موسوعة الفرق

الفَصلُ السَّابعُ: من مَذهَبِ الجَهْميَّةِ تكفيرُهم لمُخالِفيهم


اشتَهَر عن الجَهْميَّةِ القَولُ بتكفيرِ مُخالِفيهم، وهذا كسائِرِ أهلِ البِدَعِ والفِرَقِ المُخالِفةِ لأهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ؛ فإنَّهم يُكفِّرون المُخالِفَ لهم تشنيعًا عليه، وعِقابًا له.
وقد نَقَل بعضُ العُلَماءِ عن الجَهْميَّةِ القَولَ بتكفيرِ مُخالِفيهم.
قال ابنُ تيميَّةَ: (هؤلاء الجَهْميَّةُ معروفونَ بمُفارَقةِ السُّنَّةِ والجماعةِ، وتكفيرِ من خالفَهم واستِحلالِ دَمِه، كما نعَتَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الخوارجَ [293] أخرجه البخاري (6934)، ومسلم (1068) من حديث سهل بن حُنَيف رضي الله عنه، ولفظ البخاري: عن يسير بن عمرو قال: قلتُ لسهلِ بن حُنيفٍ: هل سمعتَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول في الخوارج شيئًا؟ قال: سمعتُه يقولُ، وأهوى بيدِه قِبَلَ العراقِ: ((يخرج منه قومٌ يقرؤون القرآنَ لا يجاوِزُ تراقيَهم، يمرُقونَ من الإسلامِ مُروقَ السَّهمِ من الرَّمِيَّةِ)). ، لكِنَّ قولَهم في اللهِ أقبَحُ من قَولِ الخوارجِ، وإن كان للخوارجِ من المُبايَنةِ للجماعةِ والمُقاتَلةِ لهم ما ليس لهم مع أنَّ أهلَ المقالاتِ ذكَروا أنَّ قولَ الخوارجِ في الصِّفاتِ هو قَولُ الجَهْميَّةِ والمُعتَزِلةِ، هذا ذكَره الأشعَريُّ وغيرُه من المُعتَزِلةِ، وهذا -واللهُ أعلَمُ- يكونُ قولَ من تأخَّرَ من الخوارجِ إلى أن حدَث التجَهُّمُ في أوَّلِ المائةِ الثَّانيةِ، وأمَّا الخوارجُ الذين كانوا في زمَنِ الصَّحابةِ وكِبارِ التَّابعينَ فأولئك لم يكُنْ قد ظهَر في زمنِهم التجَهُّمُ أصلًا، ولا عُرِفَ في الأمَّةِ إذ ذاك من كان يُنكِرُ الصِّفاتِ، أو يُنكِرُ أن يكونَ على العَرشِ، أو يقولُ: إنَّ القُرآنَ مخلوقٌ، أو يُنكِرُ رُؤيةَ اللهِ تعالى، ونحوَ ذلك ممَّا ابتدعَتْه الجَهْميَّةُ من هذه الأمَّةِ) [294] ((بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية)) (2/302). .
وهذه السِّمةُ من سماتِ الفِرَقِ المُخالِفةِ لأهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ عُمومًا؛ أنَّهم أُولِعوا بتكفيرِ ‌مُخالِفيهم، بناءً على ما قرَّروه من أنَّ ما هم عليه أصولٌ لا يُعذَرُ أحدٌ بمُخالَفتِها لشُبهةٍ أو لغيرِ شُبهةٍ.
قال ابنُ تيميَّةَ: (صار كثيرٌ من أهلِ البِدَعِ مِثلُ الخوارجِ والرَّوافضِ والقَدَريَّة والجَهْميَّةِ والمُمَثِّلةِ يعتَقِدون اعتقادًا هو ضلالٌ، يرونه هو الحَقَّ، ويرونَ كُفرَ من خالفَهم في ذلك، فيصيرُ فيهم شَوبٌ قَويٌّ من أهلِ الكِتابِ في كُفرِهم بالحَقِّ وظُلمِهم للخَلقِ، ولعَلَّ أكثَرَ هؤلاء الـمُكَفِّرينَ يُكَفِّرُ بـ "المقالة" التي لا تُفهَمُ حقيقتُها ولا تُعرَفُ حُجَّتُها!) [295] ((مجموع الفتاوى)) (12/ 467). .
وهنا يُنبَّهُ إلى تناقُضِ وَقَع فيه الجَهْميَّةُ، وذلك أنَّهم يرونَ الإيمانَ هو المعرفةَ فحسْبُ، وأنَّ الأعمالَ خارجةٌ عن مسمَّى الإيمانِ، ومع ذلك يُكفِّرون المُخالِفَ لهم، مع كونِ تلك المُخالَفةِ لا تتعَلَّقُ -مهما عظُمَت- بالمعرفةِ أو التَّصديقِ القَلبيِّ!

انظر أيضا: