موسوعة التفسير

سورةُ المُرسَلاتِ
الآيات (29-34)

ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ

غريب الكلمات:

ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ: يعني: دُخانَ جَهنَّمَ إذا ارتَفَع انشَعَب وافتَرَق ثلاثَ فِرَقٍ، والتَّشَعُّبُ: تفَرُّقُ الجِسْمِ الواحِدِ فِرَقًا، وأصلُ (شعب): يدُلُّ على الافتِراقِ [143] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/190)، ((البسيط)) للواحدي (23/95)، ((تفسير البغوي)) (8/306)، ((تفسير ابن عطية)) (5/420). .
لَا ظَلِيلٍ: أي: لا يُظِلُّ مِن الحرِّ، ولا يُفيدُ فائدةَ الظِّلِّ، وأصلُ (ظلل): يَدُلُّ عَلَى سَتْرِ شيءٍ لشَيءٍ، وهو الَّذي يُسَمَّى الظِّلَّ [144] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/601)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/461)، ((الوسيط)) للواحدي (4/409)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (3/539). .
 اللَّهَبِ: أي: لَهبِ النَّارِ، واللَّهَبُ ما يَعلو على النَّارِ إذا اضْطَرَمَتْ مِن أحْمَرَ وأصْفَرَ وأخْضَرَ، واللَّهَبُ: اضْطِرامُ النَّارِ، ويُقالُ للدُّخَانِ وللغُبارِ، وأصلُ (لهب): ارْتِفاعُ لِسانِ النَّارِ، ثُمَّ يُقاسُ عليه ما يُقارِبُه. تقولُ: الْتَهَبَتِ النَّارُ الْتِهابًا. وكلُّ شَيءٍ ارتَفَع ضَوْؤُه، ولَمَع لَمَعانًا شَديدًا فإنَّه يُقالُ فيه ذلك [145] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/213)، ((تفسير الماوردي)) (6/180)، ((تفسير السمعاني)) (6/130)، ((المفردات)) للراغب (ص: 747). .
كَالْقَصْرِ: أي: كالدُّورِ الكِبارِ المُشَيَّدةِ، والحُصونِ والمدائِنِ في العِظَمِ، وهو واحِدُ القُصورِ. وقيل: القَصْرُ: أُصُولُ النَّخْلِ والشَّجَرِ العِظَامِ، جَمعُ قَصْرةٍ، مِثلُ جَمْرةٍ وجَمْرٍ، وتَمْرةٍ وتَمْرٍ. والقَصْرةُ: الواحِدةُ مِن الحَطَبِ الغَليظِ [146] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 507)، ((تفسير البغوي)) (8/306)، ((تفسير ابن عطية)) (5/420)، ((تفسير القرطبي)) (19/163). .
جِمَالَةٌ: الجِمالةُ: جَمْعُ الجَمَلِ المعروفِ، مِثلُ: حَجَرٍ وحِجارةٍ. وقيل: هي حِبالُ السُّفُنِ يُجمَعُ بَعضُها إلى بَعضٍ، حتَّى تكونَ كأوساطِ الرِّجالِ، وأصلُ (جمل): يدُلُّ على تجَمُّعٍ وعِظَمِ الخَلْقِ [147] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/481)، ((المفردات)) للراغب (ص: 203)، ((تفسير البغوي)) (8/307). .
صُفْرٌ: أي: سٌودٌ، جمعُ أصفَرَ، يُقالُ: جمَلٌ أصفَرُ، أي: أسْوَدُ، والصُّفْرةُ: لَونٌ مِن الألوانِ الَّتي بيْن السَّوادِ والبَياضِ، وهي إلى السَّوادِ أقرَبُ، وقد سُمِّيَتْ صُفْرًا؛ لأنَّ سَوادَها يَضرِبُ إلى الصُّفرةِ، وأصل (صفر) هنا: لَوْنٌ مِن الألوانِ [148] يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/225)، ((تفسير ابن جرير)) (23/608)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/294)، ((الغريبين في القرآن والحديث)) للهروي (4/1083)، ((تفسير الماوردي)) (6/180)، ((المفردات)) للراغب (ص: 487). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى مبيِّنًا ما يَنتظِرُ هؤلاءِ المكذِّبينَ مِن العذابِ والنَّكالِ: يُقالُ يومَ القيامةِ للمُكَذِّبينَ: سِيروا إلى النَّارِ الَّتي كُنتُم تُكَذِّبونَ بها في الدُّنيا، سِيروا إلى ظِلٍّ مِن دُخَانٍ ذي ثلاثِ شُعَبٍ، لا يُظِلُّ الكافِرينَ، ولا يَقِيهم مِن لَهَبِ النَّارِ.
ثمَّ يَذكُرُ اللهُ تعالى عِظَمَ شَرَرِ النَّارِ، فيقولُ: إنَّ النَّارَ مِن شِدَّةِ استِعارِها وتَلَهُّبِها تَرْمي بشَرَرٍ عَظيمٍ يَتطايَرُ منها، كالقُصورِ العاليةِ، كأنَّه جِمالٌ سُودٌ.
ثمَّ يقولُ تعالى مُهدِّدًا ومتوَعِّدًا: عَذابٌ وهَلاكٌ يومَ القيامةِ للمُكَذِّبينَ بالحَقِّ.

تفسير الآيات:

انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
بعدَ أنْ ذكَرَ أنَّ للمُكَذِّبينَ باللهِ وأنبيائِه واليَومِ الآخِرِ العذابَ في يومِ الفَصلِ والجزاءِ؛ بيَّن هنا نوعَ ذلك العذابِ بما يَحارُ فيه أولو الألبابِ، ويَخِرُّ مِن هَولِه كُلُّ مُخْبِتٍ أوَّابٍ [149] يُنظر: ((تفسير المراغي)) (29/185). .
انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29).
أي: يُقالُ يومَ القيامةِ للمُكَذِّبينَ: سِيروا إلى النَّارِ الَّتي كُنتُم تُكَذِّبونَ بها في الدُّنيا [150] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/600)، ((تفسير القرطبي)) (19/162)، ((تفسير ابن كثير)) (8/299)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/434، 435). قال الشوكاني: (تَقولُ لهم ذلك خَزَنةُ جهنَّمَ). ((تفسير الشوكاني)) (5/433). ويُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/545). .
انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30).
أي: سِيروا إلى ظِلٍّ مِن دُخَانٍ يَرتَفِعُ مِنَ النَّارِ ويَتصاعَدُ حتَّى يتشَعَّبَ إلى ثلاثِ شُعَبٍ عَظيمةٍ [151] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/600)، ((تفسير القرطبي)) (19/162)، ((تفسير ابن كثير)) (8/299)، ((تفسير السعدي)) (ص: 904)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/435، 436). قال ابنُ قُتَيْبةَ: (شَأنُ الدُّخَانِ العَظيمِ إذا ارتَفَع أن يتشَعَّبَ، فيَكونون فيه إلى أن يُفرَغَ مِن الحِسابِ، كما يكونُ أولياءُ اللهِ في ظِلِّ عَرْشِه أو حيثُ شاء مِنَ الظِّلِّ إلى أن يُفرَغَ مِن الحِسابِ، ثمَّ يُؤمَرُ بكُلِّ فَريقٍ إلى مُستَقَرِّه مِن الجنَّةِ أو النَّارِ). ((تأويل مشكل القرآن)) (ص: 193، 194). وقال ابنُ عاشور: (فإنَّ النَّارَ إذا عَظُمَ اشتِعالُها تصاعَدَ دُخَانُها مِن طَرَفَيْها ووسَطِها؛ لشِدَّةِ انضِغاطِه في خُروجِه منها). ((تفسير ابن عاشور)) (29/435). .
لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31).
أي: لا يُظِلُّ المُكَذِّبينَ مِن حَرِّها، ولا يَقِيهم مِن لَهَبِها [152] يُنظر: ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قتيبة (ص: 193، 194)، ((تفسير ابن جرير)) (23/601)، ((تفسير القرطبي)) (19/162، 163)، ((تفسير ابن كثير)) (8/299)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/178)، ((تفسير السعدي)) (ص: 905). قال القرطبي: (واللَّهَبُ: ما يَعلو على النَّارِ إذ اضطرَمَت؛ مِن أحمَرَ، وأصفَرَ، وأخضَرَ). ((تفسير القرطبي)) (19/162، 163). .
إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32).
أي: إنَّ النَّارَ مِن شِدَّةِ استِعارِها وتَلَهُّبِها تَرْمي بشَرَرٍ عَظيمٍ يَتطايَرُ منها، كأنَّه قُصورٌ عاليةٌ [153] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/601، 604، 605)، ((تفسير القرطبي)) (19/163)، ((تفسير ابن كثير)) (8/299)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/178)، ((تفسير السعدي)) (ص: 905)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/437). قال ابنُ جُزَي: (والقَصرُ واحِدُ القُصورِ، وهي الدِّيارُ العِظامُ، شَبَّه الشَّرَرَ به في عَظَمَتِه وارتفاعِه في الهواءِ. وقيل: هو الغليظُ مِن الشَّجَرِ، واحِدُه قَصْرةٌ، كجَمْرةٍ وجَمْرٍ). ((تفسير ابن جزي)) (2/443). وقال ابن الجوزي: (كَالْقَصْرِ قرأ الجُمهورُ بإسكانِ الصَّادِ، على أنَّه واحِدُ القُصورِ المَبنيَّةِ. وهذا المعنى في روايةِ ابنِ أبي طَلْحةَ عن ابنِ عبَّاسٍ، وهو قولُ الجُمهورِ. وقرأ ابنُ عبَّاسٍ، وأبو رَزِينٍ، ومجاهِدٌ، وأبو الجَوْزاءِ: «كَالْقَصَرِ» بفتحِ الصَّادِ. وفي أفرادِ البُخاريِّ [4932] مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ، قال: كُنَّا نَرفَعُ الخَشَبَ بِقَصَرٍ [أي: قَدْر] ثلاثةَ أذرُعٍ أو أقَلَّ، فنَرفَعُه للشِّتاءِ، فنُسمِّيهِ: القَصَرَ). ((تفسير ابن الجوزي)) (4/385). وقال ابنُ حجر: («فنُسَمِّيهِ القَصرَ» بسُكونِ الصَّادِ وبفَتحِها، وهو على الثَّاني جمعُ قَصرةٍ، أي: كأعناقِ الإبِلِ، ويؤيِّدُه قراءةُ ابنِ عبَّاسٍ: «كالقَصَرِ» بفتحتَينِ. وقيل: هو أصولُ الشَّجَرِ. وقيل: أعناقُ النَّخلِ. وقال ابنُ قُتَيْبةَ: القَصْرُ: البَيتُ، ومَن فَتَح أراد أصولَ النَّخلِ المقطوعةِ، شبَّهها بقَصَرِ النَّاسِ، أي: أعناقِهم، فكأنَّ ابنَ عبَّاسٍ فَسَّر قراءتَه بالفتحِ). ((فتح الباري)) (8/688). !
كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33).
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
1- قِراءةُ: جِمَالَةٌ جَمعُ جَمَلٍ، يعني: أنَّ الشَّرَرَ كالجِمالِ الصُّفْرِ [154] قَرَأ بها حمزةُ، والكِسائيُّ، وخلَفٌ، وحفصٌ عن عاصمٍ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/397). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((تفسير ابن جرير)) (23/608)، ((الحجة)) لابن خالويه (ص: 360). .
2- قِراءةُ: جُمَالَاتٌ قيل: جَمعُ جُمالةٍ، مِنَ الشَّيءِ المُجمَلِ، وقيل: هو الحَبلُ الغَليظُ كحِبالِ السُّفُنِ والجُسورِ. وقيل: هذه القراءةُ والَّتي تليها بمعنًى واحدٍ، وهي الجِمالُ [155] قرأ بها رُوَيسٌ عن يعقوبَ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/397). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((تفسير ابن جرير)) (23/609)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/268)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (11/75)، ((المحتسب)) لابن جني (2/347). .
3- قراءة: جِمَالَاتٌ جمعُ جِمالةٍ، أو جِمالٍ، فيَكونُ جَمْعَ الجَمعِ، وهو بمعنَى القِراءةِ الأُولى، أي: أنَّ الشَّرَرَ كالجِمالِ الصُّفْرِ [156] قرأ بها الباقونَ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/397). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((تفسير ابن جرير)) (23/608)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/268)، ((الحجة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 360). .
كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33).
أي: كأنَّ الشَّرَرَ الَّذي يَتطايَرُ مِن جَهَنَّمَ جِمالٌ سُودٌ [157] يُنظر: ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قتيبة (ص: 194)، ((تفسير ابن جرير)) (23/605 - 608)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/268)، ((تفسير القرطبي)) (19/164)، ((تفسير ابن كثير)) (8/299)، ((تفسير السعدي)) (ص: 905)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/437). وممَّن اختار القولَ المذكورَ -أنَّ المرادَ: جِمالٌ سُودٌ-: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والفرَّاءُ، وأبو عُبَيْدةَ، وابنُ جرير، والزَّجَّاجُ، والسمرقندي، ومكِّي، والواحدي، والقرطبي، والنسفي، والسعدي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/546)، ((معاني القرآن)) للفراء (3/225)، ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (1/44)، ((تفسير ابن جرير)) (23/608)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/268)، ((تفسير السمرقندي)) (3/534)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/7971)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1163)، ((تفسير القرطبي)) (19/164)، ((تفسير النسفي)) (3/587)، ((تفسير السعدي)) (ص: 905). قال الواحدي: (الصُّفْرُ: معناها: السُّودُ، في قَولِ المفَسِّرينَ. قال الفَرَّاء: الصُّفرُ: سُودُ الإبِلِ، لا تَرى أسْوَدَ مِنَ الإبِلِ إلَّا وهو مُشرَبٌ صُفرةً؛ لذلك سَمَّتِ العَرَبُ سُودَ الإبِلِ صُفْرًا). ((الوسيط)) (4/409). ويُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/225). وقال الشوكاني: (إذا كانت العَرَبُ تُسَمِّي الأسْوَدَ أصفَرَ لم يَبْقَ إشكالٌ؛ لأنَّ القُرآنَ نَزَل بلُغَتِهم، وقد نَقَل الثِّقاتُ عنهم ذلك، فكان ما في القُرآنِ هنا وارِدًا على هذا الاستِعمالِ العَربيِّ). ((تفسير الشوكاني)) (5/434). وقال الرَّسْعَني: (وهذا قولُ الحسَنِ، ومجاهِدٍ، وقَتادةَ، وعامَّةِ المفسِّرينَ). ((تفسير الرسعني)) (8/439). وقال الرازي: (الأكثَرونَ على أنَّ المرادَ منه: سُودٌ تَضرِبُ إلى الصُّفرةِ). ((تفسير الرازي)) (30/775). وقال الشنقيطي: (العربُ لا تُطلِقُ الصُّفرةَ وتُريدُ السَّوادَ إلَّا في الإبِلِ خاصَّةً دونَ غيرِها... والمرادُ بـ «الصُّفْرِ»... «السُّودِ»؛ لأنَّ شرَرَ نارِ الآخرةِ أَسْوَدُ، والعربُ إنَّما تُطلِقُ الصُّفرةَ على السَّوادِ في الإبِلِ خاصَّةً دونَ غيرِها مِن سائرِ الحيواناتِ). ((العذب النمير)) (1/129). وممَّن اختار أنَّ الصُّفرةَ على ظاهِرِها: الثعلبيُّ، والبغوي، والبيضاوي، والخازن، والبِقاعي، والعُلَيمي، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (10/111)، ((تفسير البغوي)) (5/198)، ((تفسير البيضاوي)) (5/276)، ((تفسير الخازن)) (4/384)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/179)، ((تفسير العليمي)) (7/252)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/437). قال البِقاعي: (صُفْرٌ جَمعُ أصفَرَ، لِلَّوْنِ المعروفِ. وقيل: المرادُ به سَوادٌ يَضرِبُ إلى صُفرةٍ كما هي ألوانُ الجِمالِ). ((نظم الدرر)) (21/179). وقال ابن عاشور: (والصُّفْرةُ: لَونُ الشَّرَرِ إذا ابْتَعَد عن لَهيبِ نارِه). ((تفسير ابن عاشور)) (29/ 437). وقال ابن جُزَي: (وصُفْرٌ على ظاهِرِه؛ لأنَّ لَونَ النَّارِ يَضرِبُ إلى الصُّفرةِ. وقيل: صُفْرٌ هنا بمعنى سُودٍ، يُقالُ: جمَلٌ أصفَرُ، أي: أسْوَدُ. وهذا ألْيَقُ بوَصفِ جهنَّمَ). ((تفسير ابن جزي)) (2/443). وقال ابن كثير: (كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ أي: كالإبِلِ السُّودِ. قاله مجاهِدٌ، والحسَنُ، وقَتادةُ، والضَّحَّاكُ. واختاره ابنُ جريرٍ. وعن ابنِ عبَّاسٍ، ومجاهِدٍ، وسعيدِ بنِ جُبَيرٍ: جِمَالَةٌ صُفْرٌ يعني: حِبالَ السُّفنِ. وعنه -أعني: ابنَ عبَّاسٍ-: كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ قِطَعُ نُحاسٍ). ((تفسير ابن كثير)) (8/299). .
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34).
أي: عَذابٌ وهَلاكٌ وخِزْيٌ يومَ القيامةِ للمُكَذِّبينَ بالحَقِّ [158] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/609)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/179). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ فيه أصلٌ مِن قواعِدِ الهَندسةِ، وهو أنَّ الشَّكلَ المثَلَّثَ لا ظِلَّ له [159] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 280). ، فهو شَكلٌ إذا نُصِبَ في الشَّمسِ كَيْفَما نُصِبَ على أيِّ ضِلعٍ كان مِن أضلاعِه لا يكونُ له ظِلٌّ؛ لتَحديدِ رُؤوسِ زَواياهُ [160] يُنظر: ((تحرير التحبير)) لابن أبي الإصبع (ص: 557)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/339، 340). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ، وهي السُّودُ الَّتي تَضرِبُ إلى لَونٍ فيه صُفرةٌ، وهذا يدُلُّ على أنَّ النَّارَ مُظلِمةٌ؛ لَهَبُها وجَمْرُها وشَرَرُها، وأنَّها سَوْداءُ، كَريهةُ المَرْأَى، شديدةُ الحرارةِ [161] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 904). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه الله تبارك وتعالَى: انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ هذا خِطابٌ للمُكذِّبينَ في يومِ الحَشرِ، فهو مَقولُ قولٍ مَحذوفٍ دلَّ عليه صِيغةُ الخِطابِ بالانطلاقِ دونَ وُجودِ مُخاطَبٍ يُؤمَرُ به الآنَ، والضَّميرُ المُقدَّرُ مع القَولِ المحذوفِ عائدٌ إلى المُكذِّبينَ، أي: يُقالُ للمكذِّبين [162] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/680)، ((تفسير البيضاوي)) (5/276)، ((تفسير أبي حيان)) (10/376)، ((تفسير أبي السعود)) (9/80)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/434، 435)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/338). .
- والأمْرُ بانطلاقِهِم في قولِه: انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ مُستعمَلٌ في التَّسخيرِ؛ لأنَّهم تَنطلِقُ بهم مَلائكةُ العذابِ قَسْرًا [163] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/435). .
- وما كانوا به يُكذِّبونَ هو جَهنَّمُ، وعُبِّرَ عنه بالمَوصولِ وصِلَتِه مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ؛ لِما تَتضَمَّنُه الصِّلةُ مِن النِّداءِ على خَطَئِهم وضَلالِهم [164] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/435). .
- قولُه: انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ أُعِيدَ فِعلُ انْطَلِقُوا على طَريقةِ التَّكريرِ؛ لقَصْدِ التَّوبيخِ أو الإهانةِ والدَّفعِ، ومِن أجْلِه أُعِيدَ فِعلُ انْطَلِقُوا وحرْفُ (إلى)، ومُقْتضى الظَّاهرِ أنْ يُقالَ: (انطَلِقوا إلى ما كُنتُم به تُكذِّبون؛ ظِلٍّ ذي ثلاثِ شُعَبٍ)؛ فإعادةُ العامِلِ في البدَلِ للتَّأكيدِ في مَقامِ التَّقريعِ [165] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/435). .
- وأُرِيدَ بالظِّلِّ دُخَانُ جَهنَّمَ لكَثافتِه، فعُبِّرَ عنه بالظِّلِّ تَهكُّمًا بهم؛ لأنَّهم يَتشَوَّقون ظِلًّا يَأْوون إلى بَرْدِه، وأُفرِدَ ظِلٍّ هنا؛ لأنَّه جُعِلَ لهم ذلك الدُّخَانُ في مَكانٍ واحدٍ ليَكونوا مُتراصِّينَ تحتَه؛ لأنَّ ذلك التَّراصَّ يَزيدُهم ألَمًا [166] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/435). .
- قوله: لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ الظَّليلُ: القَويُّ في ظِلالِه، اشتُقَّ للظِّلِّ وصْفٌ مِن اسمِه لإفادةِ كَمالِه فيما يُرادُ منه، أي: ليس هو مِثلَ ظِلِّ المُؤمنينَ؛ قال تعالَى: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء: 57] . وفي هذا تَحسيرٌ لهم [167] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/436). .
- والإغناءُ: جَعْلُ الغَيرِ غَنيًّا، أي: غيرَ مُحتاجٍ في ذلك الغرَضِ، وتَعديتُه بـ(مِن) على معْنى البدَليَّةِ، أو لتَضمينِه معْنى: يُبعِدُ، وبذلك سُلِبَ عن هذا الظِّلِّ خَصائصُ الظِّلالِ؛ لأنَّ شأنَ الظِّلِّ أنْ يُنفِّسَ عن الَّذي يَأوي إليه ألَمَ الحَرِّ [168] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/436). .
- وفي قولِه: ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ تَهكُّمٌ بهم، وتَعريضٌ بأنَّ ظِلَّهم غيرُ ظِلِّ المؤمنينَ؛ فقدْ أدمَجَ في معْنى لَا ظَلِيلٍ معْنيَينِ؛ أحدُهما: التَّهكُّمُ بهم؛ لأنَّ مَفهومَ الظِّلِّ للاستِرواحِ، وهاهنا عكْسُه، كما في قولِه: وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ [الواقعة: 43، 44]، وثانِيهما: تَعريضٌ بأنَّ للمؤمنينَ ظِلًّا على خِلافِه؛ ليَزيدَ في تَحسُّرِهم وتنديمِهم [169] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/680)، ((تفسير البيضاوي)) (5/276)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (16/230)، ((تفسير أبي حيان)) (10/377)، ((تفسير أبي السعود)) (9/ 80، 81)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/340). .
2- قولُه تعالَى: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
- قولُه: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كالتَّعليلِ لعدَمِ غَناءِ الظِّلِّ غيرِ الظَّليلِ [170] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/339). . ويجوزُ أنْ يكونَ هذا مِن تَمامِ ما يُقالُ للمُكذِّبينَ الَّذين قِيل لهم: انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [المرسلات: 29]؛ فإنَّهم بعْدَ أنْ حَصَلَ لهم اليَّأسُ ممَّا يُنفِّسُ عنهم ما يَلقَونَ مِن العذابِ، وقيل لهم: انْطَلِقوا إلى دُخَانِ جَهنَّمَ، رُبَّما شاهَدوا ساعَتَئذٍ جَهنَّمَ تَقذِفُ بشَرَرِها، فيُروِّعُهم المَنظَرُ، أو يُشاهِدونها عن بُعدٍ لا تتَّضِحُ منه الأشياءُ، وتَظهَرُ عليهم مَخايلُ تَوقُّعِهم أنَّهم بالِغون إليه، فيَزدادون رَوعًا وتَهويلًا؛ فيُقالُ لهم: إنَّ جَهنَّمَ تَرْمي بشَررٍ كالقصْرِ كأنَّه جِمالتٌ صُفرٌ. ويجوزُ أنْ يكونَ اعتِراضًا في أثناءِ حِكايةِ حالِهِم، أو في خِتامِ حِكايةِ حالِهِم؛ فضَميرُ إِنَّهَا عائدٌ إلى جَهنَّمَ الَّتي دلَّ عليها قولُه: مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ، كما يُقال لِلَّذي يُساقُ إلى القتْلِ وقدْ رأى رجُلًا بيَدِه سَيفٌ، فاضطَرَبَ لرُؤيتِه؛ فيُقالُ له: إنَّه الجلَّادُ [171] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/436، 437). .
- وتَأكيدُ الخبَرِ بـ (إنَّ) للاهتمامِ به؛ لأنَّهم حينَئذٍ لا يَشُكُّون في ذلك، سَواءٌ رَأَوْه أو أُخبِروا به [172] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/437). .
- والقصْرُ: البِناءُ العالي، والتَّعريفُ فيه للجنسِ، أي: كالقُصورِ؛ لأنَّه شُبِّهَ به جمْعٌ [173] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/437). .
- وفي الآيةِ تَشبيهانِ؛ فقدْ شَبَّهَ سُبحانه الشَّرَرَ بالقَصْرِ مِن جِهةِ العِظَمِ ومِن جِهةِ الطُّولِ في الهواءِ، وشبَّهَه ثانيًا لبَيانِ التَّشبيهِ بالجِمالةِ الصُّفرِ -والجِمالاتُ: جمْعُ جِمالةٍ، وهي اسمُ جمْعِ طائفةٍ مِن الجِمالِ، أي: تُشبَّهُ طَوائفُ مِن الجِمالِ مُتوزِّعةً فِرَقًا- في اللَّوِن والكَثرةِ والتَّتابُعِ والاختلاطِ وسُرعةِ الحرَكةِ. وهذا تَشبيهٌ مُركَّبٌ؛ لأنَّه تَشبيهٌ في هَيئةِ الحجْمِ معَ لَونِه مع حَرَكتِه [174] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/680، 681)، ((تفسير البيضاوي)) (5/276)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (16/232)، ((تفسير أبي حيان)) (10/378)، ((تفسير أبي السعود)) (9/81)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/437)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/340). .
- ومِن الممكنِ أنْ يُقالَ: إنَّ الضَّميرَ في قولِه تعالَى: كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ عائدٌ إلى (القَصر)؛ فيذهبُ به إلى تَصويرٍ عَجيبٍ وتخييلٍ غريبٍ؛ شُبِّهتِ الشَّرارةُ حِينَ تنقَضُّ مِن النَّارِ في عِظَمِها بالقَصرِ، ثُم شُبِّهَ القصرُ المُشبَّهُ به حِينَ يأخُذُ في الارتفاعِ والانبساطِ؛ فإنَّه حينَئذٍ يَنشَقُّ عن أعدادٍ لا نِهايةَ لها، بالجِمالاتِ المتكاثرةِ، فيتصوَّرُ منها حينَئذٍ العِظَمُ أوَّلًا، والاتِّساقُ مع الكثرةِ والصُّفرةِ والحركةِ المخصوصةِ ثانيًا، فيبلغُ التَّشبيهُ إلى الذِّروةِ العُليا [175] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (16/232، 233). .
- وإجراءُ تِلك الأوصافِ في الإخبارِ عن النَّارِ؛ لزِيادةِ التَّرويعِ والتَّهويلِ، فإنْ كانوا يَرَون ذلك الشَّررَ -لقُرْبِهم منه- فوَصْفُه لهم لتَأكيدِ التَّرويعِ والتَّهويلِ بتَظاهُرِ السَّمعِ مع الرُّؤيةِ، وإنْ كانوا على بُعدٍ منه فالوصْفُ للكشْفِ عن حالِه الفَظيعةِ [176] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/437). .
- قولُه: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ تَكريرٌ لقصْدِ تَهديدِ المشرِكينَ الأحياءِ [177] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/439). .