موسوعة التفسير

سورةُ الحَجِّ
الآيات (70-72)

ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ

غريب الكلمات:

سُلْطَانًا: أي: حُجَّةً، وأصْلُ السُّلطانِ: القُوَّةُ والقَهرُ [1061] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 113)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3 /95)، ((المفردات)) للراغب (ص: 247، 420، 724). .
يَسْطُونَ: أي: يَبطِشونَ ويَقَعونَ، والسَّطوةُ: البَطشُ برَفعِ اليَدِ، وأصلُ (سطو): يدُلُّ على القَهرِ والعُلوِّ [1062] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 517)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/71)، ((المفردات)) للراغب (ص: 410)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 248)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 304). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى: قد علمْتَ -أيُّها الرَّسولُ- أنَّ اللهَ يَعلَمُ ما في السَّماءِ والأرضِ عِلمًا كامِلًا قد أثبَتَه في اللَّوحِ المَحفوظِ، إنَّ ذلك أمرٌ سَهلٌ على اللهِ الذي لا يُعجِزُه شَيءٌ.
ويَعبُدُ كُفَّارُ قُرَيشٍ آلِهةً لم يُنَزِّلِ اللهُ حُجَّةً على صِحَّةِ عبادتِها، ولا عِلمَ لهم فيما اختَلَقوه وافتَرَوه على اللهِ، وما للمُشرِكينَ ناصِرٌ يَنصُرُهم ويَدفَعُ عنهم عَذابَ الله.
وإذا تُتلى آياتُ القُرآنِ الواضِحةُ على هؤلاءِ المُشرِكينَ، ترى الكَراهةَ ظاهِرةً على وُجوهِهم، يَكادونَ يَبطِشونَ بالمُؤمِنينَ الذين يَدْعونَهم إلى اللهِ تعالى ويتلونَ عليهم آياتِه. قُلْ لهم -يا مُحمَّدُ: أفلا أخبِرُكم بما هو أشَدُّ شَرًّا عليكم مِمَّا سَمِعتُموه مِنَ القُرآنِ؟ النَّارُ أعدَّها اللهُ للكافرينَ في الآخرةِ، وبِئسَ المكانُ الذي يَصيرونَ إليه!

تفسير الآيات:

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا قال الله تعالى مِن قَبلُ: اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الحج: 69] ؛ أتبَعَه بما به يُعلَمُ أنَّه سُبحانَه عالِمٌ بما يَستَحِقُّه كُلُّ أحدٍ منهم، فيقَعُ الحُكمُ منه بيْنهم بالعَدلِ لا بالجَورِ، فقال لِرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [1063] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/249، 250). :
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
أي: ألم تعلَمْ -يا مُحمَّدُ- أنَّ اللهَ يَعلَمُ كُلَّ ما في السَّمَواتِ وما في الأرضِ، ويَعلَمُ أعمالَ عِبادِه واختلافَهم، فمُجازيهم على ذلك [1064] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/629)، ((تفسير القرطبي)) (12/95)، ((تفسير السعدي)) (ص: 545). ؟
إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ.
أي: إنَّ عِلمَ اللهِ بكلِّ ما يكونُ في السَّماءِ والأرضِ قد أثبَتَه اللهُ في اللَّوحِ المَحفوظِ [1065] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/629)، ((تفسير ابن كثير)) (5/452)، ((تفسير السعدي)) (ص: 545). .
كما قال تعالى: وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [القمر: 53].
وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((كتَبَ اللهُ مَقاديرَ الخَلائِقِ قَبلَ أن يَخلُقَ السَّمَواتِ والأرضَ بخَمسينَ ألْفَ سَنةٍ )) [1066] رواه مسلم (2653). .
إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.
أي: إنَّ إحاطةَ عِلمِ الله بجميعِ ذلك وكتابتَه في كتابٍ [1067] قيل: الإشارةُ بـ ذَلِكَ إلى كَتبِ المعلوماتِ في كتابٍ. وممن قال بذلك المعنى: ابنُ جرير، والسمرقندي، وابن أبي زمنين، والرازي، واستظهرَه ابنُ جزي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/631)، ((تفسير السمرقندي)) (2/469)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (3/189)، ((تفسير الرازي)) (23/250)، ((تفسير ابن جزي)) (2/46). وقيل: المراد: إنَّ ذَلِكَ أي: علمَه بجميعِ ذلك. وممن قال بذلك: الثعلبيُّ، والبغوي، والنسفي. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (7/33)، ((تفسير البغوي)) (3/350)، ((تفسير النسفي)) (2/454). وممن جمع بين المعنيين السابقين: السعديُّ، فقال: (إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وإن كان تصوُّرُه عندَكم لا يُحاطُ به، فالله تعالى يسيرٌ عليه أن يُحيطَ عِلمًا بجميعِ الأشياءِ، وأن يكتُبَ ذلك في كتابٍ مُطابقٍ للواقِعِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 545). وقال الزمخشري: (والإحاطةُ بذلك وإثباتُه وحفظُه عليه يَسيرٌ). ((تفسير الزمخشري)) (3/170). وقيل: المراد: إنَّ الفَصلَ بين المختَلِفَينِ على الله يسيرٌ. وممن قال بذلك: القرطبيُّ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (12/95). هَيِّنٌ سَهلٌ على اللهِ [1068] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/631)، ((تفسير ابن كثير)) (5/452)، ((تفسير السعدي)) (ص: 545). .
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71).
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا.
أي: ويَعبُدُ المُشرِكونَ مِن دونِ اللهِ أصنامًا لم يُنَزِّلِ اللهُ على رُسُلِه حُجَّةً على صِحَّةِ عبادتِها [1069] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/632)، ((تفسير القرطبي)) (12/95)، ((تفسير ابن كثير)) (5/453)، ((تفسير الشوكاني)) (3/553)، ((تفسير السعدي)) (ص: 545). !
كما قال تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون: 117] .
وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ.
أي: وليس للمُشرِكينَ عِلمٌ يَقينيٌّ بجَوازِ وصِحَّةِ عِبادةِ الأصنامِ، وإنَّما يَعبُدونَها تقليدًا لآبائِهم [1070] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/632)، ((تفسير ابن كثير)) (5/453)، ((تفسير الألوسي)) (9/189)، ((تفسير السعدي)) (ص: 545)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/333). !
كما قال تعالى: وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [يونس: 66] .
وقال سُبحانَه: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم: 23] .
وقال تبارك وتعالى: وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [النجم: 28] .
وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ.
أي: وما للمُشرِكينَ بسَبَبِ ظُلمِهم مِن ناصرٍ يَنصُرُهم ويُنقِذُهم مِن عذابِ اللهِ، ويَدفَعُ عنهم عِقابَه [1071] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/632)، ((البسيط)) للواحدي (15/494)، ((تفسير ابن كثير)) (5/453)، ((تفسير السعدي)) (ص: 545). .
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَر الله تعالى اعترافَ الكافرينَ بما لا يُعرَفُ بنقلٍ ولا عقلٍ؛ ذكَر إنكارَهم لِمَا لا يصحُّ أن يُنكرَ، فقال [1072] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/93). :
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ.
أي: وإذا تُتلى على المُشرِكينَ آياتُ القُرآنِ، والحالُ أنَّها واضِحاتُ الحُجَجِ والدَّلالةِ على توحيدِ اللهِ، وصِدقِ رَسولِه، تتبَيَّنُ في وجوهِهم الغَمَّ والكراهيَةَ، والعُبوسَ والغَضَبَ [1073] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/632)، ((تفسير السمرقندي)) (2/470)، ((تفسير القرطبي)) (12/95)، ((تفسير ابن كثير)) (5/453)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/93)، ((تفسير السعدي)) (ص: 545). !
يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا.
أي: يَكادُ المُشرِكونَ يَبطِشونَ بالذينَ يَتلونَ عليهم القُرآنَ، ويَبْسُطونَ إليهم أيدِيَهم وألسِنَتَهم بالسُّوءِ؛ لشِدَّةِ كراهتِهم وبُغضِهم آياتِ اللهِ وما فيها مِنَ الدَّعوةِ إلى الحَقِّ [1074] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/632)، ((تفسير الثعالبي)) (4/136)، ((تفسير القرطبي)) (12/95، 96)، ((تفسير ابن كثير)) (5/453)، ((تفسير السعدي)) (ص: 545). قال ابن عاشور: («الَّذِينَ يَتْلُونَ» يَجوزُ أنْ يَكونُ مُرادًا به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ مِن إطلاقِ اسمِ الجَمعِ على الواحدِ، كقوله: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ [الفرقان: 37] ، أي: كَذَّبوا الرَّسولَ. ويَجوزُ أنْ يُرادَ به مَن يَقرأُ عليهمُ القرآنَ مِنَ المُسلِمينَ والرَّسولِ، أمَّا الذين سَطَوا عليهم مِنَ المؤمِنين فلعلَّهم غَيرُ الذين قرَؤوا عليهمُ القرآنَ، أو لعلَّ السَّطوَ عليهم كان بَعدَ نُزولِ هذه الآيةِ؛ فلا إشكالَ في ذِكرِ فِعْلِ المُقارَبةِ). ((تفسير ابن عاشور)) (17/335). .
كما قال تعالى: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ [الشورى: 13] .
وقال سُبحانَه: لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [الزخرف: 78] .
قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا.
أي: قُلْ -يا مُحمَّدُ- للمُشرِكينَ: أفأُخبِرُكم بما هو أشَدُّ عليكم وأكرَهُ إليكم مِمَّا سَمِعتُموه مِنَ القُرآنِ؟ هو النَّارُ التي وعَدَها اللهُ الكُفَّارَ يومَ القيامةِ [1075] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/351)، ((تفسير الرسعني)) (5/92)، ((تفسير القرطبي)) (12/96)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/336، 337). وممَّن قال بأنَّ الإشارةَ في ذَلِكُمُ تعودُ إلى القرآنِ: الواحديُّ، والبغوي، والرسعني، والقرطبي، وابن عاشور. يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 740)، ((تفسير البغوي)) (3/351)، ((تفسير الرسعني)) (5/92)، ((تفسير القرطبي)) (12/96)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/336، 337). وقيل: الإشارةُ تعودُ إلى التَّالينَ عليهم القُرآنَ. قاله ابن جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/634). قال ابن جرير: (أفأنبِّئُكم أيُّها المشركونَ بأكرَهَ إليكم مِن هؤلاء الذين تتكرَّهون قراءتَهم القرآنَ عليكم؟). ((تفسير ابن جرير)) (16/634). وقيل: الإشارة بـ ذَلِكُمُ إلى السطوِ. وممن اختاره: الزمخشريُّ، وابن عطية. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/170)، ((تفسير ابن عطية)) (4/133). وقال البقاعي: (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ أي: أتَعُونَ فأُخبِرَكم خبرًا عظيمًا بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ الأمرِ الكَبيرِ مِنَ الشَّرِّ الذي أردتُموه بعبادِ اللهِ التَّالينَ عليكم للآياتِ، وما حصَلَ لكم من الضَّجَرِ مِن ذلك؟). ((نظم الدرر)) (13/94). ويُنظر: ((تفسير القرطبي)) (12/96)، ((تفسير ابن كثير)) (5/453). !
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
أي: وبِئسَ المكانُ الذي يصيرُ إليه هؤلاء المُشرِكونَ يومَ القيامةِ: النَّارُ [1076] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/634)، ((تفسير القرطبي)) (12/96)، ((تفسير ابن كثير)) (5/453)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/336، 337). !

الفوائد التربوية:

قَولُه تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فيه عُمومُ عِلمِ اللهِ. والآياتُ في العِلمِ مُتنَوِّعةٌ؛ تارةً تكونُ مُجمَلةً، وتارةً تكونُ مُفصَّلةً، وتارةً تكونُ فيما يتعَلَّقُ بفِعلِ الإنسانِ، وتارةً تكونُ فيما يتعَلَّقُ بفِعلِ اللهِ عزَّ وجَلَّ؛ لأنَّ صِفةَ العِلمِ متَّى آمَنَ بها الإنسانُ أوجَبَ له ذلك أمْرَينِ:
الأمرُ الأوَّلُ: الهُروبُ مِن مَعصيةِ اللهِ، فلا يَجِدُه اللهُ عزَّ وجَلَّ حيث نهاه.
الأمرُ الثَّاني: الرَّغبةُ في طاعةِ اللهِ، فلا يَفقِدُه حيثُ أمَرَه [1077] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة آل عمران)) (1/180). ؛ لأنَّك متى عَلِمْتَ أنَّ اللهَ عالمٌ بك فإنَّ ذلك يُوجِبُ لك مُراقبةَ اللهِ سُبحانَه؛ فلا يَفقِدُك حيثُ أمَرَك، ولا يَجِدُك حيثُ نهاك [1078] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/244). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ دَلالةٌ على أنَّ اللهَ تعالى كَتَب في اللَّوحِ المَحفوظِ ما هو كائنٌ إلى يَومِ القِيامةِ [1079] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (3/255). .
2- قَولُه تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ فيه إثباتُ العِلمِ وإثباتُ الكِتابةِ، وهما المَرتبتانِ الأُولى والثَّانيةُ مِن مراتِبِ الإيمانِ بالقَدَرِ، وأمَّا المرتبةُ الثَّالِثةُ: فهي المَشيئةُ. والمَرتبةُ الرَّابِعةُ: هي الخَلقُ [1080] يُنظر: ((القول المفيد على كتاب التوحيد)) لابن عثيمين (2/403). .  
3- قال تعالى أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ فاللهُ سُبحانَه قد عَلِمَ قَبلَ أنْ يُوجِدَ عِبادَه أحوالَهم، وما هُم عامِلون، وما هُم إليه صائِرون، ثمَّ أَخرجَهم إلى هذه الدَّارِ؛ ليَظهَرَ مَعلومُه الذي عَلِمَه فيهم كما عَلِمَه، وابتَلاهُم مِنَ الأمرِ والنَّهيِ والخَيرِ والشَّرِّ بما أَظهَر مَعلومَه، فاستَحقُّوا المدحَ والذَّمَّ، والثَّوابَ والعِقابَ بما قام بهم مِنَ الأفعال والصِّفاتِ المُطابقةِ للعِلمِ السَّابقِ، ولمْ يَكونوا يَستحِقُّون ذلك وهي في عِلمِه قَبْلَ أنْ يَعمَلوها، فأَرسَلَ رُسُلَه، وأَنزل كُتُبَه، وشَرَع شرائعَه؛ إعذارًا إليهم، وإقامةً للحُجَّةِ عليهم؛ لئلَّا يقولوا: كيف تُعاقِبُنا على عِلمِكَ فينا، وهذا لا يَدخُلُ تحتَ كَسْبِنا وقُدرتِنا؟! فلمَّا ظَهَر عِلمُه فيهم بأفعالهم، حَصَل العِقابُ على مَعلومِه الذي أَظهَرَه الابتلاءُ والاختبارُ، وكما ابتلاهُم بأمْرِه ونَهْيِه ابتلاهُم بما زَيَّنَ لهم مِن الدنيا، وبما ركَّب فيهم مِنَ الشَّهواتِ؛ فذلك ابتلاءٌ بشَرْعِه وأمْرِه، وهذا ابتلاءٌ بقَضائِه وقدَرِه [1081] يُنظر: ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 35). .
4- الدِّينُ الذي نزَلَ به الوحيُ هو الدِّينُ الذي شَرَعه اللهُ عزَّ وجَلَّ، وأهلُ الضَّلالِ يَتَّبِعونَ دِينًا ليس مُوافقًا للشَّرعِ المُنزَّلِ، ولا لهم به عِلمٌ، بل يَتَّبعونَ أهواءَهم وما يَذوقونَه ويَجِدونه في أَنفُسِهم بغيرِ شرْعٍ ولا عِلمٍ؛ ولهذا كان شُيوخُ أهلِ المَعرفةِ يُوصونَ باتِّباعِ الشَّرعِ والعِلمِ، ويذُمُّونَ أهلَ العباداتِ الذينَ لا يتَّبِعونَ الشَّرعَ والعِلمَ، كما قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [1082] يُنظر: ((قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق)) لابن تيميَّة (ص: 27). .
5- قال الله تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا فيه دَليلٌ على أنَّ أهلَ الباطِلِ تَضيقُ صُدورُهم مِن الحَقِّ [1083] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (2/342). ، وهكذا ترى أهلَ البِدَعِ المُضِلَّةِ: إذا سَمِعَ الواحِدُ منهم ما يتلوه العالِمُ عليهم من آياتِ الكِتابِ العَزيزِ أو مِنَ السُّنَّةِ الصَّحيحةِ مُخالِفًا لِما اعتَقَده مِن الباطِلِ والضَّلالةِ، رأيتَ في وَجْهِه مِن المُنكَرِ ما لو تمكَّنَ مِن أن يَسطوَ بذلك العالِمِ لفَعَل به ما لا يَفعَلُه بالمُشرِكينَ! واللهُ ناصِرٌ الحَقَّ، ومُظهِرٌ الدِّينَ، وداحِضٌ الباطِلَ، ودامِغٌ البِدَعَ، وحافِظٌ المُتكَلِّمينَ بما أخَذه عليهم، المُبَيِّنينَ للنَّاسِ ما نُزِّلَ إليهم، وهو حَسْبُنا ونِعْمَ الوَكيلُ [1084] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/554). .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
- قولُه: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ استئنافٌ؛ لِزَيادةِ تَحقيقِ التَّأييدِ الَّذي تَضمَّنَه قولُه: اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أي: فهو لا يَفوتُه شَيءٌ مِن أعمالِكم؛ فيُجازي كُلًّا على حِسابِ عَمَلِه؛ فالكَلامُ كِنايةٌ عن جَزاءِ كلٍّ بما يَلِيقُ به. والاستفهامُ أَلَمْ تَعْلَمْ تَقريريٌّ، أي: إنَّك تَعلَمُ ذلك، وهذا الكَلامُ كِنايةٌ عنِ التَّسليةِ، أي: فلا تضِقْ صَدْرًا ممَّا تُلاقِيه منهم [1085] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/119)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/331). .
- وقولُه: إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ بَيانٌ للجُملةِ قبْلَها، أي: يَعلَمُ ما في السَّماءِ والأرضِ عِلْمًا مُفصَّلًا لا يَختلِفُ [1086] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/331). .
- قولُه: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ قيل: هذا بَيانٌ لمَضمونِ الاستفهامِ من الكِنايةِ عن الجزاءِ. واسمُ الإشارةِ ذَلِكَ عائدٌ إلى مَضمونِ الاستفهامِ من الكِنايةِ؛ فتَأويلُه بالمذكورِ. ويَجوزُ أنْ تَكونَ بَيانًا لجُملةِ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ويكونَ اسمُ الإشارةِ ذَلِكَ عائدًا إلى العِلْمِ المأخوذِ مِن فِعْلِ يَعْلَمُ، أي: أنَّ عِلْمَ اللهِ بما في السَّماءِ والأرضِ للهِ حاصِلٌ دونَ اكتسابٍ؛ لأنَّ عِلْمَه ذاتيٌّ لا يَحتاجُ إلى مُطالَعةٍ وبَحْثٍ [1087] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/332). .
- قولُه: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ فيه تَقديمُ المجرورِ عَلَى اللَّهِ على مُتعلَّقِه وهو يَسِيرٌ؛ للاهتمامِ بذِكْرِه؛ للدَّلالةِ على إمكانِه في جانِبِ عِلْمِ اللهِ تعالى [1088] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/332). .
2- قَولُه تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ
- قولُه: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ يَجوزُ أنْ يكونَ الواوُ حَرفَ عطْفٍ، وتكونَ الجُملةُ مَعطوفةً على الجُملةِ السَّابقةِ بما تفرَّعَ عليها عطْفَ غرَضٍ على غرَضٍ. ويجوزُ أنْ يكونَ الواوُ للحالِ، والجُملةُ بعْدَها حالًا منَ الضَّميرِ المرفوعِ في قولِه: جَادَلُوكَ [الحج: 68] ، والمعنى: جادَلوك في الدِّينِ، مُستمرِّينَ على عِبادةِ ما لا يَستحِقُّ العِبادةَ بَعْدما رأَوا مِن الدَّلائلِ، وتَتضمَّنُ الحالُ تعجُّبًا مِن شأْنِهم في مُكابَرتِهم وإصرارِهم [1089] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/332). .
- وعبَّرَ بالفِعْلِ المُضارِعِ (يَعْبُدُونَ) المُفيدِ للتَّجدُّدِ؛ لأنَّ في الدَّلائلِ الَّتي تَحُفُّ بهم، والَّتي ذُكِّروا ببَعضِها في الآياتِ الماضيةِ: ما هو كافٍ لإقلاعِهم عن عِبادةِ الأصنامِ، لو كانوا يُريدونَ الحقَّ [1090] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/333). .
- قولُه: مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ فيه تَقديمُ انتفاءِ الدَّليلِ النقليِّ، وهو قولُه: مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا على انتفاءِ الدَّليلِ العقليِّ، وهو قولُه: وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ؛ لأنَّ الدَّليلَ النقليَّ أهَمُّ [1091] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/333). .
- والمُرادُ بالظَّالمينَ في قولِه: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ المُشرِكونَ المُتحدَّثُ عنهم؛ فهو مِن الإظهارِ في مَقامِ الإضمارِ؛ للإيماءِ إلى أنَّ سبَبَ انتفاءِ النَّصيرِ لهم هو ظُلْمُهم، أي: كُفْرُهم. وقد أفاد ذلك ذَهابَ عِبادَتِهم الأصنامَ باطِلًا؛ لأنَّهم عَبَدوها رجاءَ النَّصرِ. ويُفِيدُ بعُمومِه أنَّ الأصنامَ لا تَنصُرُهم؛ فأغْنى عن مَوصولٍ ثالثٍ هو مِن صفاتِ الأصنامِ، كأنَّه قِيلَ: وما لا يَنصُرُهم، كقولِه تعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ [1092] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/333، 334).   لأعراف: 197].
- وأيضًا في قولِه: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ معنى التَّتميمِ والتَّنزُّلِ؛ إذِ المعنى: ليس لهم دَليلٌ قاطعٌ على صِحَّةِ ما هم فيه، ولا لهم أيضًا ما يَصِحُّ عندَ الضَّرورةِ أنْ يُتمسَّكَ به، ولا لهم ذُو شَوكةٍ يَقهَرُ النَّاسَ بالتَّعدِّي والظُّلْمِ الصِّرْفِ على عِبادةِ ما يَدْعُون [1093] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/528). .
3- قَولُه تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
- قولُه: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ عَطْفٌ على وَيَعْبُدُونَ؛ لِبَيانِ جُرْمٍ آخَرَ مِن أجرامِهم مع جُرْمِ عِبادةِ الأصنامِ، وهو جُرْمُ تَكذيبِ الرَّسولِ والتَّكذيبِ بالقُرآنِ، وما بيْنهما اعتراضٌ [1094] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/120)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/334). .
- وفي قولِه: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا إيثارُ صِيغَةِ المُضارِعِ؛ للدَّلالةِ على الاستمرارِ التَّجدُّديِّ [1095] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/120). .
- وتَقييدُ الآياتِ بوَصْفِ البيِّناتِ؛ لِتَفظيعِ إنكارِهم إيَّاها؛ إذ ليس فيها ما يُعْذَرُ به مُنكِروها [1096] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/335). .
- قولُه: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ التَّعبيرُ بـ الَّذِينَ كَفَرُوا إظهارٌ في مَقامِ الإضمارِ، ومُقْتَضى الظَّاهرِ أنْ يكونَ (تَعرِفُ في وُجوهِهم)، أي: وُجوهِ الَّذين يَعْبُدون مِن دونِ اللهِ ما لم يُنزِّلْ به سُلْطانًا؛ فخُولِفَ مُقْتضى الظَّاهرِ، فقال: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا؛ للتَّسجيلِ عليهم بالإيماءِ إلى أنَّ عِلَّةَ ذلك هو ما يُبْطِنونه مِن الكُفْرِ [1097] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/79)، ((تفسير أبي حيان)) (7/536)، ((تفسير أبي السعود)) (6/120)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/335). .
- وأيضًا في قولِه: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا كِنايةٌ عن امتلاءِ نُفوسِهم مِن الإنكارِ والغَيظِ حتَّى تَجاوَزَ أثَرُه بَواطِنَهم؛ فظهَر على وُجوهِهم، ولأجْلِ هذه الكِنايةِ عُدِلَ عن التَّصريحِ بنحْوِ: (اشتَدَّ غَيظُهم)، أو (يَكادُون يَتميَّزون غَيظًا) [1098] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/334). .
- قولُه: قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ وَعيدٌ وتَقريعٌ [1099] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/536). ، وهو استئنافٌ ابتدائيٌّ يُفيدُ زِيادةَ إغاظَتِهم، بأنْ أمَرَ اللهُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَتْلُوَ عليهم ما يُفِيدُ أنَّهم صائِرونَ إلى النَّارِ. والتَّفريعُ بالفاءِ ناشِئٌ مِن ظُهورِ أثَرِ المُنكَرِ على وُجوهِهم، فجُعِل دَلالةُ مَلامِحِهم بمَنزِلَةِ دَلالةِ الألفاظِ، ففُرِّعَ عليها ما هو جَوابٌ عن كلامٍ، فيَزيدُهم غَيظًا. ويَجوزُ كونُ التَّفريعِ على التِّلاوةِ المأخوذةِ من قولِه: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا، أي: اتْلُ عليهم الآياتِ المَنْذِرةَ والمُبيِّنةَ لِكُفْرِهم، وفُرِّعَ عليها وَعيدُهم بالنَّارِ، والاستفهامُ مُستعمَلٌ في الاستئذانِ، وهو استئذانٌ تَهكُّمِيٌّ؛ لأنَّه قد نبَّأَهم بذلك دونَ أنْ يَنتظِرَ جَوابَهم [1100] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/336). .
- قولُه: النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا النَّارُ خبَرُ مُبتدأٍ مَحذوفٍ دَلَّ عليه قولُه: بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ، والتَّقديرُ: شَرٌّ مِن ذلِكُم النَّارُ، والجُملةُ استئنافٌ بَيانيٌّ، أي: إنْ سألْتُم عن الَّذي هو أشَدُّ شَرًّا، فاعْلَموا أنَّه النَّارُ. وجُملةُ وَعَدَهَا اللَّهُ حالٌ مِن النَّارُ، أو هي استئنافٌ [1101] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/337). . أو جوابُ سائلٍ قال: ما هو؟ ويجوزُ أن يكونَ مبتدأً، خبرُه: وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [1102] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/170)، ((تفسير البيضاوي)) (4/79)، ((تفسير أبي حيان)) (7/536)، ((تفسير أبي السعود)) (6/120). .
- والتَّعبيرُ عنهم بـ الَّذِينَ كَفَرُوا في قولِه: وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا إظهارٌ في مَقامِ الإضمارِ، أي: وعَدَها اللهُ إيَّاكم لِكُفْرِكم [1103] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/337). .
- قولُه: وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، أي: بِئْسَ مَصيرُهم هي؛ فحَرْفُ التَّعريفِ عِوَضٌ عن المُضافِ إليه؛ فتكونُ الجُملةُ إنشاءَ ذَمٍّ مَعطوفةً على جُملةِ الحالِ على تَقديرِ القولِ. ويجوزُ أنْ يكونَ التَّعريفُ للجِنْسِ، فيُفِيدَ العُمومَ، أي: بِئْسَ المصيرُ هي لِمَن صار إليها؛ فتكونَ الجُملةُ تَذييلًا؛ لِمَا فيها مِن عُمومِ الحُكْمِ للمُخاطبينَ وغيرِهم، وتكونُ الواوُ اعتراضيَّةً تَذييليَّةً [1104] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/337). .