موسوعة التفسير

سورةُ الرَّحْمنِ
الآيات (31-36)

ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ

غريب الكلمات:

سَنَفْرُغُ: أي: سنَقصِدُ لكم بعدَ طُولِ التَّركِ والإمهالِ، والفَراغُ في اللُّغةِ على ضَربَينِ: أحَدُهما: الفَراغُ مِنَ الشُّغلِ، والآخَرُ: القَصدُ للشَّيءِ، تقولُ: سأتفَرَّغُ لفُلانٍ، أي: سأجعَلُ قَصْدي إليه [280] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/216)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/493)، ((البسيط)) للواحدي (21/165)، ((المفردات)) للراغب (ص: 632)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 383)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 518). .
الثَّقَلَانِ: أي: الإنسُ والجِنُّ؛ سُمِّيا بذلك قيل: لأنَّهما مُثقلانِ بالتَّكليفِ. وقيل: لعِظَمِ شَأنِهما بالإضافةِ إلى ما في الأرضِ مِن غَيرِهما. وقيل: لأنَّهما مُثقَلانِ بالذُّنوبِ [281] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/216)، ((البسيط)) للواحدي (21/166)، ((تفسير البيضاوي)) (5/173). .
تَنْفُذُوا: أي: تَجوزوا وتَخرجوا، يُقالُ: نفَذَ الشَّيءُ مِن الشَّيءِ إذا خلَص منه، ونفَذ السَّهمُ في الرَّمِيَّةِ نُفوذًا ونَفاذًا، إذا خرَقَ إلى الجهةِ الأخرى، وأصلُ (نفذ): يدُلُّ على مَضاءٍ في أمرٍ وغيرِه [282] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/217)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/458)، ((البسيط)) للواحدي (21/168)، ((المفردات)) للراغب (ص: 817)، ((تفسير البغوي)) (4/336). .
أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ: أي: جَوانِبِها ونَواحيها [283] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 379)، ((تفسير ابن جرير)) (22/220)، ((المفردات)) للراغب (ص: 677). .
بِسُلْطَانٍ: أي: بمُلْكٍ وقُوَّةٍ، والسُّلطانُ: القُوَّةُ الَّتي يُتسَلَّطُ بها على الأمرِ، فالمُلْكُ والقُدرةُ والحُجَّةُ: كُلُّها سُلطانٌ [284] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 113)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/95)، ((البسيط)) للواحدي (21/169)، ((المفردات)) للراغب (ص: 420). .
شُوَاظٌ: أي: لَهَبٌ بِلَا دُخَانٍ [285] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 291)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/228)، ((المفردات)) للراغب (ص: 470)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 308)، ((الكليات)) (ص: 541). .
وَنُحَاسٌ: أي: دُخَانٌ، أو: دُخَانٌ فيه شَرَرٌ مُتطايِرٌ، وقِطْرٌ مُذابٌ، وقيل: هو الدُّخانُ الذي لا لهبَ فيه [286] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 379)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 476)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/401)، ((البسيط)) للواحدي (21/172)، ((المفردات)) للراغب (ص: 794)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/173). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى مهدِّدًا الَّذين يخالِفونَ أمْرَه: سنَقصِدُ لمُحاسَبتِكم يومَ القيامةِ -يا مَعشَرَ الإنسِ والجِنِّ- ونُجازيكم بحَسَبِ أعمالِكم؛ فبأيِّ نِعَمِ ربِّكما تُكَذِّبانِ، يا مَعْشَرَ الإنْسِ والجِنِّ؟!
ثمَّ يخبِرُ الله تعالى عن عَجْزِهم وضَعفِهم، وكمالِ سلطانِه، ونفوذِ مشيئتِه وقدرتِه، فيقول: يا مَعشَرَ الجِنِّ والإنسِ إنِ استَطَعْتُم أن تَخرجُوا هَرَبًا مِن جَوانِبِ السَّمَواتِ والأرضِ ونواحيها، فافعَلوا، لا تستطيعونَ النُّفوذَ مِن جوانبِ السَّمَواتِ والأرضِ إلَّا بقُوَّةٍ وقَهرٍ وغَلَبةٍ، وأنَّى لكم ذلك؟! فبأيِّ نِعَمِ ربِّكما تُكَذِّبانِ، يا مَعْشَرَ الإنْسِ والجِنِّ؟!
ثمَّ يذكرُ ما أعدَّ لهم، فيقولُ: يُرسَلُ عليكما لَهَبٌ عَظيمٌ مِن نارٍ لا دُخانَ معها، ويُرسَلُ عليكما دُخانٌ فيه شَرَرٌ مُتطايِرٌ، وقِطرٌ مُذابٌ، فلا تَنتَصِرانِ مِن عَذابِه؛ فبأيِّ نِعَمِ ربِّكما تُكَذِّبانِ، يا مَعْشَرَ الإنْسِ والجِنِّ؟!

تفسير الآيات:

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر تعالى ما أنعَمَ به مِن تَعليمِ العِلمِ، وخَلْقِ الإنسانِ والسَّماءِ والأرضِ، وما أودَعَ فيهما، وفَناءَ ما على الأرضِ- ذَكَر ما يَتعَلَّقُ بأحوالِ الآخِرةِ والجَزاءِ، فقال تعالى [287] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/63). :
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31).
أي: سنَقصِدُ لمُحاسَبتِكم يومَ القيامةِ -يا مَعشَرَ الإنسِ والجِنِّ- ونُجازيكم ثوابًا أو عِقابًا بحَسَبِ أعمالِكم [288] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/216)، ((تفسير القرطبي)) (17/168)، ((تفسير ابن كثير)) (7/496)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 315). قال الواحدي: (المفسِّرونَ على أنَّ هذا تهديدٌ منه لعِبادِه). ((الوسيط)) (4/222). وقال البغوي: (ليسَ المرادُ منه الفراغَ عن شُغْلٍ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى لا يَشغلُه شأْنٌ عن شأنٍ، ولكِنَّه وَعيدٌ مِن اللهِ تعالَى [للخَلْقِ] بالمحاسَبةِ، كقولِ القائلِ: لَأتفَرَّغَنَّ لك، وما به شُغْلٌ، وهذا قولُ ابنُ عبَّاسٍ والضَّحَّاكِ، وإنَّما حَسُنَ هذا الفراغُ لسَبْقِ ذِكْرِ الشَّأْنِ. وقال آخَرونَ: معناه سنَقْصِدُكم بعدَ التَّرْكِ والإمهالِ ونأخُذُ في أمْرِكم، كقولِ القائلِ للَّذي لا شُغْلَ له: قد تفرَّغْتُ لك. وقال بعضُهم: إنَّ اللهَ وَعَد أهلَ التَّقوى وأَوْعدَ أهلَ الفجورِ، ثُمَّ قال: سنَفرُغُ لكم مِمَّا وعَدْناكم وأخبَرْناكم، فنُحاسِبُكم ونُجازيكم، ونُنجِزُ لكم ما وعَدْناكم، فنُتِمُّ ذلك ونَفرُغُ منه، وإلى هذا ذَهَب الحسَنُ ومقاتلٌ). ((تفسير البغوي)) (4/336). ويُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/199). وقال الواحدي: (وقولُه: أَيُّهَا الثَّقَلَانِ يريدُ الجنَّ والإنسَ في قولِ الجميعِ). ((البسيط)) (21/166). وقال ابن كثير: (الثَّقلانِ: الإنسُ والجنُّ، كما جاء في الصَّحيحِ: «يَسمَعُها كلُّ شَيءٍ إلا الثَّقلَينِ» وفي روايةٍ: «إلَّا الجنَّ والإنسَ». وفي حديثِ الصُّورِ: «الثَّقلانِ: الإنسُ والجنُّ»). ((تفسير ابن كثير)) (7/496). .
فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان ما تقدَّم مِن أجَلِّ النِّعَمِ الَّتي يَدورُ عليها العِبادُ، ويَصلُحُ بها البِلادُ، وتقومُ بها السَّمَواتُ والأرضُ؛ لأنَّ مُطلَقَ التَّهديدِ يَحصُلُ به انزِجارُ النَّفْسِ عَمَّا لها مِنَ الانتِشارِ فيما يَضُرُّ ولا يَنفَعُ؛ فكيف بالتَّهديدِ بيَومِ الفَصلِ- قال تعالى [289] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/170). :
فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32).
أي: فبأيِّ نِعَمِ ربِّكما تُكَذِّبانِ، يا مَعْشَرَ الإنْسِ والجِنِّ [290] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/217). ؟!
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بانَ أنَّ اللهَ تعالى لا يَشغَلُه شَأنٌ عن شأنٍ، كأنَّ قائِلًا قال: فلِمَ أخَّرَ عَذابَهم؟ فأُجيبَ بأنَّ الجَميعَ في قَبضتِه، وأنَّ الَّذي يَستَعجِلُ إنَّما يَخافُ الفَوتَ، والجَميعُ في قَبضةِ اللهِ تعالى، فلا يَفوتُونَه [291] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (18/330). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الرازي)) (29/361). .
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا.
أي: يا مَعشَرَ الجِنِّ والإنسِ إنِ استَطَعْتُم أن تَنفُذوا مِن جَوانِبِ السَّمَواتِ والأرضِ ونواحيها الواسِعةِ، فتَخرُجوا منها فِرارًا مِن رَبِّكم حتَّى لا يَقدِرَ عليكم- فافعَلوا [292] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/217، 218)، ((الوسيط)) للواحدي (4/222)، ((تفسير الزمخشري)) (4/448)، ((تفسير الرازي)) (29/361)، ((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) لابن القيم (ص: 423، 424)، ((تفسير ابن كثير)) (7/496)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/171)، ((تفسير الشوكاني)) (5/165)، ((تفسير السعدي)) (ص: 830)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/258، 259)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 316). قال الشنقيطي: (المَعْشَرُ في لغةِ العربِ: الجماعةُ، كُلُّ جماعةٍ تُسَمَّى مَعْشَرًا، ويُجمَعُ على: مَعاشِرَ. كان بعضُهم يقولُ: لأنَّ بعضَهم يُعاشِرُ بعضًا. وقد يُطْلَقُ المَعْشَرُ على الجماعةِ المتَّفِقينَ في نِحْلةٍ أو ناحيةٍ وإن لم يُعاشِرْ بعضُهم بعضًا). ((العذب النمير)) (2/229). وقال السمعاني: (اختلَفوا أنَّ هذا القَولَ متى يكونُ؟ فالأكثَرونَ على أنَّه يومَ القيامةِ يَكونُ، ويُنزِلُ اللهُ تعالى الملائِكةَ حتَّى يَنفُذوا على أقطارِ السَّمَواتِ والأرضِ، فإذا رأى الجِنُّ والإنسُ أهوالَ القيامةِ هَرَبوا، فتَرُدُّهم الملائِكةُ... ويُقالُ: إنَّ المرادَ هو الهَربُ مِنَ الموتِ، يعني: إنِ استَطَعتُم أن تَنفُذوا مِن أقطارِ السَّمَواتِ والأرضِ هَرَبًا مِن الموتِ، فانفُذوا). ((تفسير السمعاني)) (5/330). وممَّن قال بأنَّه يُقالُ لهم ذلك يَومَ القيامةِ: ابنُ القيِّم، وابن كثير، والسعدي، وابن عثيمين. يُنظر: ((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) لابن القيم (ص: 423، 424)، ((تفسير ابن كثير)) (7/496)، ((تفسير السعدي)) (ص: 830)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات- الحديد)) (ص: 316). وممَّن قال بأنَّ المرادَ: الهَربُ مِنَ الموتِ في الدُّنيا: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والواحديُّ، والخازنُ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/199)، ((الوسيط)) للواحدي (4/222)، ((تفسير الخازن)) (4/228). !
قال تعالى: وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [العنكبوت: 22].
لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ.
أي: ليسَت لكم -يا مَعشَرَ الجِنِّ والإنسِ- استِطاعةٌ على النُّفوذِ مِن أقطارِ السَّمَواتِ والأرضِ إلَّا بقُوَّةٍ وقَهرٍ وغَلَبةٍ، وليس لكم ذلك [293] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/448، 449)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/171)، ((تفسير الشوكاني)) (5/165)، ((تفسير السعدي)) (ص: 830)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات- الحديد)) (ص: 316). ممَّن اختار في الجملةِ أنَّ قولَه: بِسُلْطَانٍ أي: بقُوَّةٍ وقَهرٍ وغَلَبةٍ: الزمخشريُّ، والبيضاوي، والنسفي، والخازن، والعُلَيمي، والشوكاني، والقاسمي، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/449)، ((تفسير البيضاوي)) (5/173)، ((تفسير النسفي)) (3/414)، ((تفسير الخازن)) (4/228)، ((تفسير العليمي)) (6/486)، ((تفسير الشوكاني)) (5/165)، ((تفسير القاسمي)) (9/108)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 169). واقتصَر ابنُ جُزَي، وجلالُ الدِّينِ المحلِّيُّ على تفسيرِه بالقوَّةِ. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/329)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 710). قال ابن عطيَّة: (السُّلطانُ هنا القوَّةُ على غرضِ الإنسانِ، ولا يُستعمَلُ إلَّا في الأعظَمِ مِن الأمرِ والحُجَج أبدًا مِن القويِّ في الأمورِ، ولذلك يُعبِّرُ كثيرٌ مِن المفسِّرينَ عن السُّلطانِ بأنَّه الحُجَّةُ). ((تفسير ابن عطية)) (5/230). قال ابن الجوزي: (قوله عزَّ وجلَّ: لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ فيه ثلاثةُ أقوالٍ: أحَدُها: لا تَنفُذونَ إلَّا في سُلطانِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّه مالِكُ كُلِّ شَيءٍ. قاله ابنُ عبَّاسٍ. والثَّاني: لا تَنفُذونَ إلَّا بحُجَّةٍ. قاله مجاهِدٌ. والثَّالثُ: لا تَنفُذونَ إلَّا بمُلكٍ، وليس لكم مُلكٌ. قاله قَتادةُ). ((تفسير ابن الجوزي)) (4/211). وممَّن اختار أنَّ المرادَ الحُجَّةُ: ابنُ جرير، ومكِّي، والسمعانيُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/221)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/7674)، ((تفسير السمعاني)) (5/330). وممَّن اختار أنَّ المعنى: إلَّا بمُلْكي، وفي سُلْطاني، أي: حيثُما توجَّهْتُم كنتم في ملْكي وسلْطاني: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والبغويُّ، وابنُ الجوزي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/199)، ((تفسير البغوي)) (4/336)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 384). وقال الرَّسْعَني: (بقُدرةٍ تَتسَلَّطون بها على ما تُريدون، وأنَّى لكم ذلك وأنتم خَلْقي، وتحتَ سُلْطاني، وفي قبضتي؟!). ((تفسير الرسعني)) (7/561). وقال ابن عاشور: (السُّلْطانُ: القُدرةُ، أي: لا تَنفُذون مِن هذا المأزِقِ إلَّا بقُدرةٍ عظيمةٍ تَفوقُ قُدرةَ الله الَّذي حشَرَكم لهذا الموقفِ، وأنَّى لكم هاتِه القوَّةُ؟!). ((تفسير ابن عاشور)) (27/259). وقال السعدي: (إلَّا بقوَّةٍ وتسَلُّطٍ منكم، وكمالِ قُدرةٍ، وأنَّى لهم ذلك؟!). ((تفسير السعدي)) (ص: 830). وقال الواحدي: (معنى السُّلْطانِ: القوَّةُ الَّتي يُتسَلَّطُ بها على الأمرِ، ثمَّ الملْكُ والقُدرةُ والحُجَّةُ كلُّها سُلْطانٌ، يدُلُّ على أنَّه واحدٌ). ((البسيط)) (21/169). !
فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34).
أي: فبأيِّ نِعَمِ ربِّكما تُكَذِّبانِ، يا مَعْشَرَ الإنْسِ والجِنِّ [294] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/221)، ((تفسير السمرقندي)) (3/384). ؟!
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35).
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ.
أي: يُرسَلُ عليكما -يا مَعشَرَ الجِنِّ والإنسِ- لَهَبٌ عَظيمٌ مُنتَشِرٌ مِن نارٍ لا دُخانَ معها، ويُرسَلُ عليكما دُخانٌ فيه شَرَرٌ مُتطايِرٌ، وقِطرٌ مُذابٌ [295] يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (2/244)، ((معاني القرآن)) للفراء (3/117)، ((تفسير ابن جرير)) (22/221، 225)، ((معاني القرآن)) للزجاج (5/99)، ((تفسير الزمخشري)) (4/449)، ((تفسير القرطبي)) (17/170، 171)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/173)، ((تفسير السعدي)) (ص: 831). قال القرطبي: (أي: لو خرَجْتُم أُرسِلَ عليكم شُواظٌ مِن نارٍ، وأخَذَكم العذابُ المانِعُ مِن النُّفوذِ. وقيل: ليس هذا متعَلِّقًا بالنُّفوذِ، بل أخبَرَ أنَّه يُعاقِبُ العُصاةَ عَذابًا بالنَّارِ). ((تفسير القرطبي)) (17/170). وقال ابن عاشور: (الشُّواظُ: اللَّهبُ الَّذي لا يُخالِطُه دُخَانٌ؛ لأنَّه قد كمَلَ اشتعالُه، وذلك أشدُّ إحراقًا). ((تفسير ابن عاشور)) (27/260). قال ابن الجوزي: (في «النُّحَاسِ» قَولانِ؛ أحدُهما: أنَّه دُخانُ النَّارِ... والقَولُ الثَّاني: أنَّه الصُّفْرُ المُذابُ). ((تفسير ابن الجوزي)) (4/211). ويُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/497، 498)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/260). وممَّن جمع بين المعنيَينِ للنُّحَاسِ: البقاعي. يُنظر: ((نظم الدرر)) (19/173). قال البِقاعي: (أي: دُخانٌ هو في غايةِ الفَظاعةِ، فيه شَرَرٌ مُتطايِرٌ، وقِطرٌ مُذابٌ). ((نظم الدرر)) (19/173). .
كما قال تعالى: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ [الحجر: 16 - 18] .
وقال سُبحانَه: انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ [المرسلات: 30 - 33] .
فَلَا تَنْتَصِرَانِ.
أي: فلا يُمكِنُكما الانتِصارُ -يا مَعشَرَ الجِنِّ والإنسِ-، فلا تمتَنِعانِ مِن عَذابِه بأنفُسِكم، ولا بناصِرٍ مِن غَيرِكم [296] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/226)، ((الوسيط)) للواحدي (4/223)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/260). !
كما قال تعالى: فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ [الطارق: 10] .
فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان تخويفُه سُبحانَه لعِبادِه نِعمةً مِنه عليهم، وسَوطًا يَسوقُهم به إلى أعلى المَطالِبِ، وأشرَفِ المواهِبِ- امتَنَّ عليهم، فقال [297] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 831). :
فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36).
أي: فبأيِّ نِعَمِ ربِّكما تُكَذِّبانِ، يا مَعْشَرَ الإنْسِ والجِنِّ [298] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 831). ؟!

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ هذه الجُملةُ المقصودُ بها الوَعيدُ، كما يقولُ قائلٌ لِمَن يَتَوَعَّدُه: سأتفَرَّغُ لك، وأُجازيك، وليس المعنى أنَّ اللهَ تعالى يَشغَلُه شأنٌ عن شأنٍ، ثمَّ يَفْرُغُ مِن هذا ويأتي إلى هذا! هو سُبحانَه يُدَبِّرُ كلَّ شيءٍ في آنٍ واحدٍ في مَشارقِ الأرضِ ومَغاربِها، وفي السَّمَواتِ وفي كُلِّ مكانٍ، يُدَبِّرُه في آنٍ واحدٍ ولا يُعجِزُه، فلا تتوهمَنَّ أنَّ قولَه: سَنَفْرُغُ أنَّه -تعالى- الآنَ مَشغولٌ وسَيَفرُغُ! بل هذه جُملةٌ وعيديَّةٌ تُعَبِّرُ بها العَرَبُ، والقُرآنُ الكريمُ نَزَلَ بلُغةِ العَرَبِ [299] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 315). .
2- في قَولِه تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ سؤالٌ عن سَبَبِ التَّثنيةِ بعدَ الجَمعِ.
الجَوابُ: لأنَّهما فَريقانِ، وكُلُّ فَريقٍ جَمعٌ، وهذا كقَولِه تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ ولم يقُلْ: «إنِ استَطعْتُما»؛ لأنَّهما فريقانِ في حالِ الجَمعِ، كقَولِه تعالى: فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ [النمل: 45] ، وقَولِه تعالى: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [300] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (18/330). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الثعلبي)) (9/186). [الحج: 19] .
3- يدُلُّ ما تضَمَّنَتْه سورةُ (الرَّحمن) على أنَّ الجِنَّ مُكَلَّفونَ مُخاطَبونَ، مَأمورونَ مَنهِيُّونَ، مُثابونَ مُعاقَبونَ، كالإنسِ سَواءً؛ مُؤمِنُهم كمُؤمِنِهم، وكافِرُهم ككافِرِهم؛ فإنَّه سُبحانَه وتعالى ذَكَرَ خَلْقَ النَّوعَينِ في قَولِه تعالى: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ [الرحمن: 14، 15]، ثمَّ خَاطَبَ النَّوعَينِ بالخِطابِ المتضمِّنِ لاستِدعاءِ الإيمانِ منهم، وإنكارِ تَكذيبِهم بالآيةِ، وتَرغيبِهم في وَعْدِه، وتخويفِهم مِن وَعيدِه، وتهديدِهم؛ بقَولِه تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ، وتخويفِهم مِن عواقِبِ ذنوبِهم، وأنَّه لِعِلْمِه بها لا يَحتاجُ أنْ يَسألَهم عنها سُؤالَ استِعلامٍ، بل يُعْرَفُ المجرِمونَ منهم بسِيماهم فيُؤخَذُ بنواصيهم والأقدامِ، ثمَّ ذَكَر عِقابَ الصِّنفَينِ وثَوابَهم، وهذا كُلُّه تَصريحٌ في أنَّهم هم المُكَلَّفون، المأمورونَ المنهيُّون، المُثابون المُعاقَبون. ومِن الأدِلَّةِ على ذلك أيضًا قَولُه تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ * وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [الأحقاف: 18، 19]، وقولُه سبحانَه: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن: 1، 2] إلى قولِه: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [301] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 422)، ((تفسير الشربيني)) (4/167). [الجن: 14، 15].
4- في قَولِه تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إلى آخِرِ السِّياقِ: إعلانٌ لهم بأنَّهم في قَبضةِ اللهِ تعالى لا يَجِدونَ مَنجًى منها، وهو تَرويعٌ للضَّالِّينَ والمُضِلِّينَ مِنَ الجِنِّ والإنسِ بما يترَقَّبُهم مِنَ الجَزاءِ السَّيِّئِ؛ لأنَّ مِثلَ هذا لا يُقالُ لجَمعٍ مُختَلِطٍ إلَّا والمقصودُ أهلُ الجِنايةِ مِنهم [302] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/258). . وذلك على قولٍ في التفسيرِ.
5- في قَولِه تعالى: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا دَلالةٌ على أنَّ كُلَّ واحِدةٍ منها مُحيطةٌ بالأخرى؛ لأنَّ النُّفوذَ لا يكونُ حَقيقةً إلَّا مع الخَرْقِ [303] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/171). .
6- زَعَم بَعضُ مَن لا عِلْمَ عِندَه بكتابِ اللهِ تعالى أنَّ قَولَه جَلَّ وعلا: لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ يُشيرُ إلى الوُصولِ إلى السَّماءِ، بدعوى أنَّ المرادَ بالسُّلطانِ في الآيةِ هو هذا العِلمُ الحادِثُ، الَّذي مِن نتائِجِه الصَّواريخُ والأقمارُ الصِّناعيَّةُ، وإذَنْ فإنَّ الآيةَ قد تكونُ فيها الدَّلالةُ على أنَّهم يَنفُذونَ بذلك العِلمِ مِن أقطارِ السَّمَواتِ والأرضِ! وهذا مردودٌ مِن أوجُهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ معنى الآيةِ الكريمةِ هو إعلامُ اللهِ جَلَّ وعلا خَلْقَه أنَّهم لا مَحيصَ لهم ولا مَفَرَّ عن قَضائِه، ونُفوذِ مَشيئتِه فيهم، وذلك عندَما تحُفُّ بهم صُفوفُ الملائِكةِ يومَ القيامةِ -وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ-، فكُلَّما فَرُّوا إلى جِهةٍ وَجَدوا صُفوفَ الملائِكةِ أمامَهم، ويُقالُ لهم في ذلك الوَقتِ: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ...، والسُّلطانُ قيل: الحُجَّةُ والبَيِّنةُ، وقيل: المُلْكُ والسَّلْطَنةُ، وكُلُّ ذلك مَعدومٌ عندَهم يومَ القيامةِ؛ فلا نُفوذَ لهم.
الثَّاني: أنَّ الجِنَّ أعطاهم اللهُ القُدرةَ على الطَّيرانِ والنُّفوذِ في أقطارِ السَّمَواتِ والأرضِ، وكانوا يَستَرِقونَ السَّمْعَ مِنَ السَّماءِ، وإنَّما مُنِعوا من ذلك حينَ بُعِثَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فالجِنُّ كانوا قادِرينَ على بُلوغِ السَّماءِ مِن غَيرِ حاجةٍ إلى صاروخٍ ولا قَمَرٍ صِناعيٍّ! فلو كان معنى الآيةِ هو ما يَزعُمُه أولئك لم يَقُلْ: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ؛ لأنَّهم كانوا يَنفُذونَ إلى السَّماءِ قبْلَ حُدوثِ السُّلطانِ المزعومِ!
الوجهُ الثَّالثُ: أنَّ العِلمَ المذكورَ -الَّذي لا يُجاوِزُ صِناعةً يَدويَّةً- أهوَنُ على اللهِ جَلَّ وعلا مِن أن يُطلِقَ عليه اسمَ السُّلطانِ؛ لأنَّه لا يُجاوِزُ أغراضَ هذه الحياةِ الدُّنيا، ولا نَظَر فيه البتَّةَ لِما بعدَ الموتِ، وعِلمُ هؤلاء الكُفَّارِ نفى اللهُ عنه اسمَ العِلمِ الحَقيقيِّ، وأثبَتَ له أنَّه عِلمٌ ظاهِرٌ مِنَ الحياةِ الدُّنيا، وذلك في قَولِه تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم: 6، 7]؛ فحِذْقُ الكُفَّارِ في الصِّناعاتِ اليَدويَّةِ كحِذقِ بَعضِ الحَيواناتِ في صِناعتِها بإلهامِ اللهِ لها ذلك!
الوجهُ الرَّابعُ: أنَّا لو سَلَّمْنا تسليمًا جَدَليًّا أنَّ ذلك المعنى المزعومَ كَذِبًا هو معنى الآيةِ، فإنَّ اللهَ تعالى أتْبَعَ ذلك بقَولِه: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ الآيةَ، فهو يدُلُّ -على ذلك التَّقديرِ- على أنَّهم لو أرادوا النُّفوذَ في أقطارِها أحَرَقَهم ذلك الشُّواظُ والنُّحاسُ [304] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/261، 262). !
الوجهُ الخامسُ: أنَّ الآيةَ في سياقِ التَّحدِّي يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ، ولا يمكنُ أنْ يَتَحَدَّى اللهُ عزَّ وجلَّ أحدًا بما يستطيعُ! التَّحدِّي معناه أنَّ المخاطَبَ لا يستطيعُ، وإذا كان أفضلُ رسولٍ في البشرِ وأفضلُ رسولٍ في الملائكةِ لم يَدْخُلا السَّماءَ الدُّنيا إلَّا باستفتاحٍ وإِذْنٍ؛ فكيف بهؤلاء [305] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الزخرف)) (ص: 41). ؟!
7- في قَولِه تعالى: فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ سُؤالٌ: أنَّ قَولَه تعالى: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ لا يخفى ما يَسبِقُ إلى الذِّهنِ مِن أنَّ إرسالَ شُواظِ النَّارِ والنُّحاسِ، وعَدَمَ الانتِصارِ؛ ليس في شَيءٍ منه إنعامٌ على الثَّقَلينِ، وقولُه لهم: فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُفهَمُ منه أنَّ إرسالَ الشُّواظِ والنُّحاسِ، وعَدَمَ الانتِصارِ: هو مِن آلاءِ اللهِ -أي: نِعَمِه على الجِنِّ والإنسِ!
الجوابُ مِن وَجهَينِ:
الأوَّلُ: أنَّ تكريرَ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ للتَّوكيدِ، ولم يُكَرِّرْه مُتوالِيًا؛ لأنَّ تكريرَه بعدَ كُلِّ آيةٍ أحسَنُ مِن تكريرِه مُتوالِيًا، وإذا كان للتَّوكيدِ فلا إشكالَ؛ لأنَّ المذكورَ منه بعدَ ما ليس مِن الآلاءِ مُؤَكِّدٌ للمَذكورِ بعدَ ما هو مِنَ الآلاءِ.
الثَّاني: أنَّ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذُكِرَتْ بعدَ ذِكرِ الإنذارِ والتَّخويفِ؛ ففيه أيضًا أعظَمُ نِعمةٍ على العَبدِ؛ لأنَّ إنذارَه في دارِ الدُّنيا مِن أهوالِ يومِ القيامةِ هو مِن أعظَمِ نِعَمِ اللهِ عليه؛ ألَا ترى أنَّه لو كان أمامَ إنسانٍ مُسافِرٍ مَهلَكةٌ كُبرى وهو مُشرِفٌ على الوُقوعِ فيها مِن غيرِ أن يَعلَمَ بها، فجاءه إنسانٌ فأخبَرَه بها وحَذَّره مِنَ الوُقوعِ فيها؛ أنَّ هذا يكونُ يدًا له عندَه، وإحسانًا يُجازيه عليه جزاءَ أكبَرِ الإنعامِ؟ وهذا الوَجهُ الأخيرُ هو مُقتضى الأُصولِ؛ لأنَّه قد تقَرَّرَ في عِلمِ الأُصولِ: أنَّ النَّصَّ إذا احتَمَل التَّوكيدَ والتَّأسيسَ فالأصلُ حَملُه على التَّأسيسِ لا على التَّوكيدِ؛ لأنَّ في التَّأسيسِ زِيادةَ مَعنًى ليست في التَّوكيدِ، وعلى هذا القَولِ فتكريرُ: فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ إنَّما هو باعتِبارِ أنواعِ النِّعَمِ المذكورِ قَبْلَها؛ مِن إنعامٍ، أو مَوعِظةٍ، أو إنذارٍ [306] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب)) للشنقيطي (ص: 227). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عرفة)) (4/124). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
- قولُه: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ تَخلُّصٌ مِن الاعتِبارِ بأحوالِ الحَياةِ العاجلةِ إلى التَّذكيرِ بأحوالِ الآخِرةِ والجزاءِ فيها؛ انتُقِلَ إليه بمُناسَبةِ اشتِمالِ ما سبَقَ مِن دَلائلِ سَعةِ قُدرةِ اللهِ تعالَى، على تَعريضٍ بأنَّ فاعلَ ذلك أهلٌ للتَّوحيدِ بالإلهيَّةِ، ومُستحِقٌّ الإفرادَ بالعِبادةِ، وإذ قد كان المُخاطَبون بذلك مُشرِكين مع اللهِ في العِبادةِ، انتُقِلَ إلى تَهديدِهم بأنَّهم وأولياءَهم مِن الجِنِّ المُسوِّلينَ لهم عِبادةَ الأصنامِ، سيُعرَضون على حُكمِ اللهِ فيهم [307] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/256). .
- وحرْفُ التَّنفيسِ (السِّين) مُستعمَلٌ في مُطلَقِ التَّقريبِ المُكنَّى به عن التَّحقيقِ [308] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/257). .
- قولُه: سَنَفْرُغُ قُرِئَ بالياءِ المفتوحةِ سَيَفْرُغُ [309] قرأها بالياءِ حمزةُ، والكِسائيُّ، وخلَفٌ، وقرَأها الباقونَ بالنُّونِ. يُنظر: ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (2/381). ، على أنَّ الضَّميرَ عائدٌ إلى اللهِ تعالى على طَريقةِ الالتِفاتِ [310] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/257). .
2- قولُه تعالَى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
- قولُه: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ هما الثَّقَلانِ، خُوطِبا باسمِ جِنسِهما؛ لزيادةِ التَّقريرِ، ولأنَّ الجِنَّ مَشهورونَ بالقُدرةِ على الأفاعيلِ الشَّاقَّةِ، فخُوطِبوا بما يُنبِئُ عن ذلكَ؛ لبَيانِ أنَّ قُدرتَهُم لا تَفِي بما كُلِّفُوه [311] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/181). .
- وقيل: قولُه: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مَقولُ قولٍ مَحذوفٍ يدُلُّ عليه سِياقُ الكلامِ السَّابقِ واللَّاحقِ، وليس خِطابًا للإنسِ والجنِّ في الحياةِ الدُّنيا -على قولٍ-، والتَّقديرُ: فنقولُ لكم: يا مَعشَرَ الجنِّ... فقولُه: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ المقصودُ به أهلُ الجِنايةِ منهم؛ فهو عامٌّ مُرادٌ به الخصوصُ، بقَرينةِ قولِه بعْدَه: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ [الرحمن: 35] إلخ [312] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/258). . وذلك على قولٍ.
- فإنْ قِيل: ما الحِكمةُ في تَقديمِ الجِنِّ على الإنسِ هاهنا، وتقديمِ الإنسِ على الجنِّ في قولِه تَعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء: 88] ؟
الجوابُ: النُّفوذُ مِن أقطارِ السَّمواتِ والأرضِ بالجنِّ ألْيَقُ -إنْ أمكَنَ-، والإتيانُ بمِثلِ القُرآنِ بالإنسِ ألْيَقُ -إنْ أمكَنَ-؛ فقُدِّمَ في كلِّ مَوضعٍ مَن يُظَنُّ به القُدرةُ على ذلك [313] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/362). .
- قال تعالَى: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ [الرحمن: 33]، ولم يقُلْ: (إنِ استطعتُما)؛ لإرادة الجَماعةِ كما في آيةٍ أخرَى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ [الأنعام: 130] ، وقال تعالَى: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا [الرحمن: 35]، ولم يقُلْ: (يُرسَل عليكم)؛ لإرادةِ الصِّنفَينِ، أي: لا يختصُّ به صِنفٌ عن صِنفٍ، بلْ يُرسَلُ ذلك على الصِّنفينِ معًا. وهذا وإنْ كان مرادًا بقولِه تعالَى: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ [الرحمن: 33]؛ فخِطابُ الجَماعةِ في ذلك بلفظ الجمْعِ أحسَنُ، أي: مَنِ استطاعَ منكم. وحسَّنَ الخِطابَ بالتَّثنيةِ في قولِه تعالى: عَلَيْكُمَا [الرحمن: 35] أمرٌ آخَرُ، وهو موافقةُ رُؤوسِ الآيِ؛ فاتَّصلَتِ التَّثنيةُ بالتَّثنيةِ. وفيه التَّسويةُ بيْن الصِّنفينِ في العذابِ بالتَّنصيصِ عليهما، فلا يَحتمِلُ اللَّفظُ إرادةَ أحدِهما [314] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 424). . فقولُه: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ هو لبيانِ عَجزِهم وعَظَمةِ ملْكِ الله تعالى؛ فقال: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا باجتِماعِكم وقوَّتِكم فَانْفُذُوا، ولا تَستطيعون؛ لِعَجزِكم؛ فقد بان عندَ اجتِماعِكم واعتِضادِكم بعضِكم ببعضٍ؛ فهو عندَ افتِراقِكم أظهَرُ، فهو خِطابٌ عامٌّ مع كلِّ أحدٍ عندَ الانضِمامِ إلى جميعِ مَن عَداهُ مِن الأعوانِ والإخوانِ. وأمَّا قولُه تعالى: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا فهو لِبَيانِ الإرسالِ على النَّوعَينِ، لا على كلِّ واحدٍ منهما؛ لأنَّ جميعَ الإنسِ والجِنِّ لا يُرسَلُ عليهم العذابُ والنَّارُ، فهو يُرسَلُ على النَّوعَينِ، ويَتخلَّصُ منه بعضٌ منهما -بفضلِ الله-، ولا يَخرُجُ أحدٌ مِن الأقطارِ أصلًا.
ويُجابُ أيضًا بأنَّ الخِطابَ مع المَعْشَرِ؛ فقولُه: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أيُّها المَعشَرُ، وقولُه: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا ليس خِطابًا مع النِّداءِ، بل هو خِطابٌ مع الحاضِرينَ -وهما نَوعانِ-، وليس الكلامُ مذكورًا بحرفِ واوِ العطفِ حتَّى يكونَ النَّوعانِ مُنادَيَينِ في الأوَّلِ! وعندَ عدَمِ التَّصريحِ بالنِّداءِ فالتَّثنيةُ أَوْلى، كقولِه تعالى: فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، وهذا يتأيَّدُ بقولِه تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ، وحيثُ صرَّح بالنِّداءِ جمَع الضَّميرَ، وقال بعدَ ذلك: فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حيث لم يُصرِّحْ بالنِّداءِ [315] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/362، 363). .
- والشَّرطُ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا مُستعمَلٌ في التَّعجيزِ، وكذلك الأمرُ الَّذي هو جوابُ هذا الشَّرطِ مِن قولِه: فَانْفُذُوا، أي: وأنتم لا تَستَطيعون الهُروبَ، والمعْنى: إنْ قدَرْتُم على الانفلاتِ مِن هذا الموقفِ فأفْلِتُوا، وهذا مُؤْذِنٌ بالتَّعريضِ بالتَّخويفِ ممَّا سيَظهَرُ في ذلك الموقفِ مِن العقابِ لأهلِ التَّضليلِ [316] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/258، 259). .
- وذِكرُ السَّمواتِ والأرضِ؛ لتَحقيقِ إحاطةِ الجِهاتِ كلِّها تَحقيقًا للتَّعجيزِ، أي: فهذه السَّمواتُ والأرضُ أمامَكم، فإنِ استَطَعْتُم فاخْرُجوا مِن جهةٍ منها فِرارًا مِن مَوقفِكم هذا؛ وذلك أنَّ تَعدُّدَ الأمكنةِ يُسهِّلُ الهروبَ مِن إحدى جِهاتِها [317] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/259). .
- والأرضُ المذكورةُ هنا إمَّا أنْ تكونَ الأرضَ الَّتي في الدُّنيا، وذلك حينَ البعثِ، وإمَّا أنْ تكونَ أرضَ الحشْرِ، وهي الَّتي سمَّاها القرآنُ بِالسَّاهِرَةِ في سُورةِ (النازعاتِ) [14]، وإمَّا أنْ يكونَ ذلك جاريًا مَجْرى المثَلِ المُستعمَلِ للمُبالَغةِ في إحاطةِ الجهاتِ، وهذه المعاني لا تَتنافى، وهي مِن حدِّ إعجازِ القرآنِ [318] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/259). .
- وجُملةُ لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ بَيانٌ للتَّعجيزِ الَّذي في الجُملةِ قبْلَه [319] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/258). !
3- قولُه تعالَى: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
- قولُه: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ استِئنافٌ بَيانيٌّ عن جُملةِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا ... [الرحمن: 33] إلخ؛ لأنَّ ذلك الإشعارَ بالتَّهديدِ يُثيرُ في نُفوسِهم تَساؤلًا عمَّا وراءَه [320] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/260). .
- وضَميرُ عَلَيْكُمَا راجعٌ إلى الجنِّ والإنسِ؛ فهو عامٌّ مُرادٌ به الخُصوصُ بالقرينةِ، وهي قولُه بعْدَه: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن: 46] الآياتِ، وهذا تَصريحٌ بأنَّهم مُعاقَبون بعْدَ أنْ عرَّضَ لهم بذلك تَعريضًا بقولِه: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا[الرحمن: 33]، والمُضارعُ يُرْسَلُ للحالِ، أي: ويُرسَلُ عليكما الآنَ شُواظٌ [321] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/260). . وذلك على قولٍ في التفسيرِ.
- قولُه: شُوَاظٌ مُتعلِّقٌ بـ يُرْسَلُ، أو بمُضمرٍ هو صِفةٌ للشُّواظِ، أي: كائنٌ مِن نارٍ، والتَّنوينُ للتَّفخيمِ [322] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/182). .
- وذيل بقولِه: فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ بعْدَ قولِه: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ؛ فإنَّ التَّهديدَ لُطْفٌ، والتَّمييزَ بيْنَ المطيعِ والعاصي بالجزاءِ والانتقامِ مِن الكفَّارِ في عِدادِ الآلاءِ؛ إذ به يَنزَجِرُ الشَّخصُ عن المعاصي، فيَفوزُ بالنَّعيمِ المُقيمِ، فبهذا الاعتِبارِ كان مِن الآلاءِ [323] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/173)، ((حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي)) (8/135). .