أنَّك تتكلَّمُ بما أنت مستغنٍ عنه ولا حاجةَ بك إليه؛ فإنَّك مُضَيِّعٌ به زمانَك ومحاسَبٌ على عَمَلِ لِسانِك، وتستبدِلُ الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ) [3453] ((إحياء علوم الدين)) (3/112). .

انظر أيضا: