موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشِرًا: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ الإحسانِ


1- من الخَطَأِ أن يُظَنَّ أنَّ الإحسانَ يكونُ إحسانًا على كُلِّ حالٍ؛ فالإحسانُ إنَّما يكونُ إحسانًا إذا لم يتضَمَّنْ فِعلَ محرَّمٍ، أو تَرْكَ واجبٍ، وممَّا يدُلُّ على ذلك قولُ اللهِ تعالى: قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ [يوسف: 78 - 79] ، فإنَّهم طَلَبوا من يوسُفَ أن يُحسِنَ إليهم بتَركِ هذا الأخِ أن يذهَبَ إلى أبيه، ويأخُذَ أحدَهم بدَلَه، فامتنع وقال: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ؛ فالإحسانُ إذا تضَمَّن تَرْكَ العدلِ كان ظُلمًا؛ ولهذا كان تخصيصُ بعضِ الأولادِ على بعضٍ، وبعضِ الزَّوجاتِ على بعضٍ -وإن كان إحسانًا إلى المُخصَّصِ والمُفَضَّلِ- غيرَ جائزٍ؛ لأنَّه تَركٌ للعدلِ، وكذلك ما أشبَهَ ذلك [303] يُنظَر: ((فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام)) للسعدي (ص: 56). .
فالإحسانُ لا يكونُ إحسانًا إلَّا بعد العَدلِ، وذكر ابنُ تَيميَّةَ مثالًا على ذلك، وهو استيفاءُ الإنسانِ حَقَّه من الدَّمِ، فإنَّ هذا الاستيفاءَ عَدلٌ، أمَّا العفوُ فهو إحسان، لكِنْ إن حصَل بالعفوِ ضَرَرٌ، كان ظُلمًا من العافي إمَّا لنفسِه وإمَّا لغيرِه؛ فلا يُشرَعُ [304] ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) (5/97). .
وكذلك ليس من الإحسانِ أن يفعَلَ الإنسانُ كُلَّ ما يهواه ابنُه أو زوجُه وغيرُهما، أو يترُكَ ما يكرهونَه. قال ابنُ تَيميَّةَ مشيرًا إلى هذا المعنى: (ليس من حُسنِ النِّيَّةِ للرَّعيَّةِ والإحسانِ إليهم أن يفعَلَ ما يَهوونه، ويَترُكَ ما يَكرهونَه؛ قال تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ [المُؤمِنون: 71] ، وقال لأصحابِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ [الحجرات: 7] ) [305] ((جامع الرسائل)) (1/84). .
فالأبُ الذي يعاقِبُ ابنَه لتقصيرِه وسُوءِ تصَرُّفِه، فهذا وإن كان عقوبةً في ظاهِرِه، لكِنَّه إحسانٌ من الأبِ لتأديبِ وَلَدِه وتعليمِه وتربيتِه، فهو يعودُ بالنَّفعِ على الابنِ.
2- من الخطَأِ اعتقادُ أنَّ عِظَمَ الإحسانِ وكثرةَ العطاءِ والإنفاقِ يستلزِمُ القَبولَ عِندَ اللهِ تعالى دونَ استيفاءِ شُروطِ القَبولِ؛ فقد حذَّر اللهُ من أمرٍ يدخُلُ على المعطي ربَّما أحبط عمَلَه، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة: 264] ، فحينَئذٍ يُصبِحُ الإحسانُ سَيِّئةً لا لذاتِه، ولكِنْ بما لحِقَه من المنِّ والأذيَّةِ.
3- الاعتقادُ بأنَّ الإحسانَ لا يصدُرُ إلَّا من متَّصِفٍ بالرَّحمةِ، وهذا خطَأٌ؛ فإنَّ الإحسانَ قد يحصُلُ لغرَضٍ ما، ولا يكونُ فاعِلُه رحيمًا بإحسانِه ولا قاصِدًا للرَّحمةِ؛ فالرَّحمةُ ليست لازمةً للإحسانِ.
قال الكفَويُّ: (الرَّحمةُ والإحسانُ متغايرانِ، ولا يلزمُ من وجودِ أحَدِهما وجودُ الآخَرِ؛ لأنَّ الرَّحمةَ قد توجَدُ وافرةً في حَقِّ مَن لا يتمكَّنُ من الإحسانِ كالوالِدةِ العاجِزةِ ونحوِها، وقد يوجَدُ الإحسانُ ممَّن لا رحمةَ له في طبعِه، كالمَلِكِ القاسي؛ فإنَّه قد يحسِنُ إلى بعضِ أعدائِه لمصلحةِ مُلكِه) [306] ((الكليات)) (ص: 667). .

انظر أيضا: